وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل أمريكا في طريقها للاعتراف بحركة حماس؟

نشر بتاريخ: 19/07/2014 ( آخر تحديث: 23/07/2014 الساعة: 14:02 )
بيت لحم- معا- هذا ما حدث مساء السبت الماضي، اتصل وزير الخارجية الأمريكي " جون كيري" برئيس الوزراء الإسرائيلي " نتنياهو " وعرض عليه خدماته الجيدة الخاصة بالتوسط بين إسرائيل وحماس.

ماذا اقترح كيري على نتنياهو؟, في هذه المرحلة بقيت تفاصيل اقتراح كيري سرية لكن لا يتوجب على الإنسان ان يكون خبيرا مطلعا على الأسرار حتى يخمن ويقدر هوية الوسيط المقترح امريكيا, فمن سيكون غير الشريك الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة الأمريكية ويمتلك علاقات حميمية مباشرة مؤثرة مع حماس إنها بكل بساطة " قطر".

بهذه المقدمة المكثفة استهلت الكاتبة والمحللة الإسرائيلية المعروفة " فيزين رابينا " مقالتها المطولة المنشورة اليوم " السبت " على موقع " nrg" أو " معاريف" سابقا" تحت عنوان "هناك سببا للقلق فأمريكا في طريقها للاعتراف بحماس ".

قبل أسبوعين نشر موقع " nrg " وثيقة قيل إنها تسربت من الخارجية القطرية تتكون من ثمان صفحات يتضح منها بان حوارا يدور منذ فترة بين أمير قطر والإدارة الأمريكية يتعلق بهوية وشخصية وريث " ابو مازن" وان خالد مشعل احد ثلاثة أسماء مطروحة وليس مجرد واحد من مجموعة بل يشكل اسما مفتاحيا في هذا المخطط .

ووفقا للنموذج الأمريكي فان مشعل لم يكن الوريث الوحيد بل جزءا من قيادة جماعية تضم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الى جانب شخصيات أخرى مقربة من قطر مثل جبريل الرجوب لكن في هذا الوضع الأسماء هي الشيء غير الهام بل ان بداية مشاركة حماس هو المهم لأنه يؤشر إلى أفكار ورؤى تنضج حاليا في أروقة البيت الأبيض .

والسؤال الهام حاليا هل تقرب الأزمة الحالية المتفجرة بين حماس وإسرائيل هذا اليوم الموعود يوما تسيطر فيه حماس على غزة والضفة الغربية ؟ هل نشهد أمام أعيننا ولادة محور جديد يتكون من الولايات المتحدة وقطر وحماس ؟ يبدو ان اقتراح كيري ضم قطر للوساطة يؤشر ايجابيا الى الجواب على هذه الأسئلة الهامة ويبدو إن الجواب على هذه الأسئلة هو " نعم " خاصة وان قطر ليست فقط حليفا للولايات المتحدة بل هي الوسيط المفضل لدى حماس .

يقيم خالد مشعل حاليا في قطر ويحظى باحترام الملوك ويلتقي مع امير البلاد ويجري اجتماعات ولقاءات سياسية وأظهرت المرحلة الأولى من عملية " الجرف الصامد " " بين يوم السبت والاثنين " بان قطر يمكن ان تكون وسيطا واقعيا محتملا او يمكن القول بان محور " تركيا- قطر " وان خالد مشعل أمضى هذه الفترة متنقلا بين الدوحة وأنقرة ما عزز الشعور بان القطرين شددوا قبضتهم على سير الامور وعززوا صورتهم كوسيط محتمل مستغلة الفراغ الذي تركه غياب الرئيس المصري " عبد الفتاح السيسي" الذي لاذ بالصمت وفضل البقاء على مسافة آمنة من العملية وذلك على عكس الدور المصري في المرات السابقة حين قامت مصر دور الوسيط بين إسرائيل وحماس لكن هذه المرة خلق " السيسي" شعورا بأنه يفضل أن يجلس جانيا وترك حماس تأكل من الطبخة التي ارتضتها لنفسها .

