|
التسعيني قصراوي: عملت موظفا نصف قرن وأحفادي أكثر من مئة!
نشر بتاريخ: 21/12/2014 ( آخر تحديث: 21/12/2014 الساعة: 14:02 )
طوباس- معا - فردت الحلقة العشرون من سلسلة " أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية حكاية التسعيني مصطفى محمد قصراوي، الذي عمل موظفًا في وزارة الأوقاف قرابة نصف قرن.
يروي: توفيت أمي روزا وأنا ابن سنتين، وعشت يتيمًا، وربتني خالتي. وكان أبي يقول لي دائمًا إن إنه تزوج بعد سنتين من نهاية الأتراك في بلادنا. ولي أربع أخوة وثلاثة أخوات، وشقيقي الأصغر يقترب اليوم من سن الثمانين. مدارس ومعلمون أبصر قصراوي النور في قرية تياسير بمحافظة طوباس عام 1922، وفق التقديرات التي دونتها وثائقه، ودرس صفوفه الأولى في قريته، ثم انتقل لإكمال الصف الأول الإعدادي (السابع اليوم) في المدرسية الأهلية بطوباس، وتركها عام 1933. مما يسكن ذاكرته: كان المعلم أيامنا يحتفظ بحزمة عصي من شجر الرمان، ومن لا يحفظ دروسه، يفك المدرس زناره، ويطلب من التلاميذ رفع رجليه بها عالياً، لينال (فلقة)، فيعود في اليوم التالي، وقد حفظ الدرس جيدًا. |309152| يقول: كنا نتعلم على البساطة، ونقدم للمعلم بعض المواد العينية، ونقرأ الحساب والقرآن والنشيد، ونذهب للمدرسة صباحًا، ونعود لتناول الغداء، ثم نرجع للمدرسة، ونظل فيها حتى الثانية بعد الظهر. وقد علمني الشيخ محمود الفلاح، والشيخ فلاح الجلبوني، الذي جاء من جنين وسكن طوباس عدة سنوات، ثم اختلف مع أهلها وتركها. تجارة مُبكرة انتقل قصراوي من مقاعد الدراسة إلى التجارة بين ضفتي نهر الأردن، وبدأ قبل إكمال الخامسة عشرة بإحضار المواد التموينية كالسكر والأرز والسجائر والدجاج من الضفة الشرقية على الخيول، وتعلم طرق التهرب من الإنجليز، الذين كانوا يعاقبون من يتاجر دون الحصول على رخصة، واستمر في التجارة ، بأشكال مختلفة، حتى صيف عام 1960. يفيد: تغيرت أحوال التجارة هذه الأيام كثيراً، وفي زمني كان الناس ينتجون معظم ما يأكلونه، وكانت كل أسرة تعجن وتخبز من قمحها، ولا تشتري الخبز، ولا البصل أو العدس، وكنا نبيع السمن البلدي بالمفرّق، وكنا نحصر قعفورة العجوة ( تساوي 55 كيلو غراماً) من العراق بأربعين قرشًا، وكانت تجارة القطين (التين المجفف) والزبيب (العنب المجفف) رائجة، وكان الناس يتعاملون بالذرة البيضاء، ويصنعون منها الخبز (الكراديش) ويأكلونها ساخنة. ولم نكن نعرف الخضار والفواكه إلا في مواسمها، وكان طعمها أطيب، ورائحتها تفوح. واختفت تجارة الجميد والكشك والسمن البلدي، وأكثر شيء تغير في أيامنا طيبة الناس، وبعدهم عن بعضهم، وضيق صدورهم رغم اتساع مجالسهم. رواتب وأحفاد يسترد: توظفت في 24 أيار 1960 بوزارة الأوقاف مؤذنا وإماماً وخطيبًا في مسجد قريتي، وكان أول راتب أحصل عليه دينارين و97 قرشًا، وكان رطل القمح يباع بثلاثة قروش، والبذلة الرسمية بستة دنانير، واشترينا 37 دونم أرض كلها بستين ديناراً. يتابع: خلال (الاستدراج الوظيفي) زادتني الحكومة إلى أربعة دنانير ونصف، ثم ستة ونصف، فأثني عشر ديناراً، وقفز آخر راتب إلى 257 ديناراً، بعد 30 سنة خدمة، ثم عملت في السلطة الوطنية 11 سنة أخرى، وتقاعدت عام 1999. وفق الراوي، فإن له ستة أبناء وست بنات، أكبرهن تخطت السبعين سنة، ونحو مئة حفيد وحفيدة، أكبرهم عصام، وعمره 51 سنة. أما أحفاد الأحفاد، فأكبرهن دالية، وعمرها نحو 24 سنة. يقول: لا أعرف كل أحفادي، ولم نجتمع معًا ولا مرة واحدة، ويتوزع الأبناء والأحفاد على فلسطين والأردن ولبنان. ولا أشاهد أخبار التلفاز لأنها لا تسر البال، وقد أفسد التلفزيون حياة الناس، فلم يعودوا يتسامرون معًا، وإن فعلوا، فإنهم ينظرون للتلفزيون أكثر ما يشاهدوا وجوه بعضهم. تنقل قصراوي بين الأردن وفلسطين وسافر قبل 40 سنة لديار الحجاز، وتجول بين حيفا ويافا والقدس على فرسه، ولا ينسى أيام الاحتلال البريطاني، الذي كان يفرض ضرائب باهظة على الناس، ويمنعهم من تخزين كميات كبيرة من القمح، ويشترط عليهم أخذ استهلاكهم من محاصيلهم فقط. كما فرض ضرائب شخصية على الناس. كما عمل في صفوف الحرس الوطني. |309150| يتذكر: خلال ثورة عام 1936، كان الثوار يغلقون طريق الثغرة بين تياسير وطوباس، ويطلقون النار على دوريات الإنجليز، وكنا نشاهد تنكيل الجنود بالأهالي، ويتوعدون من يجدون عنده رصاصة واحدة. رافق قصراوي السجائر (أسوأ صديق) كما يسميه 30 سنة، ثم جرها، واتجه إلى العسل، ويعاني اليوم من ضعف السمع وداء الملوك (النقرص)، لكنه يتذكر دوماً أن الصحة تاج على رؤوس أصحابها. تسعون قصة بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن الوزارة جمعت خلال ثلاثة أعوام، عبر برامج: (أصوات من طوباس) و(ذاكرة لا تصدأ) و(كواكب لا تغيب) 90 شهادة شفوية وقصة إنسانية، لخصت فصول النكبة والقرى المدمرة التي اقتلع منها أصحابها، وأرخت لحظات النكسة وحوادثها، وأعادت بناء تفاصيل انتفاضة الحجارة وشهداء الحرية، وواكبت واقع محافظة طوباس والأغوار الشمالية التي يتهددها سرطان الاستيطان والتهويد. |