وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فروانة يقدم ورقة لملتقى الأسرى في بيروت

نشر بتاريخ: 30/04/2014 ( آخر تحديث: 30/04/2014 الساعة: 15:52 )
غزة - معا - قدم الأسير المحرر، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، ورقة حول الأسرى، باللغتين العربية والانجليزية، في الملتقى المنعقد اليوم الأربعاء في العاصمة اللبنانية بيروت، بخصوص قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة نحو 300 شخصية فلسطينية وعربية وأجنبية، وهذا نصها الحرفي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الكبير والصديق العزيز/ معن بشور حفظه الله،

الأخوات والإخوة الأعزاء،

المشاركون الكرام

بداية أشكر لكم اهتمامكم وعقدكم لهذا الملتقى الذي يتناول قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي. كما أود أن أسجل شكري العميق لكل المؤسسات والهيئات والأشخاص العاملين من أجل قضية الأسرى.

واسمحوا لي في هذه المناسبة أن أتوجه باسمي وباسمكم بالتحية والتقدير إلى أسرانا وأسيراتنا في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي.

الحضور الكريم:

التاريخ شاهد حي، على ما كان في الماضي، حين تصادمت إرادات القوى، فانتصرت إحداها، وانتصرت بنصرها روايتها لما كان. ونحن نقرأ اليوم كثيرا مما كُتب عن حقب ماضية، بأقلام لم تكن دوما موضوعية أو نزيهة. لكننا يجب أن لا ننسى أن تلك الكتابة النهائية ــ لما جرى ــ لم تحدث إلا بعد أن انجلى غبار المعارك، وتبين المنتصر من المهزوم. وإن جانبا مهما من هذا الصراع، الدائر اليوم في المنطقة، هو على كتابة التاريخ.

تحاول الدولة الإسرائيلية ــ ومن ورائها الغرب ــ أن تكتب في كتاب التاريخ أنها إنما جاءت إلى هذه المنطقة من العالم فوجدتها خاوية فاستعمرتها، قاحلة فاستزرعتها... ويحاول الشعب الفلسطيني ــ ومن ورائه العرب والمسلمون ــ أن يكتب في ذات الكتاب رواية مغايرة، تقول بأن قوة غاشمة حاولت ذات مرة أن تقيم هنا، فتجلي سكان المكان، لتقيم على قراهم أماكن سكنى لقوم آخرين، فتصدى لها أصحاب المكان، وصارعوها ببطولة، حتى ردوها على أعقابها خاسرة.

إن كتاب تاريخ هذه المنطقة ما يزال في سطوره الأولى، رغم كل الأماني الإسرائيلية، لسبب بسيط: هو أن المعركة لم تُحسم نتيجتها بعد. ما يزال العدوان قائماً، وما تزال المقاومة مستمرة، بل إن كلا من العدوان والمقاومة يستعران، ويُقذف في نيرانهما وقود جديد كل ساعة. وإنها لمعركة، وفي كل معركة يكون ثمة أسرى. على هذا الأساس ، يجب التعامل مع قضية الأسرى والمعتقلين.

طوال سنوات العدوان الصهيوني، اعتقلت إسرائيل من الفلسطينيين فقط نحواً من ثمانمائة ألف، خمسة عشر ألفا منهم من النساء، إضافة إلى عشرات ألوف أخرى من الأطفال والمقاومين العرب من غير الفلسطينيين. هذا هو الإحصاء العام. أما إذا أردنا أن نقدم إحصاءً لآخر الاعتقالات، فيمكن أن نبدأ من بدء انتفاضة الأقصى (أيلول 2000) فنسجل أكثر من ثمانين ألف حالة اعتقال: منها ما يقرب من عشرة آلاف طفل، وأكثر من ستين نائباً ووزيرا سابقا. فيما بلغ عدد المعتقلين الإداريين نحو أربعة وعشرين ألفا من الرجال، إضافة إلى ألف امرأة أخرى.

ومن الجدير بالذكر أن قوات الاحتلال تعتقل من الفلسطينيين سنويا ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة، يتراوح عدد الأطفال من بينهم من سبعمائة إلى تسعمائة.

ورغم كل ما مضى ــ من الاتفاقيات السياسية وعمليات التبادل العسكرية ــ ما يزال هناك نحو من خمسة آلاف أسير، غالبيتهم من الضفة الغربية، من بينهم (476) صدرت بحقهم أحكام متعددة بالسجن المؤبد.

