وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من يعرف غزة؟

نشر بتاريخ: 18/12/2014 ( آخر تحديث: 18/12/2014 الساعة: 10:11 )
من منكمْ يعرفُ غزةَ
الشماءَ؟
وهي تَنْسَدِلُ يمِّي
ثم تسري بصمتٍ
نحوَ أروقةِ الفضاء
تغسلُ رايةً نكَّسَتْها استبسالا
وتقرعُ ظلالَ الفجرِ القادمْ
حيثُ النجومُ تلاحِقُني والأوهامُ
تزاحمُ بوصلةَ الخوفِ أمواجا
وأغطيةَ الخيالِ تلُفُّنِي
معشوقةُ القلبِ لؤلؤةٌ تتمرَّى
كزهرِ الثلجِ هادئةً نوارسُها
ومفاتنُ لوعةٍ ترتوي نشيجا
من نقاوةِ الروحِ
***
هناك في مدى الأشواقِ انْتَفَضْتُ
بِلا صَخَبٍ
وَتَقَمَصْتُ ألوانَ الفراشاتِ الهائماتِ في وهجِ الوطيسِ
ولامستُ حنايا المُحالِ المرسومةَ على شُرفةِ الكونِ
افترشتُ سقفَ السماءُ
حيث أهداني قمراً مرمريا
ووردةً حمراءَ
ودمعةً ونجمةً
ووافاني أبجديةً النصرِ
ثورةٌ
تتفجرُ في أرصفةِ الأرضِ شزَرَ عشقٍ
وتَظُلُّني
تبتغي قربي لتضُلُّنِي
وتركضُ نحو مهدي لتكبِّلُني
وأنا العملاقُ المتوقِّدُ
والترياقُ
ما زلتُ أصارعُ مُهجةَ
الغضبِ المندسِ لهيباً في دوامةِ النفيرِ
وفي أفلاجِ الأرضِ
مضاجعُ ومواجعُ
وأنبياءُ
***
فغزّةُ فاتنةُ الحُبِّ
وفاتحةُ الحربِ
والضياعِ
والنسيانِ
تفتشُ عنِّي
لتأسُرَني بعيدا
وتدغدغ أجسادَ الحالمين بالعودةِ والحنينِ
وتحرقَنُِي
وتتأرجحُ في مهبِّ الريحِ الهمجية
تحتضرُ مضرجةَ بالدماء
وتشتعلُ أمامَكُم أحقاداً مُلتبسة
لتحطِّم بغضبَ أكفانَ المرتدين
وتوقظُ بقايا الإحياءِ منكم والأموات
وتغيظُكُم
***
فكم راودتكمْ لوعَةَ
الرغباتِ
اسودادا
ولحظاتِ
التوجس؟
ولهيبَ الفزعِ المجلَّخ بالخيانة
وضمرتُم ببؤسِكُم حقدَ
هزيمتِهَا
وثلمتُمْ بأذهانكم الملوثةِ
نصرَها
وبعتموها ببخسٍ
ووشيتموهَا
وعملتُمْ على
حصارِهَا
وانحصارِهَا
وانكسارِها
وارتشفتُمْ فضيحتَكم ترفا
وضِعتُمْ
وأصبحتُمْ فوقَ امتدادِ النعش
ارتجافاتَ ذلٍ ووجعٍ مجوف
يكتنفُ طقوسَ النحيبِ
الغارق
في أعماق ليلةٍ ظلماءَ أمحقَ قمرُها
وتجرعتُمْ بنشوةٍ سوداءَ
حقدَكمْ المديد
وذروتمُوها صرخةً تتلجلج
فوقَ ضريحِ حطامِها
وفتقتمْ كبريائَها النقيَّ التقي
بِعُهْرِكم الملوثِ ولدغتموهَا
*****
أيها المتآمرونَ،
المتساقطونَ كالسخامِ
جُلُّكمْ تسمعونَ عن غزةَ البيادق
منارةُ ليلِكُم
وقليلٌ منكمْ يعرفُ غزةَ البنادق
تعرفونَ عن صمودِها وجنودِها
رجالِها ونسائِها
حقولِها وبحارِها
بياراتِها وشطآنِها
أرضِها وسمائِها
أطفالِها رجالِها
أبطالها ثوارها
شهدائِها جراحها
مساجدها كنائِسها
عن رمالِها التي ارتوتْ من دماءِ أبنائِها
وعن اكتظاظِ أسواقِها
*****
أيُّها المتآمرونَ
الساكنونَ في موهنِ الظلامِ
