|
من وثائق إسرائيل: الشاباك تاريخ من القمع والأكاذيب والجرائم
نشر بتاريخ: 13/11/2014 ( آخر تحديث: 17/11/2014 الساعة: 14:38 )
بيت لحم - معا - ادعى الشاباك "جهاز الأمن العام الإسرائيلي" بأنه حذر الجيش الإسرائيلي من نية حماس شن حرب استباقية قبل شهرين من اندلاع الحرب الأخيرة على غزة الذي تجاهله الجيش "الأولى من نوعها".
أثار هذا الادعاء الذي ثبت بأنه كاذب غيظ وغضب قيادة الجيش الإسرائيلي وعلى رأسها رئيس الأركان "بني غانتس" الذي خاطب رئيس الحكومة مشتكيا رئيس الشاباك "يورام كوهين" الذي ادعى بنفسه ان جهازه قدم التحذير المذكور وفجر بالتالي أزمة ثقة عميقة مع قيادة الجيش ليعود "كوهن" اليوم الخميس لينفي ما قاله بعظمة لسانه ويدعي بأن الشاباك قدم تحذيرات تتعلق باستعدادات حماس وتحضير نفسها للحرب لكن لم يقدم تحذيرا يتعلق بموعد أو طريقة اندلاع هذه الحرب. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها الشاباك للكذب الصريح والمقصود والمدعوم من قبل كبار قادته فتاريخ هذا الجهاز حافل بمثل هذه الأمور وفقا للوثائق التاريخية وأرشيف الإعلام الإسرائيلي الذي أرخّ من بين عدة قضايا موصوفة بالكذب لقادة الشاباك ما جرى ووقع للشابين الفلسطينيين "مجدي وصبحي ابو جامع" من سكان خان يونس في قطاع غزة الذين اختطفوا حافلة إسرائيلية تابعة لشركة "ايغد" تحمل خط رقم "300 " لتعرف فيما بعد القصة بأكملها باسم "قصة باص 300" وكيف تم اعتقالهما سالمين دون إصابة ليقرر رئيس الشاباك في حينه تنفيذ حكم الإعدام بحقهما وهذا ما جرى فعلا. واستمرت هذه القصة وفقا للوثائق الإسرائيلية حوالي عامين ونصف العام من الجدل والأخذ والرد والتنصل من المسؤوليات وتبادل الاتهامات بين الشاباك والجيش. بدأت القصة في 12/4/1984 حين اختطف اربعة مقاومين فلسطينيين مسلحين بالسكاكين حافلة إسرائيلية تابعة لشركة "ايغد" تحمل خط رقم "300" كانت متجهة من مدينة تل أبيب إلى عسقلان وطالب "الخاطفون" بإطلاق سراح 500 أسير فلسطيني مقابل تحرير ركاب الحافلة التي قرروا التوجه بها نحو قطاع غزة. |303439| وحمل "الخاطفون" معهم حقيبة ادعوا بأنها مفخخة وإنهم لم يترددوا بتفجيرها داخل الحافلة ليتضح فيما بعد ان الحقيبة فارغة ولا تحتوي على اية مواد متفجرة. وبعد وقت قصير من السيطرة على الحافلة أطلق المقاومون سراح سيدة حامل خشية على حياتها ومراعاة لظرفها الصحي والانساني فاستدعت هذه السيدة الأمن والشرطة وأبلغتهم بنبأ اختطاف الحافلة التي تشق طريقها مسرعة نحو قطاع غزة، ووصلت فعلا الى منطقة قريبة من "دير البلح " حيث حاصرها الجيش الإسرائيلي وقطع طريقها مدعوما بقوات من الشرطة الإسرائيلية واصدر رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه "موشه ليفي" تعليماته لقائد المنطقة الجنوبية في تل الفترة "اسحاق مردخاي" بضرورة وضع خطة لاقتحام الحافلة والسيطرة عليها، وقرر "مردخاي" الاستعانة بالوحدة الخاصة التابعة لهيئة الأركان المعروفة