|
عبد القادر وأيمن ومعمر دراغمة: ثلاثة أخوة بلقب شهيد!
نشر بتاريخ: 11/05/2014 ( آخر تحديث: 11/05/2014 الساعة: 16:59 )
طوباس- معا - أعاد الأربعيني عمار قاسم دراغمة رسم حكاية ألم عائلته التي خسرت ثلاثة أبناء برصاص الاحتلال. واستجمع خلال الحلقة الثانية عشرة من برنامج "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية حكاية أخوته الثلاثة: عبد القادر، وأيمن، ومعمر.
يعيد دراغمة، وهو يمسك بثلاث صور للشهداء، عجلة الزمن إلى يوم الجمعة 8 تموز 1988، حين غادر شقيقه عبد القادر المنزل فجرًا، متجهاً إلى عمله في تجارة المواد الزراعية بقرى رام الله، وعاد للمنزل قبل الظهر. يقول: تناول أخي المقلوبة التي طلبها قبل صلاة الجمعة، وأخذ استراحة قصيرة من مشواره، ثم ارتدى ملابسي: بنطال قماش كحلي، وقميصًا أحمر، وحذاء (فورزا) الذي كنا نتباهى به. وبعد انتهاء الصلاة، اقتحم الاحتلال محيط مسجد الشهداء، ووقتها دارت موجهات مع جنود الاحتلال، وأصيب فيها صديقه نهاد أبو هلال برصاص دمدم (المتفجر والمُحرم دولياً)، فأسرع إليه لإسعاف، وحمله مسافة قصيرة على ظهره، قبل أن يطلق عليه جنود الاحتلال رصاص (دمدم) أيضًا، فأصيب إصابة قاتلة في منطقة الحوض. شهيد بلا دماء! ووفق عمار، فإن نقطة دم واحد لم تنزف من أخيه، لكنه أصيب بنزيف داخلي، وتهتكاً في منطقة الحوض، ليسرعوا بعدها في البحث عن سيارة لنقله إلى مستشفيات نابلس، فوجدوا واحدة من نوع (بيجو) كان يملكها رافع حمد الله، وفعلوا، حتى أوصلتهم إلى أول مخيم عسكر، ثم أصابها التلف، ولم تستطع مواصلة الطريق، فنُقل عبد القادر بسيارة الإسعاف إلى مستشفى الاتحاد، غير أن روحه صعدت إلى السماء قبل دخوله. كان عبد القادر أشقر الشعر، ومرحاً، ودائم الابتسامة، وأحس بالمسؤولية في سن مبكر، وأراد أن يؤسس لعمل لتحسين أوضاع أسرته الاقتصادية، ومساعدة والدة الطاعن في السن والمريض، لكن كلام الرصاص كان له رأي آخر. وتوفي والده في 1 كانون ثاني 1989، بعد وقت قصير من استشهاده. أما أمه فرحلت عن الدنيا في 23 شباط 2001. يتابع عمار: كانت أحلام عبد القادر (الذي ولد في خريف عام 1969) أن يؤسس لعائلته بيتاً جديدًا، ويُكوّن عملاً لنا جميعًا، فيما بدأت أمي وأبي -قبل أسبوع من رحيله- البحث له عن عروس، وحددت له إحدى قريباتنا، فوافق دون أن يكتمل الفرح. مما لا ينساه الأخ عن شقيقه، الابتسامة الدائمة التي كانت تطوق وجهه في أحلك الظروف وأقساها، وحبه للعمل، ومرحه. ويقفل عمار ملف الشقيق الأول ليفتح أحزان العائلة الأخرى، فيقول: استشهد أيمن في 1 آذار 2002 في عملية اغتيال قرب قرية المطلة بمحافظة جنين، ورحل أيضاً بملابسي: البنطال الكحلي، والقميص المنقط. ذراع مفقودة يسترد: انضم أيمن ( المولود في نيسان 1975) خلال انتفاضة الحجارة إلى مجموعات الفهد ألسود، وحكم عليه بالسجن 14 عاماً، قضى منها 30 شهرًا، قبل أن يُطلق بعد اتفاق أوسلو. وطوال فترة سجنه بدأ يُدرس نفسه بنفسه، بعد أن خرج من المدرسة في سن مبكر، ولم يكمل غير الثالث الابتدائي، واستطاع في وقت قصير حفظ القرآن الكريم كاملاً، و و2500 حديث نبوي. وبحسب الراوي، فقد كان أيمن محبوباً بين أهالي طوباس، وكان يعمل مفتشًا