وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حكايات النكسة: طليعة تموت عطشًا وجنود الاحتلال يوزعون السكاكر!

نشر بتاريخ: 08/06/2014 ( آخر تحديث: 08/06/2014 الساعة: 16:51 )
طوباس-معا- واصلت وزارة الإعلام تخصيص برنامجها "أصوات من طوباس" لعرض شهادات رجال ونساء عاصروا نكسة عام 1967. واستضافت في الحلقة الثالثة عشرة الثمانيني رافع فهد خضيري الذي قص حكاية سقوط المدينة، ومازن مبسلط الذي سرد لحظات رحيل عمته عطشًا خلال فرارها إلى الأردن. كما سلط الضوء على رواية التسعيني جودت المصري ليوم السادس من حزيران، وتتبع قصة رفعة المصري التي عادت لحصد محصولها، ونقل التفاصيل المرة من رحلة عودة السبعيني والعريف السابق في الجيش الأردني عزت محمد صوافطة لمدينته قادمًا من القدس.

قصص العلقم

تعيش في أوراق رافع خضيري حكاية شمس السادس من حزيران، حين بدأت الدبابات الإسرائيلية بدخول طوباس من ناحية جنين، فيما أخطأ الناس التقدير، وظنوها عراقية فراح بعضهم يغني لها.

يقول: نشب قتال في منطقة الشهداء، ولم نشاهد معارك في طوباس، ولا ننسى دور سليمان الصالح (أبو هاشم)، الذي كان يجبر الفارين من المنطقة على العودة إليها، حين راح يحصد لهم محصول القمح بالمجان، ويطلب منهم البقاء في أرضهم، وعدم تكرار ما حل عام 1948.

يضيف: شاهدت جثث لسبعة شهداء من الجيش الأردني بين العقبة وطوباس، ولا أنسى كيف أن جنود الاحتلال الإسرائيلي كانوا يرمون علينا التوفي (السكاكر)، ثم هاجموا مخفر الشرطة واستولوا على كل شيء فيه. وحولوا المدرسة الثانوية لمعسكر.

ووفق خضيري، فإنه كان شاهداً على بناء سد من الاسمنت في منطقة عقابا، لكنه لم يعمل فيه. فيما لم يعرف الأهالي سبب إقامة الجيش الأردني لهذا السد، وراح بعضهم يطلق الشائعات حوله، واعتبره آخرون لصد الدبابات ومنعها من الوصول لطوباس.

يوالي: سمعنا عن قصف طائرات الاحتلال لعائلة شهيل مسعود خضيري، وقد سقط شهداء وجرحى من الأطفال والنساء، في قلب الشاحنة التي أقلتهم للضفة الشرقية.
ويعتبر خضيري أن احتلال الساكوت والدير، والاستيلاء على جباريس وسهل قاعون، وبزيق، ويرزا، وبزيق، بدءاً من النكبة ومروراً بالنكسة وحتى اليوم، قد افقد طوباس الرئة التي تتنفس منها، وبخاصة أنها تحتوي على أراض شاسعة وثروة حيوانية ومراع.

فيما يقول مازن صالح مبسلط ( مواليد عام 1945): كنت يوم النكسة ابن 22 سنة، وشاهدت جثة عمتي طليعة صالح مبسلط، وسمعت من الجيران كيف أنها ماتت من العطش في سهل البقعية، وقد غطاها بعض الفارين بالقش. ولا أنسى الرائحة التي كانت في المنطقة، وقد رأيت جثث لثلاثة شهداء، في منطقة عينون واحدة لعلي أبو القرون والثانية لشاب من قرية الفندقومية بجنين.
فرار وهلع
ولا زالت ذاكرة جودت جميل المصري، الذي أبصر النور عام 1919، وكان عضوًا في بلدية طوباس، وأسس ناديها الرياضي عام 1951، بكامل عافيتها، يقول: قبل النكسة بساعات، أرسل لنا أصحابنا في الزبابدة أطفالهن ونسائهم للهروب من الحرب. وقد كنت أعمل مسؤولًا في الدفاع المدني، وتسلمت سلاحا رشاشًا، وحقيبة فيها أدوات إسعاف، وبعد سقوط البلد، أرسل لي جنود الاحتلال تبليغًا لمراجعتهم، فهربت إلى الأردن، وقبلها شاهدت طائرة إسرائيلية وهي تقصف دبابة أردنية مدخل البلدة، وسقط فيها 5 شهداء، أقمنا لهم في أرضي مقبرة، لا زالت إلى اليوم.

