وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هكذا تحول الجيش الإسرائيلي إلى جيش ديني يهودي

نشر بتاريخ: 01/11/2014 ( آخر تحديث: 04/11/2014 الساعة: 09:29 )
بيت لحم- معا - "كأن شيئا مثيرا ومدهشا فور دخولنا للموقع العسكري.. انتظرنا جنود الحاخامية الرئيسية وحين خرجت قوة الاحتياط التي اخدم فيها إلى هضبة الجولان لأداء الخدمة وعند وصولنا بالضبط أنها جنود الحاخامية العسكرية الرئيسية شد "الخيط" الذي يحدد وفقا للشريعة اليهودية المنطقة التي يمكن للجنود المتدينين نقل وتحريك الأشياء والحاجيات فيها دون أن يدنسوا حرمة " السبت اليهودي " وهذا الأمر كان غريبا وسرياليا حيث لم تصل للقاعدة مأونة الذخيرة والغذاء لكن " خيط السبت " حوط عيروف" وصل دون تأخير وتم شده كما يجب" قال جندي الاحتياط "أ" المقيم في مدينة تل أبيب وهو في الأصل من إحدى القرى الزراعية "موشاف" متحدثا عما شاهده أثناء أدائه الخدمة الاحتياطية عام 2010 وفقا لما كشفه اليوم "السبت" التحقيق الصحفي الموسع الذي نشره موقع " هأرتس الالكتروني" بقلم " كوبي بن سمحون ".

ويبلغ الجندي"أ" من العمر 37 عاما ويخدم في إحدى وحدات المشاة المختارة ولأنه لا يزال يؤدي خدمته الاحتياطية في ذات الوحدة طلب إبقاء اسمه طي الكتمان "اعتقد بأنها المرة الأولى التي أدركت فيها أن جيشنا قد تغير بشكل عميق جدا حينها أدرك بان الحياة اليومية في الجيش وقوات الاحتياط قد تغيرت كثيرا " أضاف "أ" .

"لم كن خيط السبت سوى البداية ففي احد أيام السبت وقعت حالة استنفار قوية لمواجهة ما قيل بأنها محاولة تسلل وفي هذه الحالات لا احد يسال كيف نفعل وماذا نفعل ؟ لكنني اصطدمت في أوج المعمعة بجندي متدين يرفض الركوب في سيارة الجيب وجادل مدعيا بأنه لا يريد تدنس حرمة السبت، وبسرعة كبيرة وأثناء الجدال الصاخب تم استبدال الجندي الرافض بأخر وهذا الأمر كان غير مألوف حينها اتضح لي بأننا لا نتحدث نحن والجنود المتدينين بنفس اللغة حيث واقعة كهذه ما كانت لتحدث أثناء خدمتي الإلزامية حينها فهمت بأننا قد أصبنا بالجنون" قال الجندي "أ" . |301612|

ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي تطرح التحديات امام منظومة العلاقات الهشة التي تربط بين الجنود المتدينين والعلمانيين الذين يخدمون في نفس القاعدة العسكرية في المنطقة الشمالية حيث قال الجندي "أ" بان حادثتين مشابهتين تتعلقان بالدين والحياة قد شهدنهما القاعدة المذكورة الاولى تتعلق بمرشدات "مجندات " من قوات المشاة حضرن للقاعدة بهدف تدريب جنود القاعدة عبر دورة استكمالية وأتذكر بان احد الجنود لم يكن راضيا من وصولهن وابتعد عنهن ولم يصغ إلى ما يقلنه وحين بدأن بالاستعداد للنوم نهض الجندي المذكور وقال بكل بساطة "لن ينمن في القاعدة " رغم وجود غرف كثيرة فارغة تكفي الجميع، لكن الجندي أصر على موقفه صائحا "لن يحدث مثل هذا الأمر المخالف للشريعة فوقع هرج ومرج داخل القادة وفي النهاية تقرر نقل المرشدات للنوم في قاعدة أخرى وبعد أن انهينا التدريب طلب نفس الجندي بان لا تشارك المرشدات الجنود وجبة العشاء وهنا تحديدا لم يكن لدينا استعداد للتنازل أكثر لان هذا الموقف كان بكل بساطة وقاحة كبيرة، لكن كان هناك من طلب منا تفهم هذا الجندي لأنه وصل إلينا من مدرسة دينية متقدمة لكنني لم أوافق وقلت له نحن لسنا في مدينة "بني براك " نحن في قاعدة عسكرية وحتى في مطعم "كاشير" يجلس الرجال والنساء لتناول الطعام نفس القاعة وفي النهاية اخذ الجندي صحنه وذهب إلى غرفته وتناول طعامه وحيدا ".