وناسب الموقف المصري إسرائيل التي كانت تبحث عن متسع من الوقت يتيح لها فرصة تدمير البنية التحتية لحماس وكذلك لائم موقف " المتفرج" مصر التي أعلنت في وقت سابق حماس كحركة إرهابية فقامت بتدمير الأنفاق وأغلقت معبر رفح وأيضا لائم الموقف المصري حركة حماس التي ترتاب وتشك بنوايا الرئيس المصري ولا تثق به كوسيط وبالمقابل تعزز الشعور بان قطر ترسخ موقعها كوسيط ويمكن ملاحظة هذا ليس فقط لان القطريين عقدوا هذا الأسبوع صفقة أسلحة أمريكية بقيمة 11 مليار دولار بل يمكن ملاحظة هذا أيضا عبر تغيير نغمة قناة الجزيرة وذلك خلافا لرئيس وزراء تركيا " اوردغان " الذي لم يتمالك نفسه وساوى هذا الأسبوع بين عضو الكنيست المتطرف " ايلت شاكيد " وهتلر حولت الجزيرة من مسارها وتراجعت عن الحملة العنيفة التي شنتها بداية الحرب وطالبت فيها بتوسيع المواجهة لتشمل الضفة الغربية والقدس وتوقفت هذه الحملة وهذا ما فسره بعض المختصين كشرط إسرائيلي أساسي لقبول دور قطري في جهود الوساطة .

متوج الملوك

وفجأة انقلب كل شيء حيث اجتمع يوم الاثنين الماضي وزراء الخارجية العرب في القاهرة واستغل " السيسي " الذي جلس جانبا حتى تلك اللحظة الفرصة وحرق الأوراق جميعها وقدمت مصر لإسرائيل مقترحا أوليا لوقف إطلاق النار كان من المقرر أن يتحول المقترح المصري إلى قرار عربي صادر عن الجامعة العربية وكان هذا ردا مصريا ذكيا .

بدورها تصرفت إسرائيل أيضا بذكاء وحكمة وأعلنت قبولها المقترح المصري وهنا وجدت حماس نفسها داخل الشرك وادعت بأنها علمت بالمقترح المصري من وسائل الإعلام فقط وكانت الليلة الواقعة بين الاثنين والثلاثاء ليلة صعبة وقاسية على حماس حيث تفجر داخل قيادتها جدالا عنيفا أعلن الجناح العسكري في نهاية الجدال رفضه للمقترح المصري وتجسيدا لهذا الرفض شن صباح اليوم التالي هجوما صاروخيا على إسرائيل فتح الطريق أمام المرحلة الثانية من عملية " الجرف الصامد.

واتضح بعد فوات الأوان أن ادعاء حماس يحمل في طياته الكثير من الحقيقة وتبين بان المقترح المصري لم يكن سوى خطوة تكتيكية تتضمن كمين سياسي الهدف منها منح إسرائيل مزيد من الوقت لمواصلة تدمير وضرب حماس تحت ستار من الشرعية الدولية وهذا الفهم بالضبط هو من أغلق الطريق أمام جون كيري الذي كان في طريقه للقاهرة للاجتماع بالرئيس السيسي وعاد أدراجه إلى واشنطن بعد إطلاق المبادرة المصرية.

هل هذه هي نهاية الوساطة القطرية ؟ الأمر بعيد جدا عن هذا بل يمكن القول بان العكس هو الصحيح لان تحرك " جون كيري" تحرك بعيد المدى إضافة إلى ذلك كانت الخطوة التالية التي قام بها" كيري" بعد إعلان مصر ان اتصل هاتفيا بالعاصمة التركية أنقرة حيث كان يعقد اجتماعا ضم وزراء خارجية قطر وتركيا وهمس في أذانهم بان اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن يضم ويشمل جميع الإطراف .

من ناحيتنا يمكن للتوتر الذي انفجر بين الجناح العسكري لحركة وحماس وخالد مشعل وإسماعيل هنية ان يشكل مع الوقت " تبييضا" محتملا لصورة خالد مشعل استعدادا للمرحلة القادمة من المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس .

وان بدا هذا الأسبوع بان المصريين هم من يقودون المسيرة ويحددون الاتجاه لكن من المتوقع أن تتحول قطر إلى جزء أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في المفاوضات ويبدو ان الاطراف لن تجد مناصا أيضا من منح الأتراك" عظمة" سمينة مثل السماح لها بلعب دور كبير في إعادة ترميم غزة وهذا بالضبط ما يجب ان يقلق إسرائيل لأنه وبنظرة على الإقليم يتبين بان إسرائيل نجحت خلال السنوات الثلاثة الماضية بالحفاظ على نفسها خارج دائرة العنف الذي خلقه الربيع العربي لكن الجولة الحالية ضد حماس جرتنا إلى قلب هذه الدائرة الدموية التي تساهم فيها قطر وتركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة مساهمة كبيرة خلقت حالة من عدم الاستقرار الإقليمي واكبر مثال على هذه الحالة ما يجري في ليبيا جارة مصر الغربية حيث قادت الولايات المتحدة والمخابرات القطرية والتركية حربا لإسقاط ألقذافي عبر تسليح ميلشيات إسلامية حينها هبطت الطائرات القطرية في عمق الصحراء وأفرغت حمولتها من الأسلحة وحين لاحت لحظة " الانتصار" لم يقم القطريون بجمع أسلحتهم بل عادوا بكل بساطة الى ديارهم وهم يروون في أنفسهم كمن يتوج الملوك وشرعوا بتقريب القيادات الإسلامية منهم وكانت النتيجة فوضى إسلامية عارمة بدأت تتسرب إلى دول جوار ليبيا وتهدد استقرار الحدود الليبية المصرية والجنرال السيسي يرى ويدرك كل هذا ولو كان الامر متعلقا به لما سمح بحدوث ذلك لا على الحدود المصرية الليبية ولا على الحدود المصرية مع قطاع غزة قالت الكاتبة الإسرائيلية .

مثلث الحب الغريب

إن دور قطر في تسليح المجموعات المقاتلة في سوريا على مدى السنوات الثلاثة الماضية في غنى عن التعريف والحديث حوله لكن هناك نقاط التقاء تربط بين ما جرى في ليبيا وما يجري في سوريا حيث تعهدت قطر في الحالة الليبية أمام الأمريكان بإعادة جمع الأسلحة التي سلمتها للمجموعات المقاتلة فور انتهاء الحرب على القذافي وفعلا نفذت قطر تعهدها لكن بطريقة غير اعتيادية فقامت بجمع الأسلحة ووضعها على باخرة وسلمتها للمجموعات المقاتلة السورية عبر الأراضي التركية وأيضا في سوريا تماما كما حدث في ليبيا اظهر الأمريكان فهما خاطئا لما يجري ليس فقط لأنهم سمحوا لهذا السيناريو أن يحدث بل لأنهم كانوا مشاركين فيه أيضا وكما حدث في ليبيا لعبت قطر حتى الفترة الأخيرة دورا سلبيا في الصراع الدائر ضد الرئيس بشار الأسد في البداية عبر قناة الجزيرة التي استخدمها كسلاح اعلامي منفعل يدعم المتمردين السوريين ومع الزمن انتقلت لمرحلة تسليح وتمويل مجموعات إسلامية منتقاة تعمل في سوريا.

وجعل جيب أمير قطر المفتوح على الغارب من الصعب جدا على المعارضة السورية منافسة المجموعات الإسلامية المسلحة الممولة جيدا والتي تدفقت إلى سوريا من كل حدب وصوب وهنا أيضا وكما حدث في ليبيا لعبت الإدارة الأمريكية دور التابع الذي يجر قدميه بدلا من قيادة العملية بنفسها .

وتبقى مصر المكان الوحيد الذي فشلت فيه قطر حيث منع سقوط مرسي واعتلاء السيسي كرسي الرئاسة قطر وتركيا وهما العامود الفقري لدعم حركة الإخوان المسلمين والمجموعات المسلحة الأخرى من الزج بمصر في دائرة الفوضى وطالما استطاع ذلك سيمنع الرئيس السيسي قطر وتركيا من إعادة المحاولة في غزة لكن الصراع في بداياته فقط كما يبدو حاليا فان كافة الخيارات الخاصة بالتنافس على دور الوسيط مفتوحة وهناك اتجاهات مفاجئة مثل إعلان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس بان بلاده تعمل بالتعاون مع قطر وتركيا وفرنسا لوقف العنف الإسرائيلي في غزة .