للمساجد، وعرفته العائلة بحبه للمزاح والمرح. ثم بدأت حياته تنقلب رأسًا على عقب، فقد كان صاحب أطول اعتقال إداري، إذ أمضى 13 فترة حكم متتالية، تراكمت لسبع سنوات ونصف. لكن رصاص الاحتلال وضع نهاية لحياته في الأول من آذار 2002، ولم تعلم عائلته باستشهاده إلا بعد ثلاثة أيام، ووقتها اتجهت الأسرة لقرية المطلة، وبالأحراش المحيطة بمنطقة بيسان، وبدأت بالبحث عنه، إلا أن وجدت جثمانه تحت الشمس، من دون أن يتعفن، فيما لم تعثر على ذراعه اليمنى، التي لم تُدفن معه. 8 تموز: يوم ثقيل ينتقل عمار إلى "جبهة" حزن أخرى، فيلخص حكاية الأخ والشهيد الثالث معمر( مواليد عام 1974)، والذي كان مطارداً من الاحتلال، حتى سقط في اشتباك معه يوم 8 تموز 2002، وهو اليوم الذي استشهد فيه أخي عبد القادر أيضاً. واستناداً لدراغمة، فقد غاب معمر فترة عن البيت، ولم يشاهده أخوته وأخواته قبل أسبوع من رحيله، فيما تلقوا خبر استشهاده بصدمة كبيرة. كان معمر طويل القوام، أحمر الشعر والوجه، مبتسمًا، ترك المدرسة في سن مبكر لمساعدة العائلة، وعمل في الزراعة، وكان يحلم بأن يؤسس بيتاً، واستشهد من دون أن يمتلكه. يقول عمار: تزوج أيمن ومعمر في يوم واحد، لكن الأول اعتقل بعد عشرين يوم من الزواج، وطالت فترات سجنه الإداري، ولم يرزقه الله بأبناء، أما معمر فأنجب ثلاثة أبناء سمى أحدهم ( عبد القادر) تخليداً لأخيه الشهيد. تقليد أسبوعي يحرص دراغمة على تقليد أسبوعي، إذا يخصص لكل واحد من شهداء العائلة، إضافة إلى الوالدين، أربع ساعات كل جمعة، ويجلس فوق قبورهم، ويترحم عليهم بالدعاء والقرآن. مثلما أعادت العائلة تكرار تخليد أسماء الأخوة الثلاثة ( 2 يحملان عبد القادر، و6 يذكرون بأيمن، وواحد يُذكّر بمعمّر). يضيف: لا أنسى أخوتي، فقد كانت عائلتنا متماسكة كثيرة، وكنا نتقاسم الهم والضحكة واللقمة والدمعة، وتشاركنا مع بعضنا البعض في العمل والأحلام، وخاصة أن والدي تزوج في سن الخامسة والستين، وكان يحتاج لمساعدتنا في طفولتنا. ينهي: رحل أخوتي الثلاثة، وبقيت أنا وساطي وقدري وسامي، وشقيقاتي الخمس، ونتقاسم اليوم الأحزان معًا، ونحاول أن نمارس دور الأم التي لم تر رحيل أيمن ومعمر، وذاقت مرارة غياب عبد القادر. قصص إنسانية بدوره أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى إن "كواكب لا تغيب" الذي أنهى عامه الأول، استطاع توثيق تجربة عشرين شهيداً من مدينة طوباس ومخيم الفارعة وبلدتي طمون وعقابا، اختطفهم رصاص الاحتلال خلال انتفاضة الحجارة (1987). كما تتبع الحزن الذي تركه الشهداء في قلوب الأمهات، ورسم مسارات الأحلام المؤجلة لهم إلى الأبد. وأضاف: يحرص البرنامج على تقليد يُقدم قصص الشهداء الإنسانية، التي لا تسقط بالتقادم، ويتتبع روايات الأمهات والأشقاء المُبللة بألم الغياب. فيما قالت منسقة الاتحاد العام للمرأة في طوباس ليلى سعيد، إن روايات أمهات الشهداء تؤكد على تضحية نساء فلسطين ونضالهن المستمر لأجل الحرية. منوهة إلى أن المؤلم خلال مراحل الإعداد لحلقات البرامج الوصول لأمهات يعجزن بفعل تقدمهن في العمر وتراجع أحوالهن الصحية عن الوصول لقبور أولادهن، ويتمنين لو استطعن ذلك؛ للتخفيف قليلاً من أوجاعهن. |