ورغم الحدة والوضوح التي يطرح فيها الجندي "أ" المولود لام من الكيبوتس وأب يقيم في المدينة "مدني" فانه يصف نفسه كشخص صاحب خلفية تقليدية لكن مع ثقافة علمانية متبلورة وربما لهذا السبب لا يتهم الجنود المتدينين بشيء ويحترم قناعاتهم لكن المشكلة بالنسبة له هو تحول القضايا الدينية إلى موضوع نواجهه ونتعامل معه بشكل يومي وتتجلى هذه القضايا بأمور سلبية مثل "خيط السبت" او المساس بالمجندات أو رفض الاستنفار وقت الحاجة وفي الوقت الحقيقي لوصول الإنذار والشروع بدلا من ركوب سيارة الجيب العسكرية بالنقاش والجدال وفي نهاية الأمر فان كل هذه الظواهر وفقا للجندي "أ" تعتبر جزء من قصة اكبر بكثير .

ورغم أن قصص وروايات الجندي"أ" ترسم صورة حادثة فردية لكن حوادث من هذا القبيل باتت منتشرة بكثرة في صفوف الجيش وتوثقها عشرات الشاهدات التي أدلى بها جنود في قوات الاحتياط واجرين في الخدمة الإلزامية وكذلك شهادات مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية وباحثين في الأكاديمية الأمنية الذين يصفون الجيش بالمنظمة التي تعيش حالة من الصراع اليومي بين قيم الصهيونية الرسمية التي قام عليها والقيم الدينية الأخذة بالتصاعد والتي تفرض على الجنود بطرق مختلفة في إطار الانضباط والانصياع .

وشكلت عملية " الجرف الصامد" فرصة إضافية للاطلاع على الطريقة التي غير فيها الجيش الإسرائيلي وجهه خلال العقدين الماضيين وتحول إلى منظمة تعزز فيها أصول وقواعد الدين مثل إقامة الصلوات الجماعية قبل الذهاب إلى المعركة وتعزز فيها نظام الفصل بين النساء والرجال واهانة السناء وتصاعد قوة الحاخامية الرئيسية وبلورة وتسريب التعليمات والأوامر المرتبطة مباشرة بأمور الدين وعمليات مشتركة تمت بين الحاخامات العسكريين والقيادة العليا بهدف زرع وتغلغل القيم الدينية وتوظيفها في خدمة الروح القتالية وكذلك تسريبها للحياة اليومية في الجيش : قال صاحب التحقيق الصحفي " كوبي بن سيمحون ".
|301610|

لنقاتل الفلسطينيين أبناء كنعان

بالنسبة للجندي "جـ " وهو جندي نظامي يخدم حاليا في وجيفة إرشادية في احد القواعد العسكرية في المنطقة الوسطى فان التجربة الدينية في الجيش تتلخص في زيارته لحائط المبكى حيث قال "حتى ألان وبعد سنة وشهرين من الخدمة العسكرية زرت حائط المبكى ثلاث مرات في المرة الأولى ارسلونا الى هناك في سياق دورة إعداد الضباط وكانت الزيارة جزء من جولة واسعة شملت البلدة القديمة في القدس وتضمنت مواعظ ألقاها جنود احتياط متدينين تحدثوا عن مصطلحات مثل " النجاح " وغيرها واعتقد بان كل جندي ينتسب لدورة اعداد الضباط يتوجب عليه زيارة القدس كجزء من هذا الإعداد " .

وبشكل عام في حلول رأس السنة العبرية يشكل حدثا ذو علاقة ورابط ديني في الجيش فعلى سبيل المثال قبل هذا العيد بعدة ايام اتصلوا من لواء المظليين في قوات الاحتياط بعشرات الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن أثناء المعارك وبشروهن بان قائد اللواء ينوي منحهن " هدية" بمناسبة العيد وفعلا وصل جنود اللواء عشية حلول العيد الى منازل الأرامل ليقدموا لهن "الهدية " الموعودة وهي عبارة عن كتاب يحتوي على ابتهالات دينية مقدسة خاصة بأيام السبت وكافة الأعياد اليهودية إضافة لاغاني وترانيم لثلاث وجبات خاصة بأيام " السبت" مثل صلاة بركة الطعام وصلاة "السبع بركات" ووقع الكتاب بعبارات دينية من قبيل "اللهم يا رب الأرباب عليك بأعدائنا وقوي جيشنا واحمي جنودنا ".

