وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

غزة ردت كيد إسرائيل إلى نحرها والأخيرة تبحث عن نصرها بين الركام

نشر بتاريخ: 27/09/2014 ( آخر تحديث: 30/09/2014 الساعة: 11:43 )
بيت لحم- معا - تعتبر المحادثات غير المباشرة التي افتتحت الأسبوع الماضي في القاهرة فرصة تاريخية لإحداث تحول ايجابي في قصتنا غير المنتهية مع غزة، ورغم ان إشارة نهاية المواجهة مع الفلسطينيين لن تصدر من هناك "القاهرة" لكن يمكننا من خلال هذه المحادثات تحقيق هدوء طويل المدى ومستقر، وان يعيش جنوب إسرائيل لسنوات دون صواريخ مكثفة أو متقطعة أو عمليات تصعيد، لكن قبل كل شيء علينا أن نعترف بان إستراتيجية جولات الردع ومن ثم التوصل إلى ترتيبات وفرض إغلاق قد فشلت وأفلست تماما- حسب تعبير المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت "روني بن يشاي"- الذي نشر اليوم السبت تحليلا مطولا رأى فيه فرصة تاريخية غير مسبوقة تلوح في أفق مفاوضات القاهرة، داعيا إسرائيل إلى الاعتراف بفشل سياستها العسكرية والسياسية في غزة وفشل سياسة الاحتلال والنظر إلى إمكانية تحويل هذا الفشل إلى فرصة تاريخية.

"الإستراتيجية التي تم بلورتها إبان حكومة "ايهود اولمرت" تقوم على فرضية أن الجيش قادر على خلق حالة ردع قوية ومؤثرة لفترة طويلة أمام حماس وبقية المنظمات "الإرهابية" ومثل هذا الردع يتحقق عبر سلسلة من العمليات العسكرية تم التخطيط لها بعناية كبيرة، لكنها محدودة زمنيا ينفذها الجيش بين الفينة والأخرى يوجه خلالها ضربات قاصمة للقدرات العسكرية للمنظمات "الإرهابية" ويقتل خلالها عددا كبيرا من مقاتليها وقادتها الميدانيين، ما يؤدي إلى إضعافها، فيما يشكل الدمار الكبير الذي يلحق بالمدنيين مكونا إضافيا من مكونات قوة الردع، لان حماس ستخاف أن تفقد شرعيتها في حكم غزة من خلال عجزها عن تزويد السكان بالأمن الجسدي والنفسي والاحتياجات الأساسية وبعدها سيتم ترجمة "الانجازات" العسكرية إلى تفاهمات سياسية تؤدي إلى استقرار التهدئة بعد انتهاء جولة القتال، على ان يتولى الإغلاق البحري والبري مهمة تعطيل أو تأخير عملية بناء حماس والجهاد الإسلامي لقوتهما مجددا، ما يوسع مساحات الهدوء التي تفصل بين التصعيد والعمليات القتالية.

هذه باختصار شديد الإستراتيجية التي منحها وزير الجيش السابق "ايهود باراك" المنطلق الفكري على أساس أنها ستأتي بالأمن والهدوء لسكان الجنوب لفترات زمنية طويلة، وستمكن هؤلاء السكان من ممارسة حياتهم الروتينية وتعزيز اقتصادهم على أمل أن يحدث شيء مع مرور الزمن يغير الواقع في غزة بشكل جوهري ويبطل مفعول قنبلة "حماس" الرابضة في القطاع، ربما كان هذا الشيء عبارة عن حل دائم مع الفلسطينيين او حدث إقليمي يخلق وضعا مريحا يسمح بإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وبهذا يمكن للكابينت السياسي والأمني إن يوجه موارد الدولة وان يهتم بمواجهة التهديد النووي الإيراني وترسانة الصواريخ التي تمتلكها سوريا وحزب الله.

"لكن ومع شديد الأسف كل هذه التقديرات والفرضيات التي استندت إليها وقامت عليها الإستراتيجية الإسرائيلية قد ذهبت إدراج الرياح" قال بن يشاي.
|297935|
الكيد المرتد

