وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مصانع الموت.. وفيات وإصابات في ظل غياب الرقابة وضعف القانون

نشر بتاريخ: 02/11/2014 ( آخر تحديث: 02/11/2014 الساعة: 16:52 )
بيت لحم- معا - لم يتوقع المواطن وليد محمود اسماعيل أن وداعه لولده محمود صباح ذلك اليوم- قبل 4 سنوات- أن تكون لحظة تسليمه للموت فقد ذهب محمود كعادته للعمل في أحد مصانع الحجر في بيت فجار جنوب الضفة الغربية، حيث أصيب في رأسه بعد سقوطه عن احدى الالات نقل على اثر الاصابة بسيارة عادية الى مركز طبي بالبلدة ثم الى المستشفى ليصل إلى مثواه الاخير مودعا الحياة عن عمر لم يتجاوز 18 سنة ربيعا.

ويشير أبو محمود أنه كان يستشعر الخطر الذي يداهم ولده ونبه صاحب المصنع أن يوفر أدوات وشروط السلامة المهنية للعمال بما فيهم ولده لكن فاجعة الموت كانت اسرع من استجابة صاحب المصنع.

فنجان قهوة... وانتهت القصة

قصة محمود انتهت بإغلاق المصنع بضع أيام وفنجان قهوة عشائرية بين عائلته وعائلة صاحب المصنع، ولم تكن الوحيدة ففي بيت فجار فصل رأس عامل عن جثته، وسقط اخر في بركة مياه الحجر وغيرها من القصص المشابه في كافة أنحاء الضفة الغربية.

فقصة محمد "اسم مستعار" لم تنتهي بعد حيث عمل في أحد المصانع 15 سنة لتكون مكافأة نهاية الخدمة مرض رئوي مزمن جعله يتنفس من خلال جهاز التنفس الصناعي، وتفيد تقارير طبية اسرائيلية أن سبب مرضه هو ظروف عمله في المصنع، إلا أن اللجنة الطبية الفلسطينية لم تقيم بعد حالته وفقا لما افادت به المؤسسة الحقوقية التي قدم الشكوى لها علما أن قضيته لا تزال في المحاكم الفلسطينية وحالته الصحية من سيئ إلى أسوأ.

أما "م،ا" فلا يزال يعاني من عجز في ابهامه بيده سببها تعرضه لعدة جروح فيها جراء عمله بأحد المصانع وحدوث خلل في أعصاب يده ويتلقى علاج طبي حتى اعداد التحقيق، مشيرا إلى أنه كان يرتدي قفازات قماش لا تقيه من أدوات الماكينات الحادة.
|301847|
كما اكد "م،ا" ان عدد كبير من زملائه بالمصنع أصيبوا اصابات متراوحة بين الطفيفة والخطيرة.

وفي مواجهة هذه المعلومات لأحد مالكي المصنع الذي يعمل به "م،ا" رد أن عدد العمال بالمصنع كبير وبالتالي فان عدد المصابين سيكون كبيرا فالمصنع الذي يحتوي على 10 عمال سيصاب منهم 2 أما المصنع الذي يحتوي على مئات العمال سيصاب العشرات منهم!.

4716 اصابة عمل وزارة العمل لا تعلم إلا 752 منها فقط...

أما القصص الأخرى لعمال أصيبوا أو توفوا في مصانع ومنشأت صناعية فلسطينية نتيجة غياب شروط السلامة المهنية بالعمل قد تتعدى قصص ألف ليلة وليلة ففي تقرير لوزارة العمل لعام 2013 بلغت اصابات العمل المسجلة لدى الوزارة 752 اصابة منها 20 اصابة قاتلة تم التحقيق في 499 اصابة فقط ووفي النصف الاول من العام 2014 بلغ عدد اصابات العمل، وفقا لتقرير الوزارة 352 اصابة مسجلة لديهم.

غير أن تقرير لدائرة الصحة والسلامة المهنية التابعة لاتحاد نقابات عمال فلسطين بين أن عدد حوادث العمل بلغت حوالي 5028 منها 312 اصابة داخل الخط الأخضر أو خلال ملاحقة الاحتلال للعمال، وبالتالي فان 4716 اصابة عمل بالضفة الغربية منها 22 وفاة في سوق العمل الفلسطيني في عام 2013 وكاتبة التحقيق تمتلك نسخة من كافة البيانات الواردة.

وفي هذا الاطار يقول مصطفى حنني مدير دائرة الصحة والسلامة المهنية باتحاد عمال نقابات فلسطين إن الاتحاد يقوم بجولات تفتيشية على المصانع والمنشات الصناعية لكنه لا يملك القوة الرادعة أو المنفذة للقانون وأن دوره يقتصر على النصح والارشاد وتوعية العمال من خلال دورات تدريبية حول شروط السلامة المهنية للعديد لكافة الاقتصادية في سوق العمل الفلسطيني.

كما أكد فاروق الهيموني مدير دائرة الصحة والسلامة المهنية باتحاد نقابات العاملين فرع الخليل أنه وكافة فروع الاتحاد إلا أن الخليل تعاني من غياب شروط السلامة المهنية في المصانع خاصة وان عدد المنشات الصناعية فيها يقدر بحوالي 19 الف منشاة في محافظة الخليل.

40 مفتش فقط !!