وشكل إقامة الحمام اليهودي الديني التقليدي "ميكفا" في القاعدة الجوية "عوفداه " من قبل منظمة "طاهرة البيت" التي أقيمت عام 2005 بهدف خلق ثورة طاهرة في ارض وبيوت إسرائيل ومنح بنات إسرائيل بشرى الطهارة والكبرياء والعظمة تعبيرا صارخا أخر على مدى تسلل الشعائر والطقوس الدينية اليهودية الى مؤسسة الجيش .

كتبت منظمة " طهارة لبيت" على موقعها الالكتروني "من الجنود وحتى الشمال ومن قاعدة عوفداه القريبة من ايلات وحتى مستوطنة " افني ايتان " في هضبة الجولان تنتشر حمامات الطهارة "ميكفا" التابعة للمنظمة وتنشر بشرى الطهارة والعظمة".

وفي سياق المد الديني اليهودي داخل الجيش نشر خلال عملية " الجرف الصامد " دفتر يوميات قائد لواء غفعاتي "عوفر فينتر" الذي كشف لبنة إضافية في بناء هذه الظاهرة متعددة الجوانب والأوجه وجاء فيه " اشخص بعيوني إلى السماء وادعو معكم قائلا اسمع يا رب إسرائيل ربنا وإلهنا الواحد الهي وربي امنحنا النجاح والسداد في طريقنا حيث نذهب وحيث نحل لنحارب من اجل شعبك إسرائيل ضد عدو دنس اسمك ".

ويقول البروفيسور " يغال ليفي " الباحث في مثلث العلاقات الرابط بين الجيش والمجتمع والسياسة بان الدعاء المكتوب في دفتر قائد غفعاتي يعكس أجندة يومية واضحة لان هذا الدعاء الصادر عن القائد خريج مدرسة دينية وهو متدين خريج احد المدارس الدينية التي تمهد او تسبق الخدمة العسكرية ولا يهدف منها فقط تشجيع المتدينين على أداء الخدمة أو تعزيز قوتهم الدينية قبل التوجه للمعركة بل لتشكل وسيلة تأثير كبيرة على الجيش لذلك فان قائد غفعاتي لم يحتفظ بقيمه الدينية لنفسه بل أدى وظيفته كقائد له رسالة تربوية – دينية دخل الجيش فقط لأجل نشرها والتأثير على الجيش ".

واقترح البروفيسور "ليفي" دراسة قضية قائد غفعاتي بالقياس لقضية ضابط متدين اخر وهو قائد لواء المظليين "اليعازر طوليدانو " حيث تلقى قائد غفعاتي تربيته في درسة التمهيد للخدمة العسكري في مستوطنة "علي" وهي أم وأساس مدراس الصهيونية المتدينة فيما لم يخضع "طوليدانو " لثل هذا الإعداد الديني قبل الخدمة بل تجند للجيش دون ان يمر "بالمدارس الدينية " العسكرية "النظامية او بالمدارس الدينية التي تمهد للخدمة وتحدث " طوليدانو " كقائد عن واجب الدخول الى غزة لحماية البلدات الجنوبية والدفاع عنها دون ان يشنغل بالحرب الدينية لكن يتضح من اقوال قاد "غفعاتي" وبشكل واضح بان الحرب في غزة بالنسبة له هي حرب دينية جيث أن نحارب فيها لأجل سمعة وهيبة الرب والمس بإسرائيل بالنسبة له تعتبر مسا بالرب واله اسرائيل وهناك قواعد مختلفة لحرب قائد " غفعاتي" كونها بالنسبة له حربا واجبا دينيا وشرعيا ".