"رغم الحصار والإغلاق والضائقة الاقتصادية في قطاع غزة وتأهب واستعداد الجيش وربما بسببهما واصلت حماس سيطرتها على قطاع غزة وتتمتع بدعم جزء كبير من السكان الذي يتربون منذ نعومة أظفارهم على كراهيتنا ويظهر الجناح العسكري التابع لحماس"عز الدين القسام" بعد كل جولة وضربة قدرة مثيرة للاهتمام والانتباه على إعادة البناء وتجاوز الصدمة، وينجح مجددا في تحدي إسرائيل بل وينجح في خلق حالة ردع، فعلى سبيل المثال تطورت حماس والجهاد الإسلامي بعد عملية "الرصاص المصبوب" إلى نموذج عسكري يجمع بين المنظمة "الإرهابية" التي تنشر عناصرها بين السكان المدنيين وبين جيش دولة يمتلك أسلحة حديثة، ووفقا لمعلومات أجنبية حاولت إسرائيل إحباط عملية تعزيز بناء القوة العسكرية لحماس والجهاد وان تغلق الطريق إمام إرساليات الأسلحة الإيرانية التي تجد طريقها إلى غزة المحاصرة، وبعد تكلل غالبية العمليات الإسرائيلية في هذا المجال بالنجاح وبعد شروع المصريين بتدمير الأنفاق بشكل جدي تعلم أهل غزة تطوير صناعاتهم الخاصة وكيفية إنتاج أسلحة وتطوير وسائل وأساليب القتال وحين استخدموا قليلا مما تعلموه على يد الإيرانيين والسوريين كانت النتيجة تحديا اكبر وعقبة اكبر.

صحيح أن الجناح العسكري لحماس لم ينجح خلال عملية "الجرف الصامد" في تنفيذ وإخراج جميع المفاجآت الإستراتيجية التي أعدها إلى حيز الوجود لكنهم انزلوا مرة تلو أخرى ضربات قاتلة عبر الأنفاق وقذائف الهاون مستهدفين "خلفية" القوات المقاتلة والبلدات الملاصقة لجدار الحدود، وهذا دليل آخر على ان استراتيجية "الجولات القتالية" لم تفشل فقط في منح الأمن لسكان الجنوب، بل أثبتت بأنها تعمل ضدنا على شكل "الكيد المرتد" فرد الفلسطينيون كيدنا الى نحورنا"، قال بن يشاي.

وأضاف "تحدث أشياء غير جيدة أيضا في جانبنا ولا يوجد أي قيمة "للترتيبات" لان المنظمات "المتمردة" يخرقون هذه الترتيبات لان كل طرف يعطي تفسيرا مختلفا لهذه "الترتيبات"، وهذا التفسير غير مقبول على الطرف الآخر وعمليا يؤدي هذا التضارب في التفسيرات الى العودة سريعا الى دائرة التصعيد.

كل عملية أو جولة قتال تكلفنا خسائر وتخلق فجوة "بئر" في الميزانية وتعزلنا عن العالم وتثير وتشعل الضفة الغربية والدول المجاورة- وإذا لم يكن كل هذا كاف- بسبب غياب الحسم أو صورة نصر واضح نهاية كل معركة وعملية تتآكل قوة الردع الإسرائيلية في نظر الأعداء الآخرين باستمرار.

وبعد عملية "الجرف الصامد" وهي الرابعة في ترتيبها بين العمليات التي نفذها الجيش ضد غزة خلال العقد الأخير فقد سكان "غلاف غزة" الإحساس بالأمن وثقتهم بقدرة "الدولة" على الدفاع عنهم خاصة بسبب القرارات الخلافية التي أصدرها المستوى السياسي الذي لم يقرر تدمير الأنفاق فور بداية العملية ولم يبادر إلى إخلاء الأطفال والمدنيين من البلدات التي تتعرض لقصف الهاون، وهناك كثيرون بين الإسرائيليين يشككون بقدرة الجيش على هزيمة "الإرهاب" وبقدرات الكابينت ورجال السياسة على قيادة الدولة أثناء الحروب.

إسرائيل والخيارات السيئة

وعلى ضوء هذه المشاعر من الصعب علينا فهم سبب عدم إجراء الحكومة خلال السنتين الماضيتين ولو نقاشا استراتيجيا جوهريا وعميقا واحدا يتناول طرق وأساليب مواجهة التحديات التي يشكلها نظام حكم حماس في قطاع غزة.

وأصدرت هيئة الأمن القومي ومن يقف على رأسها عدة "أوراق موقف" وتوصيات وكذلك فعل أيضا قسم التخطيط التابع للجيش ومنسق "شؤون الحكومة في المناطق" وكل هذه الأوراق والتوصيات ابتلعها الثقب الأسود المسمى بالتهديد الإيراني الذي امتص كافة الموارد والاهتمام والتفكير وإبداعية القيادة الأمنية- السياسية، وما بقي منها تم تبذيره على مفاوضات عقيمة مع أبو مازن ونزاعات مع كيري واوباما وبين بيبي وايهود باراك وبيبي وبوغي بكل بساطة أوكلوا مهمة القيادة "للطيار الآلي" حتى موعد العملية القادمة دون ان يفحصوا ويدرسوا الخيارات المتاحة، وسادت الفرضية القائلة بعدم وجود خيار استراتيجي سياسي أو عسكري يمكنه تحقيق نتيجة أفضل مما كان.