باسم "سيرت متكال" التي كانت بقيادة "شاي افيطال" خليفته الذي كان ينتظر تولي قيادة هذه الوحدة "عمر بار-ليف" لتنفيذ وتجاهل "مردخاي" وحدة "يمام" الخاصة التابعة للشرطة ومع بزوغ الفجر هاجمت الوحدة الإسرائيلية المختارة الحافلة وقتلت على الفور اثنين من المقاومين هما " جمال قبلان ومحمد بركة" وأسرت اثنين آخرين هما "مجدي وصبحي ابو جامع" وهما موضوع القصة والقضية التي عرفت باسم "قضية باص 300 " إضافة لقتلها لمجندة تدعى "ايريت فوردوغ" كانت بين ركاب الحافلة. وتم تكبيل أيدي المقاومين اللذان وقعا بالأسر "مجدي وصبحي ابو جامع" اقتادوهما إلى حقل قريب وانهال عليهم الجنود والضباط وبعض الإسرائيليين المتواجدين في المكان بالضرب المبرح وهنا توجه رئيس الشاباك الذي كان في المكان "ابراهام شالوم" ورئيس قسم العمليات في الشاباك "اهود ياتوم" لمشاهدة ما يجري للأسيرين المكبلين وقبل أن يترك "شالوم" المكان أمر رئيس قسم العمليات "ياتوم" بقتل المقاومين والتخلص منهما. |303435| واخذ "ياتوم" رجاله المقاومين "مجدي وصبحي ابو جامع" في سيارة خاصة بالشاباك وحين وصلوا الى مكان منعزل انهالوا عليهما بالضرب بالحجارة وقضيب حدبد حتى اسلموا الروح إلى باريها. وهنا بدأت رحلة الكذب والتدليس التي قادها جهاز الشاباك لإخفاء الجريمة وصدر بيان رسمي يقول بأن "جميع المخربين" المشاركين بعملية الاختطاف قد قتلوا اثناء عملية الاقتحام التي نفذتها "سيرت متكال" ولكن وبعد ثلاثة أيام من الجريمة اقتبست صحيفة "حداشوت" العبرية خبرا نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" متجاوزة بذلك مقص الرقيب العسكري يؤكد الخبر بأن اثنين من "الخاطفين" اُسِرا على قيد الحياة وبعد عدة ايام نشرت الصحيفة وعلى كامل صفحتها الاولى الصورة التي التقطها مصورها "اليكس ليبيك" وظهر فيها احد "الخاطفين" حيا وبكامل وعيه وهو ينزل بصحبة الجنود من داخل الباص وهنا ثارت عاصفة من الانتقادات وارتفعت الدعوات بضرورة فتح تحقيق لمعرفة ما حال "بالخاطفين" وكيف قتلوا. وردا على نشر صحيفة "حداشوت" تفاصيل ما جرى أمرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية وفي خطوة نادرة بإغلاق الصحيفة ومنعها من الصدور لعدة أيام وتم تقديم العاملين فيها للمحاكمة بتهمة مخالفة قوانين الرقابة العسكرية وخضعوا لعملية قضائية مرهقة وطويلة حتى برأتهم المحكمة العليا بعد عشر سنوات بالتمام والكمال. وقرر وزير الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت "موشه ارنس" الذي رفض في البداية طلب المستشار القضائي للحكومة "يتسحاق زامير" قبول هذه الدعوة وإقامة لجنة تحقيق داخلية برئاسة الجنرال احتياط "مائير زورع" الذي حملت اللجنة فيما بعد اسمه لتصبح "لجنة زورع" وكلفها بالتحقيق في ملابسات وظروف مقتل الفلسطينيين. وقال المستشار القضائي "زامير" ان وزير الجيش غيّر رأيه وقبل دعوته بعد الشائعة القوية لكن غير الصحيح التي قالت بأنه كان متواجدا