وزارة العمل من جانبها ردت على لسان ايهام عبد اللطيف مدير دائرة الارشاد والتوعية التي أشارت أن عدد المفتشين البالغ 40 مفتش غير قادرين على تغطية كافة المنشات الصناعية والبناء، وأن الوزارة بحاجة إلى 180 مفتش لتغطية كافة المنشات وهذا يتبع لموزانة الدولة، هذا عدا أن المفتشين لا يتمتعون بعلاوة المخاطرة ولا يحصل على حوافز مادية بالاضافة الى عدم توافر أي مقومات لوجستية يحتاجونها للعمل كسيارات لنقلهم للميدان وأجهزة ومعدات تسهل عملهم.

وأضافت ايهام عبد اللطيف أن المفتشين يفتشون على نوعين من التفتيش الاول ظروف العمل والثاني شروط العمل من الجانب القانوني وبالتالي يتم تدريب كل مفتش على الجانب الذي ليس لديه خبرة فيه.

وقالت عبد اللطيف خلال حديثها أن المفتشين-رغم قلة عددهم- قاموا بتغطية نسبة كبيرة من المصانع والقيام بتفتيش شروط السلامة المهنية فيها.

بالفيديو والصوت ..أصحاب مصانع لا يعرفون شكل مفتش العمل

كاتبة التحقيق اجرت جولة على عدة مصانع أكد اصحابها أنهم لم يروا مفتشين العمل منذ أكثر من 5 سنوات، واستطاعت توثيق ذلك بالفيديو والصوت.


وزارة العمل تصرح.. خطتنا هذا العام الرقابة على منشات البناء فقط!!!

وردت عبد اللطيف على ما وثقته كاتبة التحقيق قائلة أن خطة الوزارة لهذا العام تركز على الرقابة على منشات البناء فقط دون غيرها مع اجراء بعض الجولات على المصانع غير أن نسبة اصابات العمل بالقطاع الصناعي لعام 2013 بلغت 31% بينما في قطاع البناء بلغت 24% بحسب تقرير وزارة العمل.
|301846|
المفتشون لا يحققون في كل الاصابات

في ذات الوقت صرحت عبد اللطيف أن المفتشين لا يحققون في كل قضايا اصابات العمل إلا في القضايا التي يسمعون عنها من خلال وسائل الاعلام أو من خلال تبلغيات تصلهم أو الشرطة أو المستشفى.

غير أن تقرير لوزراة العمل يبين أن حتى القضايا التي تصلهم لا يحققون فيها جميعا ففي تقرير لوزارة العمل لعام 2013 بلغت اصابات العمل المسجلة لدى الوزارة 752 اصابة منها 20 اصابة قاتلة تم التحقيق في 499 اصابة فقط.

كما اظهرت دراسة للمحامي محمد أبو عرة بعنوان حقوق العاملين بين النص القانوني والإجراءات القضائية أن جهاز التفتيش العمالي بوزارة العمل يعاني من الترهل الاداري وغياب العمليات التطويرية سواء بالكادر البشري كما ونوعا، أو بالدعم اللوجستي الميداني والمكتبي، ففي عام 2012 بلغ عدد المفتشين 45 واعتمد معد الدراسة على عدد المنشات المحصورة في ذلك العام 15528 منشاة وعدد المنشات التي فتشوا عليها 4842 بالإضافة الى ان اصابات العمل في ذات العام بلغت 693 حقق مفتشو العمل في 413 اصابة.

وحول الاجراءات القانونية التي والمخالفات أشارت عبد اللطيف أن الوزارة شكلت لجنة قانونية لتعديل قانون العمل والتشريعات الثانوية.

500 دينار ديَة العامل

الجانب القانوني أوضحته محامية مركز ديمقراطية وحقوق الانسان سماح فراخنة حيث أن قانون العمل الفلسطيني نظم المادة 90،91،92 لتوفير الصحة والسلامة المهنية للعمال وصدرت قرارات وزارية توضح شروط السلامة المهنية لكل قطاع في سوق العمل الفلسطيني كما أن اصابات العمل نظمها القانون من خلال تأمين العمال أو تغطية مصاريف العلاج للعمال من قبل صاحب العمل في حال عدم تأمينهم.

وتتراوح العقوبات اصحاب العمل الذين لا يوفرون الصحة والسلامة المهنية ما بين التنبيه، الانذار، المخالفة التي لا تتعدى 500 دينار، اغلاق جزئي، اغلاق كلي أو وقف عمل الة.

واعتبرت المحامية فراخنة أن العقوبات الجزائية غير رادعة وان مخالفة 500 دينار لن تردع صاحب عمل يدر عليه مصنعه الملايين على سبيل المثال معتبرة ذلك ثغرة في القانون.

مجاملة من المفتش لصاحب العمل

كما صرحت المحامية فراخنة أن بعض مفتشي وزارة العمل لا يخالفون اصحاب العمل و يستخدمون اسلوب المجاملة على حد وصفها وفقا لحالات وشكاوى وصلت مركز ديمقراطية وحقوق الانسان.

اصابات في صفوف الأطفال..

في سياق قريب أشارت هويدا احمد منسقة دائرة القانون في مركز ديمقراطية وحقوق الانسان أن أصحاب العمل أيضا لا يتعرفون على اصابات الأطفال والأحداث ممن يصابوا أو يتوفوا لديهم وهذه الظاهرة ظهرت جليا في جنوب الخليل ويطا، وهذا ما تؤكده تقارير وزارة العمل لعامي 2013 و2014.

باتت حياة أعداد كبيرة من العمال في خطر ما دام أصحاب العمل يصرون على عدم توفير شروط الصحة والسلامة المهنية بدءا من غياب رقابة مفتشي العمل وضعف التحقيق في حوادث العمل وصولا إلى انعدام القوة التنفيذية والقضائية الرادعة.

تحقيق: أنصار اطميزه