وهناك ترويج لاستراتيجية أخرى كبديل لإستراتيجية "الجولات القتالية" تعرف باسم "استراتيجية الانهيار" وملخصها يقوم على تكرار ما فعلناه ضد حركة حماس وفتح في الضفة الغربية اثناء عملية "السور الواقي" التي جرت خلال الانتفاضة الثانية يمكن تنفيذه الان ضد حماس والجهاد الإسلامي في غزة.

يمكن إعادة احتلال قطاع غزة لكن كما قيل أثناء عملية "الجرف الصامد" سيكون الثمن في الأرواح والميزانيات على المدى البعيد كبيرا، إضافة لعودة حكم السكان المدنيين وهذه الإستراتيجية طالب بها افيغدور ليبرمان لكن نتنياهو ويعلون وحتى بينت رفضوها وكانوا محقين في ذلك.

هناك خيار آخر لإستراتيجية "الجولات" و"الترتيبات" وما بينهما، وهي إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن على قطاع غزة وهذه الاستراتيجية لم يتم دراستها بجدية لان أبو مازن لا يستطيع بشكل حقيقي التعامل ومواجهة حماس عسكريا، إضافة إلى عدم رغبته بذلك فهو غير معني بان يتحول إلى زعيم "دمية" وحتى الإعلان الصادر أمس الأول حول سيطرة حكومة الوحدة على غزة غير كامل حيث لا زال الخلاف سيد الموقف بين حماس وفتح على كل البنود والنقاط الأساسية، كما لم يتم ترتيب قضية رواتب موظفي حماس ومن سيتحكم بقوات الأمن بشكل عام ومن سيشرف على معبر فح والمعابر مع إسرائيل و....الخ، وبالتالي يمكن القول إن الإعلان قصد كسب رضا المصريين ليس إلا حتى يقتنعوا بفتح معبر رفح وكذلك قصد منه اقناع الدول المانحة التي سبق وان أعلنت أن أموال الترميم وإعادة البناء ستحول فقط من خلال السلطة.

هناك من يعتقدون أن مصر ستأخذ على عاتقها مسؤولية السيطرة على قطاع غزة وان قوة متعددة الجنسيات ستدخل القطاع لإدارة شؤون الفلسطينيين هناك من خلال "انتداب" الأمم المتحدة حتى يتم إقامة نظام حكم فلسطيني موثوق به او ان تعود غزة لحضن مصر وتتحول جزءا منها.

أيضا هذا الخيار غير واقعي لان جميع أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر بما فيهم نظام "السيسي" غير مستعدة حتى لبحث هذا الخيار وهذا أيضا موقف جهات دولية أخرى.

والخيار الرابع لا يشكل عمليا خيارا بشكل حقيقي لأنه لا يغير الوضع الاستراتيجي من أساسه لكنه قد يمنحنا صورة نصر وردع لفترة زمنية أطول مما حصلنا عليه حتى الان عبر العمليات العسكرية السابقة، ويتمثل بتوجيه ضربة مفاجئة للمنظومة العسكرية التي تمتلكها حماس وبقية المنظمات حتى قبل وصولنا إلى مرحلة التصعيد القادمة، ويتميز هذا الخيار بأفضلية تقصير أمد المعركة وتقليل خسائر الجيش ومقابل ذلك سيسقط عدة الاف من المدنيين الفلسطينيين في غزة بين قتيل وجريح، لأننا لن نستطيع منحهم فرصة الفرار والهرب من الجحيم، وإذا فعلنا ذلك سنفقد المفاجأة ونتيجة لذلك ستفقد إسرائيل الشرعية ما سيجبر الجيش على التوقف والانسحاب قبل تحقيق أهدافه خشية عقوبات دولية قد تفرض علينا.
|297936|
لماذا تحتاج إسرائيل حماس

في ظل غياب خيار أكثر جاذبية لا نستغرب لماذا اضطر وزير الجيش الجديد "يعلون" لتبني إستراتيجية "الجولات" فيما نتنياهو أصبح أكثر قناعة بان "ايهود باراك" كان وزير دفاعه هو الذي اختاره.