والغارقونَ في هدْأَةِ القحلِ والضجيجِ المنوِّم والخصايا
من منكم في غمرةِ الموتِ زارَ غزةَ؟
المدينةَ المشتهاة
مدينةَ جَدِّ رسولِكم
غزةَ التي تقاتلُ من أجلكُم
من منكم عانقَ شيخاً من أهلِها؟
وتشرف بمصافحة أطفالها؟
من منكم رسمَ قُبلةً على وجهِ يتيم
مفجوع سرق الليل أباه؟
أو داعبَ ضفيرةَ طفلةٍ كنعانية
حنطيةِ اللونِ قمحية
مزَّقتها القذائفْ؟
من منكم اشترى لعبةً في يومِ عيد
لابنِ أسيرٍ يحترق
كأعناقِ النرجس
وهو يغفو على الإسفلت؟
من منكم تسربلَ بثياب أرملةٍ ثكلى هائمةً بالدمع؟
أو طبعَ قُبلةً على جباهِ
الشهداء؟
من منكم تطهَّرَ ببحرِها؟
ولثمَ عَبْق ترابِها
وتيممَ برملِ شواطِئها
المبللةِ برائحةِ الدمِ المديدِ المزهرِ أفنانا
وصلى على رداءِ شهيدِ
ركعتينِ اثنتين
في محرابِ قُدسِها؟
***
أنا زرْتُها
وَسَبَحَتْ أشواقي في بحرِ عيونِها
وَتَعَمّدْتُ في زرقةِ مياهِهَا
هذا كان قبلَ ثلاثين سنة
أو ربما أكثر
حينما كنتُ طفلاً أو صبياً
أو شاباً يافعا
أوْ ربما أكبر
أتذكرُ حينما كنتُ أسافرُ قاصدا
امتدادَ الجرح
ووشاحَ أرضِها الأخضر
وأتلمسُ عاصفةَ بحرِها حيثُما أتذكرْ
ربما كنتُ امتطيْ فرسي الجميلة
سليلةَ خيلِ الكبيشاتِ الأصيلة
فرسي السمراء
أو ربما الشقراء
هكذا كانوا يسمُّونها
في بلادِ السمنِ والعسلْ
ورثتُها عن أبي وهو ورِثها عن أبيه، وأبوهُ عن أبيه
وسأورثُها أمجاداً لأبنائي وأحفادي
وما زلتُ احتفظُ بسرجِها ولجامِها
وما زلتُ أيضا احتفظُ بشهادةِ ميلادِها
وبرقعةِ الورقِ الرقيقة
التي احتفظتْ بدورِها
بالتفاصيلِ الدقيقة
ابنةِ أيَّةِ فرسٍ تكون
وأيِّ جوادٍ أبوها
أصيلةٌ أنتِ يا غزةُ وابنةُ أصيلة
وحينما كنتُ لم أجدْ فرسِي العذراء
كنَّا نقرِّرُ أنا وحبيبتي
نحن الاثنان معاً
أن نراوغَ الغيظَ ونهيم
سيراً على الأقدام
قاصدين غزةَ التي في القلب
وحينما يدركُنا التعب
كنا قليلاً ما نُقيل
أو ربما كثيرا
في ظلالِ شجرةِ الجميز
في عراقِ المنشية
وتحديداً بالقربِ من تلةِ الصبَّار
تُعانقُ تلَّ أبي سل
عَرَفتُها عن ظهرِ قلب
وتعرفُني
فهناكَ وميضُ البيوتِ
وأشجارُ التوتِ
والصفصافِ
والأوصافِ
التي لا تُنسى
والعناوين
***
وهناك احتضنتُ حبيبتي
والتحفنَا طيفنَا
وغبْنَا في سِنَةٍُ من النوم
قليلاً
أو ربما كثيرا
عاشقين كطيرَيْ يمام
تُعانِقُنا موجاتُ الغيب
ونسماتُ القَدَر
***
لقد تراءى لي في غفوتِي
وجهَ أمي
مبتسماً في صحنِ الغمام
ومفتاحَ بيتِنَا الذي في اللُّد
يتدلى من جيدِها
وهي تأمرُنِي
بالصمود
وتدقُّ صدريْ
بغضب
لكي لا ارجعَ من حيثُ أتيت
تناجينِي أي بني، إنَّ في العمر بقيةٌ من
وقت
فقمْ أكملْ المسير
وابحثْ عن نصرِ مُؤَزَّرٍ بينَ الركام
المفتَّت