يروي: حصلت النكسة في طوباس قبل ظهر السادس من حزيران، وكانت الطريق إلى نهر الأردن مليئة بالفارين، ولم يبق في البلدة غير الرجال الكبار في السن. وكان أخي حكمت ينقل الركاب على جراره، ويأخذ منهم 5 دنانير.

يزيد: كان الناس يظنون أن الطائرات الإسرائيلية، حين تبتعد عن النظر وتختفي عنهم، أنها سقطت بفعل الرصاص الذي يُطلق عليها.

تقول التسعينية رفعة المصري: هربنا من المدينة، وقطعنا الشريعة (نهر الأردن)، وشاهدت الناس في سيارات، وعلى الحمير، ومشي، وقطعنا النهر من مخاضة أبو السوس، وذقنا الويل والخوف. بعد النكسة بأسبوع، رجعت إلى أرضنا في الغور، وحصدت القمح، وبعته بـ 70 ديناراً، وأعطاني التاجر عشرة دنانير فراطة (فكة)، ولم أجد من يبدلها لي لورق، وعدت لعمان.

من القدس لطوباس
فيما وقعت النكسة حين كان عزت محمد صوافطة يعمل عريفاً في الجيش الأردني في مدينة القدس، ووقتها، قرر أن لا يفر إلى الضفة الشرقية، وأن يرجع لطوباس، مهما كلف الأمر.

يسترد: كانت القدس خالية من الناس يوم 6 حزيران، وقرابة الساعة الخامسة مساء هجم اليهود على المدينة، وأتذكر لحظات مهاجمة مركزنا في بدو، حين اقتحموه عن طريق قطنّة- أبو غوش، حوالي الساعة السادسة والنصف، بعد الدخول من منطقة الرادار. ونشبت مقاومة في منطقة بدو فوق القبيبة، وأطلق الجيش الأردني النار من داخل المعسكر، ولكن كانت أسلحة الاحتلال أحدث وأكثر، ولم تدم المقاومة في المنطقة غير ساعة وربع. وعند الصباح، شاهدت جيش اليهودي وهو يحتل قطنة والقبيبة، وأدركت أن البلاد سقطت، وقررت أن أخرج من معسكر قطنّة بمنطقة (خراب اللحم) وكان معي الشاويش سليمان تركي من بيتنا بنابلس، وأبو مجاهد من بورين (استشهد في اليوم نفسه)، ومقابل بدو، وعلى شارعها العام، كان يجتمع شبان من الخليل بين الأشجار، يريدون الذهاب لرام الله، ويلا يستطيعون قطع الشارع؛ لوجود دورية للاحتلال على بعد نصف كيلو متر منهم، في الجبل، والتقيت بالجندي محمد عطوة من الكرك، وارتدينا الزي المدني.

ووفق صوافطة، فإن أحد الشبان اجتاز الشارع، ولم تصبه الرصاصات الإسرائيلية، فكرر زميله أبو مجاهد العبور غير أن الرصاص أصابه واستشهد على الفور، بعد إصابة بالبطن. فيما قرر هو أن يمشى نحوهم مباشرة، ولما وصلهم شاهد جنديين إسرائيليين، كان أحدهم بدوي، وما أن وصل إلا واتهمه بأنه جندي عراقي، وطلب منه أن يقف جانباً. وبعد وقت قصير بدأ الجندي بمحاورته، وتفحص رقبته، وفتش ملابسه، وسأله عن مهنته، وعلاقة بالجيش العراقي والأردني، إلا أنه قال إنه يعمل في تنظيف بيوت المغتربين في شعفاط، ويريد أن يذهب لعائلته في رام الله، فسمح له بالمغادرة، ثم رد الراوي: هل ستقتلوني كما فعلتم بالرجل قبل قليل؟ فأجاب: لا.