لذلك وفي جلسة الكابينت التي عقدت في السابع من تموز الماضي والتي تقرر فيها الشروع بعملية "الجرف الصامد" صادق الوزراء بالإجماع على صيغة مكتوبة ومعدة سلفا حددت الهدف الاستراتيجي للعملية على هذا النحو "توجيه ضربات قوية جدا للقدرات العسكرية لحركة حماس والوصول إلى فترة هدوء طويلة على كل الجبهات الفلسطينية بما في ذلك الضفة الغربية"، وهنا لا يتحدثوا شيئا عن التسبب بانهيار حماس أو حتى عن نزع سلاح قطاع غزة.

وتشكل هذه الصيغة المكتوبة التي أعدها قسم التخطيط في الجيش وصادق عليها الكابينت ترجمة لتشكيلة واسعة من الاعتبارات التي تؤخذ بالحسبان والناتجة عن تفكك الدول وجولة التصعيد الهائلة التي تشهدها المنطقة في ظل صعود الإسلام الجهادي والاحداث التي تهز المنطقة برمتها.

"أدركنا ان مصلحة إسرائيل في هذه المرحلة تستوجب وجود جهة مسيطرة وفعالة في قطاع غزة فنحن بحاجة لجهة ما او شخص ما كعنوان نوجه إليه قوة ردعنا وهناك مصلحة قوية لدولة إسرائيل بوجود جهة تحكم غزة بشكل فاعل حتى لا تتحول إلى منطقة "دولة فاشلة" مثل الصومال وإذا لم نجد هذه الجهة التي تحكم غزة سنضطر إلى حكمها بأنفسنا، وباختصار نريد في غزة حكم ونظام ضعيف عسكريا ويخشى قوة ردعنا لكنه فعال في سياقات حكم غزة والسيطرة عليها" قال مصدر امني إسرائيلي رفيع.

وهناك اعتباران هامان حكما أيضا واضعي خطط العملية الأخيرة وكذلك المسؤولين عن إدارة هذه العملية، الأول: الحفاظ على الشرعية الدولية لحربنا وقتالنا في غزة طيلة فترة العملية وصد محاولات اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب فور انتهاء العملية، ولهذه الغاية اوجد المخططون عملية "اطرق السقف" وإخلاء السكان المدنيين وتواجد "ضباط- سكان" يرافقون الوحدات القتالية، إضافة للاهتمام بالاعتبارات القانونية حين اختيار الأهداف الواجب مهاجمتها والاستجابة الفورية لطلب الأمم المتحدة ومصر بضرورة تنفيذ هدنة إنسانية، وكلفتنا هذه السياسة عدد اكبر من الإصابات في صفوف الجيش واستمرار العملية فترة أطول مما هو مرغوب به.

أما الاعتبار الثاني: فيتمثل بتعزيز وتوثيق التعاون والتنسيق مع نظام "السيسي" في مصر حيث أوضح الجيش للكابينت السياسي ان مفتاح منع تعاظم قوة حماس العسكرية مجددا بعد الحرب يوجد فقط في يد المصريين، لذلك فان مصر هي الوسيط المفضل لتحقيق وقف إطلاق النار والترتيبات التي تليه، كما يوجد في القاهرة مفتاح الدول العربية المعتدلة التي لا يوجد لنا أي علاقات معها، لذلك وافق نتنياهو ويعلون وغانتس ومن ورائهم الكابينت بكامل هيئته على كل مبادرة مصرية لوقف إطلاق النار، وأصروا جميعهم على الوسيط المصري دون غيره وفعلا لم تخيب مصر الظن ولم تحقق حماس حتى انجازا واحدا من مطالبها خلال المفاوضات، واضطرت الى طلب وقف اطلاق النار بشروط مذلة ومهينة لكن وبسبب الادارة المصرية غير المتسرعة والانقسامات داخل حماس استمرت المفاوضات لفترة طويلة حتى وصلت الى وقف النار الاخير.

وصفة للهدوء طويل المدى

عمل نتنياهو ويعلون خلال ظهورهم الإعلامي على إخفاء الهدف الاستراتيجي للعملية "إضعاف حماس وليس تصفيتها" والاعتبارات المحيطة بهذا الهدف وذلك خشية رد فعل الجمهور عليهم، وأدت حالة عدم اليقين حول النتائج المتوقع تحقيقها أو الوصول إليها نهاية العملية التي سادت داخل الائتلاف الحكومي والانفعال الذي أظهره بعض الساسة ورجال الإعلام إلى عدم رضا الجمهور من أداء الجيش حتى وصلت إلى الشعور بالمرارة من هذا الأداء.