ومن بين هذا العدد الإجمالي، يوجد حاليا في السجون تسع عشرة امرأة، ومائتي طفل، وأحد عشر نائبا، إضافة إلى عدد آخر من القادة السياسيين. أما الذين لم تُوجه لهم أية تهمة من المعتقلين الإداريين حتى الآن فبلغ عددهم (185) شخصاً، موزعين على ( 17) سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، أبرزها: نفحة، ريمون، عسقلان، بئر السبع، هداريم، جلبوع، شطة، الرملة، الدامون، هشارون، هداريم، ومعتقلات النقب وعوفر ومجدو.

أما الأسرى المرضى الذين يعانون من الإهمال الطبي فقد بلغ عددهم أكثر من ألف وأربعمائة، منهم ستة عشر أسيرا يقيمون ــ بشكل شبه دائم ــ في ما يسمى مشفى سجن الرملة، حيث يعانون من الأمراض الخطيرة: فمنهم من هو مصاب بالشلل، ومنهم من هو مقعد، ومنهم من يحتاج إلى عملية جراحية أو أكثر، ومنهم أكثر من ثمانين مصابا بالأمراض المزمنة، ومنهم أكثر من خمس وعشرين مصابا بالسرطان، إضافة إلى عشرات المعاقين نفسيا وجسديا وحسياً... كل ذلك فيما يمنع الاحتلال الأطباء المتبرعين من دخول السجن لتقديم المساعدة.

إن هذا الواقع، مضافا إليه الكثير مما لا تتسع له صفحاتنا هذه، هو ما يدفع الأسرى إلى خوض الإضرابات الجماعية والفردية عن الطعام، كشكل من اشكال المقاومة السلمية المشروعة ضد السجان. ومايزال حتى الآن بعض من الأسرى ــ خاصة من يحتجزون رهن الاعتقال الإداري ــ يخوضون الإضرابات الفردية عن الطعام، إما احتجاجا على أوضاعهم، أو اعتراضا أصيلا على استمرار احتجازهم دون تهمة أو محاكمة.

الأخوات والإخوة الأعزاء،

لقد باتت مفردات مثل: (الاعتقال، السجن، الأسر والتعذيب) كلمات ثابتة، في قاموس النضال الوطني الفلسطيني، تحيل إلى مفاهيم متلازمة، بل إنها أضحت من أبجديات الحياة الفلسطينية: فلم يكن الاعتقال يوماً ممارسة عفوية أو استثنائية، كما لم يرتبط وجود السجون والمعتقلات في وعي الفلسطيني بزمن إسرائيلي معين، أو شريحة خاصة.

أما الأخطر من كل ذلك، فهذا التلازم المقيت والقاسي، بين الاعتقالات والتعذيب، بحيث يمكن القول بأن جميع من مروا بتجربة الاعتقال، من الفلسطينيين، قد تعرضوا ــ على الأقل ــ إلى واحد من أحد أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي. ولم تَعد هناك عائلة واحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا وقد ذاق أحد أفرادها مرارة الأسر. بل إن هنالك عددا كبيرا من الأسر التي تعرضت بكامل أفرادها للاعتقال. كما وأن عشرات الآلاف من المواطنين قد تعرضوا للاعتقال لأكثر من مرة، بل ولمرات عديدة، والآلاف منهم أمضوا في سجون الاحتلال ما يزيد على العشر سنوات، إضافة إلى مئات أخرى أمضوا أكثر من عشرين سنة، داخل السجن، بل إن بعضهم أمضى في السجن ثلاثة عقود ونصف من سني عمرهم. وكل هذه أرقام خيالية يمكن تصور مدى قسوتها.

ومع الوقت باتت فلسطين، أرضاً وشعباً، خلف القضبان، وكُبل أبنائها بالقيود والسجون تارة، ومدنها وقراها بالمستوطنات والحواجز والجدار تارة أخرى، وبات كل أبنائها يعانون قسوة السجن وألم القيد وصعوبة الحركة والتنقل بحرية، وأصبحت الخارطة الفلسطينية مطرزة كل بقعة فيها بسجن أو معتقل أو مركز توقيف.