ما هي أبعاد القتال في الإطار الديني الذي يقترحه علينا قائد غفعاتي " فينتر"؟

ج: حرب كهذه تتيح لنا إلحاق الأذى بسهولة نسبيا بالمدنيين الأبرياء وهذه الحرب تشتمل سعيا لتحقيق نصر قاطع وحاسم لان الأمر يتعلق بسمعة وهيبة الرب وفي إطار حب تدور في أجواء ديني هناك تبرير ديني واضح للموت من اجل الرب واسمه ما يرفع درجة الخطورة التي يواجهها الجنود هذه حرب تنظر للفلسطينيين على انهم "بليشتيم" أو الكنعانيين الأوائل الذين سكنوا سواحل جنوب ارض إسرائيل وهم من اشد الكارهين لشعب إسرائيل لذلك يمكن لهذه الحرب أن تبرر التطهير العرقي .

س: من الواضح ان أجندة يومية وفقا لفهم ومفهوم " فينتر" يشكل تحديا للأجندة اليومية العلمانية في إسرائيل لكن هل تعتقد بأنه يشكل تحديا للأجندة السياسية الإسرائيلية ؟

ج : بكل تأكيد أنا متأكد وقلق جدا من دعاء ودفتر قائد لواء غفعاتي وأكثر ما يقلقني هو صمت الجيش المطبق عن القضية .

س: يبدو ان الجيش ادرك حاجته للدين من اجل خلق دافع جديد يمكن من خلاله دفع الجنود للقيام بمهامهم ؟

ج : هذا صحيح ويوجد لهذا الأمر وجهين أخرين الأول أن الجندي المتدين هو جندي إيديولوجي من وجهة نظر القائد والثاني يتمثل بامتلاك الحاخامية الكبرى "صندوق الأدوات" التي يحتاجها الجيش حين يواجه ويتعامل انحلال المجتمع الإسرائيلي وانتقال هذا الانحلال إلى صفوف الجيش وقد غيرت الحاخامية العسكرية عام 2005 أمر تنظيمها وقالت بان مهمة زرع القيم اليهودية وتاريخ وتقاليد شعب إسرائيل بين صفوف الجنود وهو احد مهامها الأساسية وتم مأسسة هذا التحديد الجديد للمهام عام 2010 عبر تغيير الجيش رسميا أمر إقامة الحاخامية حيث يؤكد الأمر الجديد بان مهمة تعزيز الهوية الدينية الهوية والقيم اليهودي لبين الجنود والقادة هو احد مهام الحاخامية العسكرية إضافة لبناء خطط تطوير الثقافية اليهودية المتعلقة بالمواضيع التوراتية بهدف تعزيز الروح القتالية للجنود والقادة .

س: بكلمة أخرى ألقى رئيس الأركان ولأول مرة على عاتق الحاخامية العسكرية مهمة رسمية تتعلق بمواضيع مختلفة تتعلق بتعزيز الروح القتالية للجنود والقادة إلى أين سيقودنا هذا الأمر ؟

ج : وفقا لمفهوم تدخل الدين في إدارة الجيش فان هذا الأمر يلقي بظلال ثقيلة تتعلق بقدرة الجيش على العمل انطلاقا من الضمير الجمعي لمجموع المواطنين الإسرائيليين كما يلقي بظلال حول قدرة المستوى السياسي على تطليف الجيش تنفيذ اخلاء واسع للمستوطنات في الضفة الغربية اذا ما اوجبت الظروف السياسية ذلك ويمكن ان نكتشف بان التجربة التاريخية المتمثلة باخلاء مستوطنات غزة لم تعد واقعية وقابلة للتنفيذ لان الجيش يشهد ازدياد وتعاظم قوة المؤسسات الدينية الخارجية " خارج اطاره الرسمي".

وجاء في رد الناطق العسكري على هذا التقرير "في الجيش إجراءات واضحة تعلق بفحوى ومضمون التربية اليهودية ويعمل قادة الجيش لمنح كافة مجنديه خدمة ذات مغزى مع الحفاظ على نمط معيشة المكونات السكانية الأخرى واحتياجاتها فالجندي غير المعني بحضور نشاطات دينية لا نجبره على ذلك ويمكنه عدم المشاركة بها ".

وتطرق عام 2011 رئيس الأركان للموضوع وقال بان التمييز ضد النساء ممنوع وبناء عليه هناك سياسة واضحة تتحدث عن دمجهن والتعامل بطريقة لا تعرف التسامح مع الإحداث التي تمس بسياسة الدمج وكل حادث شاذ يمس بسياسة الدمج سواء كان لأسباب دينية أو لأسباب أخرى سيتم التعامل معه بشدة كبيرة ".