لكن يمكن القول بتأكيد كبير ان الجيش نفذ المهمة التي أوكلت اليه بصورة جيدة جدا تلك المهمة النابعة من الإطار الاستراتيجي لهدف العملية الذي حدده الكابينت في السابع من تموز حيث وجه ضربات قاصمة لغالبية مقدرات حماس العسكرية بما في ذلك منظومة الأنفاق ما حرمها من تنفيذ غالبية المفاجآت التي وعدت بها واضطرها بعد 50 يوما من الحرب إلى القبول بعرض مصري "ضعيف" لا يحمل الكثير من الدسم لوقف إطلاق النار دن أن يعطي هذا العرض أي استجابة لأي من مطالبها التي قدمتها بداية الحرب.

ومع ذلك لا يمكن القول إن هناك هدوءا طويل المدى والأخبار الجيدة في هذا المجال تتعلق بخلق فرصة حقيقة لتحقيق تهدئة مستقرة لماذا؟ لاننا ننسق خطواتنا مع مصر كما لم نكن في أي مرحلة من المراحل، ولان دولا عربية "باستثناء قطر" ترى في حماس عاملا سلبيا ولان حماس بحاجة ماسة ويائسة للمساعدات الدولية ولابو مازن لذلك يجب استغلال هذا الوضع لصالحنا، وحتى نتمكن من ذلك يجب على المؤسسة الأمنية ان تفكر بمسار آخر وبدلا من محاولتها تحقيق الهدوء عبر قوة الردع أن تحاول تحقيقه عبر الدمج بين وسائل "اللينة" و"الصلبة" كيف ذلك؟

1- خطة "ميني مارشال" تتضمن ترميم وتطوير عام مكثف لقطاع غزة بما في ذلك رفع غالبية القيود المفروضة على حرية الحركة وإصدار تصاريح لاف العمال للعمل في إسرائيل بما يشبه "خطة مارشال" التي بنت اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، يتم تنفيذ مرحلتها الأولى والثانية فورا ودون شروط حتى نضمن تقليص ضائقة سكان غزة إلى الحد الأدنى، ومن ثم مواصلة تنفيذ الخطة بالتدريج واعتدال وربطها بمراحل أو مكونات خطط أخرى وحين حصول تقدم يمنح السكان الفلسطينيون بعض الامتيازات، وحتى يمكن لحماس أيضا ان تحقق بعض المرابح الاقتصادية وبالتالي تصبح المحافظة على وقف النار مهمة بالنسبة لها.

2- رقابة دولية لمنع إعادة بناء قوة حماس العسكرية واستخدام منظمات رقابة دولية وأخرى تابعة للسلطة الفلسطينية لتحقيق ذلك بالتعاون مع مراقبين إسرائيليين.

3- عمليات سرية إسرائيلية داخل قطاع غزة تهدف إلى منع إعادة بناء القوة العسكرية للفصائل الفلسطينية وتحقيق اتفاق بوساطة مصرية يتعلق بالترتيبات الأمنية وخطوط التماس التي تمنع تنفيذ عمليات "إرهابية".

4- تعاون وتبرعات دولية وعربية يمكنها أن تخلق أفقا سياسيا إقليميا سبق لنتنياهو إن تحدث عنه خلال العملية ونسيه بسرعة كبيرة على الاقل لم يعد عليه بشكل علني وإعادة البناء الاقتصادي والمدني في غزة يمكن ان يشكل منصة هامة للانطلاق لتحقيق الأفق السياسي الإقليمي الذي تحدثت عنه إسرائيل، هذا على افتراض بان نتنياهو يريد فعلا تحقيق افق سياسي قد يجد نفسه في طرفه الأخر مجبرا على قبول مبادرة السلام العربية وتوقيع اتفاقيات مرحلية اخرى مع ابو مازن تستمر فعاليتها حتى تمر موجة التصعيد الجهادي التي تضرب المنطقة وتصبح من خلف ظهورنا.

إذا تحقق في القاهرة مسار من هذا النوع وفتحت الدول المانحة محافظها سنربح نحن الإسرائيليون ليس فقط هدوءا لفترة زمنية طويلة "لان ترميم غزة يحتاج الى سنين" بل وللمرة الأولى يمكننا أن نمنع وبنجاعة كبيرة إعادة بناء القوة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي.

يمنحنا التحالف مع مصر "السيسي" فرص وإمكانيات لم تتوفر لنا في أي وقت مضى في هذا المجال، والتطوير الاقتصادي بمساعدتنا سيمنحنا الشرعية الدولية التي تتيح لنا الرد بقوة كبيرة بما في ذلك الاجتياح البري على كل خرق لوقف إطلاق النار، وما ينقصنا الان هو إنقاذ حكومة ومن يقف على رأسها من المفاهيم القديمة.