وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحاج حسين يحتفظ بصحنه وجاروشته من قبل النكبة

نشر بتاريخ: 09/06/2014 ( آخر تحديث: 09/06/2014 الساعة: 13:15 )
سلفيت- معا - ككل يوم يجتمعون تحت ظل شجرة الزيتون المزروعة في ساحة البيت في الصباح والمساء...تشغلهم مواضيع شتى ..يتجاذبون أطراف الحديث عن الحاضر ومستقبل أولادهم .. فترتسم على شفاهم إبتسامات.. وسرعان ما تتلاشى تدريجيا وتختفي.. ليأتي الماضي بذكريات ذلك اليوم المشؤوم.. يتعكر مزاجهم .. فتغضب الحاجة"صديقة" فتبكي لتخفف ثقل الإختناق الجاثم على صدرها ، ليحدق الحاج "حسين" بعينين غائمتين بصمت موجع ما زال يشعر بالغربة.. لينهض الحاج "زكريا" الى المكان الذي يحتفظ به كل ما تبقى لهما من قريتهما التي هجروا منها ..لتعيش عائلة زريقي التي تسكن في قرية مسحة غربي سلفيت بحسرة حرمانهم من بلدهم الأصلي معبرين عن ذلك بدموع حفرت على تجاعيد وجوههم..ليبقى الأمل بعودتهم اليها عنوانهم..

جلسنا مقابل بعضنا البعض، وقع نظرنا جانبا فكانت حقيبة قديمة جدا، وجاروشة قديمة وصحن بيضاوي فيه ثلاث صور، وبدون توجيه سؤال بدأ الحاج حسين عبد الرحيم زريقي البالغ من العمر 83 عاما يحدثنا عن قريته "مسكة" التي هجروا منها قائلا":مسكة كانت جنة،بحكم موقعها، وتقع على بعد 15 كيلومترا جنوب غرب مدينة طولكرم، وتحدها شمالا مدينة الطيرة، وجنوبا قرية كفر سابا المهجرة، و من الغرب قرية الحرم ، وتحاط بمستوطنتي"قلمانيا" ومستوطنة"رامات حافوكيتش".

وبمشاعر مختلطة وما بين لهفة إشتياقه وحسرته يواصل قائلا : كان عدد سكان قريتنا 1500 نسمة يعتمدون في حياتهم على الزراعة مثل القمح , الشعير , البطيخ , التفاح , التين , إضافه الى ذلك كانو يعتمدون على تربية الأبقار والأغنام والجمال والدواجن، فكنا لا نشتري شيئا ،فكانت الأرض مصدرا لنا، واذا إحتجنا لشراء اي شيء من الدكانة، كنا نقوم بإعطاء صاحب الدكانة من محصول المزروعات أو من الانتاج الحيواني مقابل الذي نحتاجه.
|284359|
صمت الحاج حسين وتناول فنجان قهوته ليكمل الحديث أخوه " زكريا" البالغ من العمر 72 عاما، قائلا بحسرة وألم واشتياق: كان عمري 6 سنوات عندما طردونا من قريتنا ما زلت أذكر كل شيء في مسكة ,أذكر مدرستي التي تتكون من غرفتين، كنا نكمل تعليمنا للصف الرابع والطالب الذي ينجح ويريد اكمال تعليمه يذهب الى مدرسة الطيرة ومن ثم الى مدرسة قلقيلة , ما زلت أذكر العم الذي كان يتجول في قريتنا ومعه قردا، وعند معرفتنا ننادي بعضنا البعض ونجمع التفاح لإطعام القرد، كنا ننبسط كثيرا.