شخصيا في المكان وبأنه هو من اصدر اوامر قتل الفلسطينيين وليس غيره لذلك والحديث للمستشار القضائي قرر "ارنس" إقامة اللجنة لدحض هذه الشائعة وتبييض صفحته لكن بقي أمر إقامة لجنة التحقيق طي الكتمان وتحت ستار السرية لكن عادت مرة أخرى صحيفة "حداشوت" لتفضح أمر إقامة اللجنة في عددها الصادر يوم 27/4/1984 ولتتلقى عقوبة إضافية من الرقيب العسكري الذي أعاد إغلاقها لعدة أيام أخرى. ومع إقامة اللجنة أمر رئيس الشاباك "ابراهام شالوم" احد رجاله المخلصين "ليوسي غنسور" بالانضمام إلى اللجنة كعضو وذلك لمنع افتضاح دور الشاباك في قتل "الخاطفين" وبعد فترة ادعى "غنسور" بان رئيس الشاباك ابلغه بان القتل تم بناء على أوامر وتعليمات رئيس الحكومة "شمعون بيرس". وأخفى "ياتوم" ورجاله في إفادتهم أمام اللجنة تفاصيل كثيرة تتعلق بقتل "الخاطفين" وقدم "ياتوم" افادة كاذبة قال فيها بأنه رأى بأم عينه الجنرال "اسحاق مردخاي" الذي تولي في حينه قيادة عملية الإنقاذ وهو يضرب بمسدسه على رأس احد الخاطفين وبعد ذلك وضعوا "المخربين" في سيارته "سيارة ياتوم" حتى يقوده لموقع التحقيق لكنهم نزفوا دماء كثيرة خلال الرحلة وزاد وضعهم سوء لذلك نقلهما إلى المستشفى التي أكدت وفاتهم، وكذلك قدم رجال "ياتوم" إفادات كاذبة أمام لجنة "زورع" بناء على تعليماته الشخصية وصيغت الإفادات التي قدمها رجال الشاباك بعلم ومعرفة رئيس الجهاز ومستشاره القضائي وعضو لجنة التحقيق "يوسي غنسور" الذي سرب للشاباك معلومات من داخل اللجنة ما مكن "ياتوم" ورجاله من تضليل التحقيق. وتوصلت اللجنة يوم 20/5/1984 الى نتيجة مفادها بأن الفلسطينيين قتلا بضربات نزلت على رأسيهما لكن اللجنة لم تدين أي ضابط او أي شخص بهذه الجريمة واكتفت بتقديم "ياتوم" لمحكمة انضباطية لأنه وجه صفعة لوجه احد "الخاطفين" لكن حتى المحكمة الانضباطية انتهت بتبرئة "ياتوم" من أي تهمة او شبهة. واستنادا لشهادة "ياتوم" خضع أيضا "اسحاق مردخاي" لمحكمة انضباطية بتهمة ممارسة العنف والتسبب بضرر بالغ يستوجب محاكمته عسكريا لكن ضابط القضاء العسكري الرئيسي الجنرال احتياط "حاييم ندلان" برأ في " اب" 1985 "اسحاق مردخاي" من جميع التهم المنسوبة اليه. وكذلك أحبط الشاباك عبر الإفادات الكاذبة محاولة ثانية قام بها النائب العام "يونا بلتمان" للاستجلاء ظروف وأسباب مقتل الفلسطينيين. وادعى رجال الشاباك المتورطين بالقضية بأنهم قد قتلوا الخاطفين وان الإفادات الكاذبة التي قدموها للجنة "زورع" جاءت متناسبة ومتوافقة مع المعيار السائد في الشاباك منذ عام 1971 حيث اعتاد الشاباك تعذيب الأسرى خلال التحقيق معهم واعتاد الكذب فيما يتعلق بعملياته امام المحاكم لكن ومع ذلك قررت لجنة "لندوي" ان قضية باص 300 اخطر بكثير من المعيار السلوكي الذي تحدث عنه رجال الشاباك والذي يتيح لهم تقديم إفادات كاذبة أمام المحاكم لان رجال الشاباك عملوا بشكل مدروس ومقصود ومتعمد وبكامل وعيهم وإدراكهم على تشويش التحقيق الذي