يتابع: وصلت عين عريك ليلاً، وشاهدت الناس يقفون بجانب مقبرة، وسألت عن شاب أعرفه يعرف الطريق لنابلس، والتقيت بالجندي الكركي، فدلونا على رجل يعمل بالكسارة اسمه أبو فهمي، فاستقبلنا. وفي صباح اليوم التالي، سمعت من الإذاعة سقوط البلاد، ثم سألني المضيف عن عملي، فقلت إني عامل، فرد عليّ بأنه يعرف الناس من وجوههم، وقال: أنت لست بعامل، وطلب مني أن الحقيقة، فقلت إنني جندي.

تناول صوافطة فطوره، وطلب أن يهدي مضيفه شيئا، وهو قلم بحبر باركر ذهبي (51) و25 ديناراًّ تبقت من راتبه، هي كل ما في جيبه، لكن أبو فهمي رفض، وبكى؛ لأنه لم يساعده لأجل هذا. بعدها، سار إلى عين قينيا، ثم مضى نحو المزرعة الغربية، وحذره الأهالي من المرور عبر الطريق العريض، ووصل البلدة، واستضافه رجل اسمه أبو عطا، كان يعمل آذن مدرسة، وأمضى عنده حتى الصبح. وقصد عارورة، ليصل خطأ إلى النبي صالح.
يتابع: في الطريق وجدت سيدة سألتني إن كنت أعرف والدها واسمه سعيد حمدان( كان جنديًا) فأجبت بنعم. ثم شاهدت رجلا وزوجته على سطح المنزل، ودعاني للغداء، لكنه كان خائفًا مني، إلى أن سألته عن صديقي سعيد حمدان، فزال خوفه، وتوجهت إلى كوبر، ثم أم صفا، وشاهدت دبابة إسرائيلية على مفرق سلفيت، ودخلت طريق يتما، ومشيت ساعتين ونصف في الوادي، ثم التقيت بسيدة تملأ الماء من نبع. بعدها شاهدتني امرأة عجوز، وسألتها عن صاحب اسمه جميل عبد الحافظ ( عرفته أيام معركة السموع والمظاهرات التي أعقبتها)، فقالت: هذا أخوي. ونزلت على بيتا، ووجدت رجلاً من ميثلون بجنين أعرفه تحت شجرة في عطش شديد، وبحثت له عن ماء جلبتها من بئر، وأمضينا الليل في بيتا، ثم خرجت لنابلس.

ينهي: قبل وصولي لمخيم بلاطة، سمعت مكبرات الصوت لجيش الاحتلال ترفع منع التجول من السادسة صباحاً إلى السادسة مساءً، وتابعت السير لطوباس، ووجدت الشرطي عطا الله توفيق مقتولاً بقذيفة في سيارته، ودخلت طوباس بعد رحلة مشي ثلاثة أيام، وكان أهلي في قد فروا للأردن، ووصل الخبر لوالدي بأنني قتلت في معركة القدس.
تأريخ
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف إلى أن "أصوات من طوباس" خصص هذا الشهر حلقات متتابعة لتسجيل ذكريات الشهود على نكسة حزيران، من رجال ونساء كانوا شهوداً عليها.
وقال إن البرنامج وثق خلال اثنتي عشرة حلقة ماضية قصصًا من طوباس والأغوار لمعمرين وتربويين وقدامي أصحاب المهن وعالم فضاء ومبدعين ومبدعات وأمهات استثنائيات.
وذكر خلف أن هذه السلسلة تتكامل مع برنامجي: " ذاكرة لا تصدأ" الخاص بتوثيق شهادات شفوية لرجال ونساء عاشوا مرارة نكبة عام 1948 و" كواكب لا تغيب" الذي يعيد كتابة حكايات شهداء الحرية وبخاصة الذين سقطوا خلال انتفاضة الحجارة عام 1987.