هز الحاج زكريا رأسه مبتسما وصمت، وكأن شريط الذكريات يمر في مخيلته ليعود الى مواصلة حديثة لعهود الخفش عن اليوم المشؤوم قائلا: لم يكتفي الإحتلال الاسرائيلي لطردنا من قريتنا بل إرتكبو مجازربحقنا، ففي عام 1936 وفي إحدى الليالي وعند منتصف الليل قام مجموعة من الاسرائلين بإقتحام بيتنا فأختبأ والدي في فرن النار قبل دخولهم للبيت فعاثوا في البيت فسادا واخذوا بالصراخ في وجه والدتي لتخبرهم عن مكان والدي ولكنها لم تخبرهم بوجوده, فذهبو الى بيت عمي ,فأخرجوا أعمامي محمد وحسن وأحمد وجارنا من بيوتهم, وقاموا بصفهم على الحائط ومن ثم بإطلاق النار عليهم , فتوفي جميعا الاعمي "أحمد" الذي عاش حياته بإعاقة دائمة،إضافه الى ذلك قامو بإرتكاب مجزرة بحق العمال الذين كانو يعملون في بيارة "ابراهيم البنا" في يافا , اثناء ذهابهم للعمل فقامو بإطلاق النار عليهم بطريقة عشوائية ، منهم من توفي ومنهم من اصيب.
|284360|
وبتنهيده خرجت بآه هزت وجدانه، لتذهب روحه الى هناك، لتقف ذاكراته عند اليوم المشؤوم ليتحدث لعهود الخفش قائلا":شردنا من قريتنا في18 نيسان 1948عقب تهديدنا بتنفيذ مجزرة مشابهة لمجزرة دير ياسين فكانت حرب نفسية رهيبة ضدنا، وأنه علينا الخروج من "مسكة" على ان نعود اليها بعد أسبوع، فقامت عائلتي بحفر حفرة كبيرة في ساحة البيت ووضعنا كل ما في البيت من اثاث وغلة وكل شيء، كي لا نخسره بعد عودتنا بعد اسبوع ولكن رجوعنا كان خدعة وكذبة، وتشتت العائلات، ما بين الطيرة وقلقيلية، ومخيم بلاطة لنستقر في "مسحة" لتبدأ مرحلة الذل والقهر والعجز،بعد مسقط رأسنا.

تجمدت دمعة قاسية في عينه أبت النزول، ليعود أخوه "حسين" لتكملة الحديث قائلا: "علمنا انه بعد تهجيرنا من مسكة انه تم تجريف القرية عن بكرة ابيها وتسوية منازلنا وقبورها ، ولم يبقى من أثارها الا المسجد وجزء من المدرسة، والبئر الذي ما زالت مياهه لغاية الان كما اخبرنا اقرباءنا الذين يسكنون الطيبة،لم ننسى مسكة بيوم من الايام".

صمت وسكون خيم على المكان.. ليكسره صوت رنين الهاتف، ليرد "زكريا" ،إنها زوجتي ابنة عمي الحجة "صديقة" عمرها 73 عاما ،وبعد ان تحدث معها أخبرها من نحن، ليأتي لنا بالهاتف انها تريد محادثتك، لتقول بلهفة ": أخبروكي عن مسكة انها جنة،أتذكر كل شيء فيها، ولكن لم يتبق الا "جاروشة "التي اصر والدي بتنقلها معنا اينما ذهبنا لتستقر معنا، وما زلت احتفظ بصحن قامت بشرائه والدتي من سوق اسكندر في يافا سنة 1928، وضعت في داخله صور الشهداء" بسام وسعد صايل ومنير رشدي الذين استشهدوا دفاعا عن الارض،ما زلت احتفظ فيه، واحدث احفادي كل فترة عن مسكة، وتضيف بنبرة صوت ضعيفة":لم اعلق صورهم على الحائط، فوضعتها داخل الصحن لأنه يعني التاريخ وأستشهدوا من أجل الارض التي ابتيع منها الصحن".

وتنهي حديثها بألم قائلة": كل يوم بدون وجودنا في مسكة نكبـة، ونكبتنا تنتهي بعودتنا الى مسقط رأسنا واذا غافلنا القدر قبل تحقيق أملنا بالرجوع فسيعود لها أبناءنا وأحفادنا الى هناك.