قامت به لجنة "زورع" وقاموا بهذا الفعل بالتعاون والتنسيق مع عضو اللجنة ورجل الشاباك "يوسي غنسور". وتوجه في نوفيمبر 1985 ثلاثة من كبار قادة الشاباك هم "رفي ملكا، رؤفان حزق، وبيلغ رادي" الى رئيس الجهاز "ابرهام شالوم" وطالبوه بضرورة كشف تفاصيل القضية او عليه تقديم استقالته من الشاباك، لكن "شالوم" رفض الاستقالة ما أدى إلى استقالة القادة الثلاثة المذكورين الذين توجهوا بعد ستة أشهر للمستشار القضائي للحكومة "يتسحاق زامير" وسلموه تفاصيل القضية وخبايا الجريمة. وقال المستشار "زامير" في الثامن عشر من ايار 1986 خلال اجتماع مغلق مع "شمعون بيرس" و "اسحاق شامير" و "اسحاق رابين" ان معلومات قد وصلته من مصدر موثوق جدا تثير أساسا قويا للاشتباه بوجود مخالفة جنائية ارتكبها رجال الشاباك وطلب تقديمهم للمحاكمة. وعارض رئيس الحكومة في حينه " شمعون بيرس" طلب محاكمة رجال الشاباك بكل شدة وقال " هل تريدون رمي رؤوس الشاباك للكلاب " وهنا تطور الامرالى مواجهة بين " بيرس" ونائبه في ذلك الوقت " اسحاق شامير " من جهة و "زامير" من جهة ثانية الذي طلب موافقة " بيرس" والسماح له بتقديم شكوى تتعلق بالقضية لدى الشرطة وفي النهاية وبعد تسريب امر القضية للصحافة وافق بيرس على ذلك وتم تقديم شكوى للشرطة لكن بعد فترة بسيطة وبناء على اقتراح " اسحاق شامير" قررت الحكومة وبالإجماع التخلص من المستشار القضائي " زامير" وطرده من منصبه . ويبدو ان الشاباك لم ينسى عائلة ابو جامع رغم مرور السنين فحدد خلال الحرب الاخيرة على غزة منازل العائلة في منطقة بني سهيلا بمدينة خانيونس في قطاع غزو مهدف للطائرات الحربية التي اغارت على هذه المنازل واوقعت 26 شهيدا من ابناء العائلة بينهم اطفال لم تتجاوز اعمارهم الخمس والتسع سنوات اضافة لنساء وشيوخ . وتؤشر هذه القضية الى وجود نظام وعرف وتقليد " من الكذب" الممنهج والمخطط والمدعوم من اعلى السلم القيادي داخل الشاباك يسمح لعناصر هذا الجهاز حتى بالكذب على المحاكم الإسرائيلية بهدف إخفاء الجرائم التي يرتكبها عناصره ضد الفلسطينيين من تعذيب واعتقال وصولا الى القتل كما حدث في القضية موضوع القصة. وهناك نتيجة لاتقل اهمية وخطورة وتتمثل بدعم وغطاء المستوى السياسي على ارفع درجاته ممثلا في هذه الحالية بـ " شمعون بيرس واسحاق شامير واسحاق رابين" لنهج الكذب الذي يتبعه الشاباك بل عمل المستوى السياسي كل جهد ممكن لمساعدة القتلة على التملص من العقاب والمسؤولية ولم يخضع لطلب المستشار القضايا لا تحت ضغط انكشاف أمر الفضيحة وتسرب تفاصيلها للإعلام لكن هذا المستوى لم يغفل ورغم موافقة على تقديم شكوى للشرطة أمر الانتقام من المستشار القضائي ومعاقبته على موقفه فقررت حكومة الوحدة الوطنية في حينه وبالإجماع إنهاء خدماته . ويبقى السؤال المنطقي برسم إجابة المسئولين الإسرائيليين " هل تغير هذا الواقع. هل توقف الشاباك عن الكذب والخداع ؟ هل توقف عن تقديم الإفادات الكاذبة أمام المحاكم ؟ . |