لقد شكّلت قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ركناً أساسياً من أركان القضية الفلسطينية وأحد أبرز معالمها، بحيث صارت قضية الفلسطينيين جميعاً، وحظيت باهتمام عربي وإسلامي، بل هي قضية كل أحرار العالم ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن دعمها ومساندتها ونصرتها واجب وطني وشرعي وأخلاقي وإنساني.

من هنا يصبح من نافلة القول بأن الشعب الفلسطيني كله متمسك بحرية الأسرى، شرطا أساسيا لاستمرار العملية السلمية، حيث لا يمكن لأي اتفاق أو تسوية أن تحقق السلام دون إطلاق سراحهم جميعا.

لقد حان الوقت لتتضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لحماية حقوق الإنسان الفلسطيني، وتشكيل لجان قانونية وقضائية، من خبراء ومختصين، لوضع حد لاستمرار الاستخفاف والاستهتار الإسرائيلي بحقوق آلاف الأسرى والمعتقلين، ووقف الاعتقالات اليومية التي لا مبرر لها، تلك الاعتقالات التي تعمق الصراع، فلا تقود إلى أي نوع من السلام. كما ولا بد من تحرك فلسطيني وعربي وإسلامي يليق بمكانة الأسرى وتضحياتهم، ويوازي حجم ما يتعرضون له من انتهاكات وجرائم إنسانية، بما يساهم في تسليط الضوء وبشكل دائم على معاناة الأسرى وإبقاء قضيتهم حية وحاضرة على كافة الصعد والمستويات.

الأخوات والإخوة الأعزاء،

إن من الواجب كسر العزلة عن الاسرى الفلسطينيين والعرب، ورفع الوعي بقضيتهم سياسيا وقانونيا وإنسانيا وأخلاقيا، وذلك من خلال وضع الآليات والاستراتيجيات الكفيلة بالحفاظ على مكانتهم ومركزهم القانوني والشرعي، بما يمثله الأسرى من تجسيد لكفاح الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية من أجل الحرية والاستقلال، ووجوب سرعة التحرك لفضح الانتهاكات الإسرائيلية، التي تستهدف قتل الهوية الوطنية والإنسانية، لآلاف الأسرى، دون تركهم فريسة لإملاءات القوة الإسرائيلية وقوانينها العسكرية الجائرة.

ان تحرير الأسرى ليس واجبا وطنيا وسياسيا وإنسانيا وأخلاقيا فقط، وانما ضرورة حيوية وجوهرية لتعزيز روح المقاومة وشحن همم المناضلين ورفع معنويات الشعب الفلسطيني لاستمرار مقاومة الاحتلال.

وعليه نوصي بـ:

1ــ إطلاق حملة دولية سياسية وإعلامية، في جميع الساحات والمحافل الإقليمية والدولية، من أجل التعبير عن التضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب للإفراج عنهم.

2ــ العمل على تنسيق التحرك بين مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، ونظيراتها في الدول الأجنبية، لشرح أوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وحث منظمات المجتمع المدني في تلك الدول للضغط على حكوماتها من أجل الإفراج عن هؤلاء الأسرى والمعتقلين.

3ــ دعم جهود وزارة الأسرى والمحررين لطلب رأي استشاري من المحكمة الدولية حول المكانة القانونية للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

4ــ توحيد الخطاب القانوني والحقوقي والسياسي والاعلامي حول قضية الأسرى والمعتقلين، وانهاء التباين في الأرقام والمصطلحات والمطالب، وانشاء مرجعية واحدة تقدم وتعرض بيانات ومعلومات أساسية للمتابعين والمهتمين.

5ــ اعداد تقارير ودراسات، بلغات غير العربية، تتناول قضية الأسرى وملفاتها المتعددة.

6ــ نوصي الجهات الفلسطينية الرسمية بضرورة إدراج قضية الأسرى ضمن المنهاج التعليمي الفلسطيني أو ضمن المواد اللا منهجية. كما نوصي اعتماد قضية الأسرى كقضية مركزية في بحوث التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات العربية والأجنبية ومراكز البحوث.

7- نوصي وزارة الخارجية الفلسطينية باعتماد ملحق خاص بقضية الأسرى في كافة السفارات والممثليات الفلسطينية في العالم أجمع.

8- دعم وإنصاف الأسرى المحررين المُعذبين والمضطهدين، وإعادة تأهيلهم اجتماعياً، ومهنياً، ونفسياً، وتقديم الخدمات الطبية لهم، ومساعدتهم على الاندماج في مجتمعهم.