***
فقمْنَا نحنُ الاثنانِ معاَ
وصلَّيْنا ركعتينِ اثنتين
في حضرةِ الوَجَف
وخطونَا متوجِسَيْن
بينَ شجيراتِ البرتقالِ والليمون
متجهينَ صَوبَ شاطِئِنا
اللا محدود
الذي لا ينتهي في العريش
شاطِئِنا المخطوطِ بمحضِ الصدفة
على صفحاتِ الأطالس
في المنافي الجديدةِ والأساطير
شاطِئُنا الممتدُ من هنا
من تلِ الربيع
وحتى بلادَ الأندلس
شاطِئُنا الكبيرِ الممتدُ هناك
في مدارِ الغسقِ البنفسجي
حيث تجلَّى أصداءُ حنينٍ عالق
على أطرافِ الماضي
في بلادِ الإفرنج
وهنا لنا شاطِئُنا المنسيُّ
ما زال يعانقُ أطرافَ المجدل
وعروسَ فلسطينَ
يافا
وجامعَ الجزارِ
وهناك أيضا شواطئُنا الممتدةُ بلا حد
من هنا *** من عسقلانَ
وحتى بلادِ الهندِ والسندِ
شواطِئُنا التي قذفتْ موجاتِها
جدرانَ المرافئِ والمحطاتِ
باحثةً عن وطنٍ رماديٍّ
في ذاكرةِ الغموضِ المقفرِ والردةِ
شواطِئُنا التائهةُ بينَ الحنايا
في زبدِ البحارِ المنثورةِ في ذاكرةِ الروحِ والخيالِ السرمديِّ والأنهارِ
موجاتُهَا تجري داخلَ الريحِ العرمرمِ
تطيرُ أماميْ
وأنا اجريْ
باتجاهِ الليلِ
وعبرَ نهارٍ بلا شموسْ
وأنا وحدي أتْبَعُها بِأُبهةٍ
إلى ما وراءِ الطيفِ
وهي تجريْ وتجريْ
خافقةَ ذراعَيْها
صوبَ الشاطئِ الصخريِّ
مندفعةً على أطرافِ الإسكندرونةِ
يترددُ صداها على سفحِ جبلِ طارقْ
تعانقُ صحاريِها سواعدَ الأبطالِ والبنادقَ
***
وحينما استيقظتُ من حُلمِيْ الجميلِ
نظرتُ في وجهِ حبيبتي
فكانتْ ترتعشُ صامتةً
وهيَ مليئةَ بالخوفِ
من صدى عُواءِ قُطّاعِ الطرقِ
ودمعةِ جفافٍ تسيلُ على وجنتَيْها
طالَبتنِي أن نعودَ من حيثُ أتينا
طمْأَنْتُها
وانتظرنا تحتَ شجرةِ الجميزِ
يوماً أو يومينِ
سنةَ أو سنتينِ
عَقْداً أو عِقديْنِ
دهراً أو دهرينِ
أو ربما أكثر
*****
أيها المتناسون الشراذمْ
يا أيها الغافلون العواقمْ
يا من تعيشون زمن الإفكِ والحيضِ المتقرحِ
مَنْ منكمُ اليومَ استطاعَ أنْ يطَأ ثرى غزةَ شوقاً؟
وسهولَها الخضراءَ
أو تلالَها السوداءَ؟
مَنْ منكم توضَّأ لصلاةِ الصبحِ
مَن مياهِ بحرِها الزرقاء؟
مَنْ منكمْ كَحَّل عيْنيْهِ برؤيةِ ماجدةَ غزيًَّةَ
وهي تحملُ مِعوَلِها
تنكشُ عطشُ الأرضِ
وتحميْ عِرضَها
وتصُدُّ سطوةَ الوحوشِ والرِّدات؟
***
غزةُ التي تبعدُ عن أطرافِ مدائِنِكم الدامسةِ
مسيرةَ نصفَ ساعةٍ أو أقلَّ قليلا
تسمعونَ فيها سكونَ الليلِ
وخريرَ السواقِي
ودويَّ نقّارِ البحرِ
ونقيقّ الضفادِعِ في الغديرِ
ودبيبَ النملِ على رملِها
وهمساتِ عاشقَينِ في خدرهِما
فهل سمعتمْ عُواءِ الموتِ التتريِّ
المتربِّصِ بالطريدةِ؟
يقضُّ أروقةَ المضاجِعِ
وانفجاراتِ جمرةِ الدمِ تلسعًها
عصفُ الصواعقِ
***
آهٍ، ما أبعدَكِ يا غزةُ!