وأعلن الغنوشي أيضا بان المصريين لم يعودوا مناسبين للعب دور الوسيط ويبقى السؤال عن طبيعة الدور الفرنسي في هذا المثلث الغريب لتبقى التفاصيل حتى اللحظة طي الكتمان وتحت غطاء السرية .

أجلا أم عاجلا سيجد الرئيس الفرنسي " هولاند " نفسه مضطرا لتقديم توضيحات لكن الأجوبة باتت بشكل أو بأخر معروفة فالفرنسيين مثلهم مثل الأمريكيين مرتبطين بعناق شديد مع القطريين وفي الحالة الفرنسية فان العناق الاقتصادي بما في ذلك الاستثمارات القطرية الضخمة في قطاع الطاقة والبناء الفرنسيين إضافة للاستثمارات الرياضية القطرية في باريس ما يجعل العناق الفرنسي القطري اشد واقوى .

متبرع مجهول

النجم القادم الذي يحتل ويسيطر على الوعي الدولي هو تقرير " تيري- تيري" الذي سيصدر يوم الاثنين القادم عن معهد البحوث " International Crisis Group ICG" والذي سيدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار بوساطة مصرية وسيوصي بدخول قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بهدف العمل والسيطرة على المعابر التي تربط قطاع غزة بإسرائيل ومصر حتى يتاح نقل البضائع والمواد الحيوية إلى غزة المحاصرة وهذا يبدو أمرا جيدا لكن هنا بالضبط تبدأ المرحلة التي يقترح فيها التقرير قيام الأمم المتحدة أو متبرع أخر بدفع رواتب موظفي حكومة حماس في غزة بهدف منع اندلاع حرب أهلية بين حماس وفتح وفي المقابل تتعهد حماس بوقف إطلاق النار وفرضه على بقية الفصائل الفلسطينية .

والمتبرع المجهول الظاهر في التقرير سيكون بكل تأكيد " قطر " لكن التجديد المثير للاهتمام في التقرير وما قدمه من اقتراحات هو قيام الامم المتحدة بدفع رواتب حكومة حماس وهذا الاقتراح يقع على مسافة " شبر" فقط من الاعتراف الدولي بحكومة حماس وهذه هي روح الأمور الجارية .

والنقطة الأساسية في التقرير المنتظرة تتعلق بطلب الاعتراف بحكومة المصالحة " فتح- حماس" كوسيلة رئيسية لتحقيق الاستقرار في غزة والأمن لإسرائيل ويثني التقرير على استعداد الولايات المتحدة للعمل مع حكومة فتح- حماس ويرى بهذا الموقف أداة أساسية لترميم غزة .

ويقترح التقرير القيام بالخطوات سابقة الذكر فيما تواصل حماس سيطرتها الفعلية على قطاع غزة " سيطرة الأمر الواقع" .

ونزلت هذه التوصيات نزول الندى على أذان الإدارة الأمريكية التي تؤيد وتدعم حكومة " فتح- حماس" كما تعتبر هذه التوصيات خطوة أخرى على طريق تحقيق الاعتراف الدولي بحماس وشرعية قياداتها كوريث للرئيس ابو مازن تماما كما جاء في الوثيقة القطرية .

ستواجه إسرائيل خلال الفترة القادمة ضغوطا غير متوقعة وليست بالبسيطة خاصة وان معادلة " الهدوء سيقابل بالهدوء" لم تعد مقبولة لا على حماس ولا على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحتى يتم الحفاظ على الهدوء والاستقرار هناك حاجة لخطة " مارشال" خاصة بقطاع غزة تتيح بناء ميناء ومطار وربما تطوير حقول غاز مقابل سواحل غزة وفي كل خطة من هذا القبيل سيكون لقطر دورا محوريا وكل هذا سيتم دون نقاش معايير الاعتراف بإسرائيل.

وأخيرا قالت الكاتبة ان شيئا من كل ما ذكر لا يمكن أن يحدث دون تغير ثوري في العلاقات بين القاهرة وغزة وحتى يحدث هذا التغيير سيكون هناك الكثير من المرشحين من انقرة حتى واشنطن الذين يمكنهم الذهاب لشرب مياه بحر غزة .