آهٍ، ما أقربَكِ يا غزةُ!
آهٍ، كمِ استطبْتُم الهوانَ هناك
وتركتُمُونا وحدَنا في حضرةِ الجريمةِ
نصارعُ حاخاماتِ التلمودِ
لقد تعاميتُمْ أو تغابيتمْ
أو ربما الاثنتينِ معاً
ووضعتُمْ رؤوسَكُمْ خِلْسةً
تحتَ حبَّاتِ الرمالِ المغبونةِ
كيلا تسمعوا أصداءَها
وهي تنوءُ تحتَ جِراحِ التنِّينِ
الحائمِ فوقَ النيازكِ
يجوسُ بهدوءِ وهجِ اللهيبِ
فوقَ رؤوسِ الأطفالِ المحروقينَ
***
أيُّها النائحونَ النائخونَ
غزةُ اليومَ أَنِفَتْكُم واكتستْ بأطيافِ النصرِ
وأجملِ الأحلامِ
غزةُ ألْجَمَتْ بغضبِها جنونَ الريحِ
ومزَّقَتْ أساطيرَ الغُزاةِ
وكسرتْ مزمارَ الحزنِ
وثقبتْ أطرافَ الحسام
وزرعتْ لنا سنابلَ أملٍ
وزنابقَ عشقٍ وزغاريدَ زفافٍ
***
أيّها المتحَجِرونَ
غزةُ كشفتْ عوراتِكم
وبصقتْ في وجوهِكُم دمَها
المسفوحَ ودمعَهَا
فلن ينفعَكُم حَجْبَ المدى المريرِ
فغزةُ فَضَحَت مَنِ امتشقَ سلاحَ
الخيانةِ والدناءةِ المدنسةِ
وكل الغائبين عن الوعي
والضالين والمُضَلِلينَ
وصمتَ النفاقِ المدلَّسِ
***
غزةُ قبرَتْ دابرَ التنينِ المجنونِ
تحتَ أطلالِ الركامِ
غزةُ انتصرتْ أيَّتُها الجموعُ
على الظمأِ والجوعِ والريحِ السَّمُومِ
غزةُ انتصرتْ هذا الانتصارَ
العظيمَ
بسواعدِ الأبطالِ
وبالحبِّ
انتصرتْ عاصمةٌ الأحرارِ
على هَمْهَمَةِ خيولِ الحربِ
ورمادِ التُّخومِ
أُقسِمُ أنها انتصرتْ بدمِها ولحمِها
المجبولِ بوميضِ الموتِ ورذاذِ الحزنِ والبارودِ
غزةُ انتصرتْ وحْدَها
انتصرتْ على كلِّ
المتصهينينَ
والمتآمرينَ
والمتخاذلينَ
غزةُ أعادتْ لنا
روحَنا
وحُلمَنا
ومجدَنا المنكس
غزةُ أعادتْ لنا شرفَ الحياةِ
ووميضَ الفرحِ المنسيَِ
وأمدَ الانتصارِ المقدسِ.