وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

خلال ندوة للإغاثة الزراعية في صانور: الصراع الفلسطيني الداخلي يراكم الإحباط لدى الجماهير

نشر بتاريخ: 23/08/2007 ( آخر تحديث: 23/08/2007 الساعة: 11:56 )
نابلس- معا- صانور هي إحدى قرى منطقة جنين الفلسطينية.. وهي قرية عريقة يمتد تاريخها لمئات السنين.. وما زال كبار السن فيها يروون القصص عن تاريخها القديم، حين لبت نداء احمد باشا حاكم مدينة عكا، وهبت مثل العديد من القرى لمد يد العون والمساعدة للتصدي للغزاة الفرنسيين.

وتربض صانور بشموخ واضح على تل متوسط العلو، يعطيها أهمية إستراتيجية خاصة، وهي مجاورة للسهل الفسيح الذي يسمى أحيانا بسهل صانور، وأحيانا بمرج ميثلون نسبة لبلدة ميثلون المجاورة.. أبنية القرية تشير إلى تاريخها القديم، وسكانها فلاحون يعتاشون في معظمهم على الزراعة البعلية، وعلى تربية الماشية والأبقار-- بالإضافة إلى الوظائف الحكومية.

كانت القرية-- وبالتحديد جمعية التوفير والتسليف فيها-- على موعد يوم الأربعاء 22/8/2007 مع ورشة عمل أعدت لها دائرة الضغط والمناصرة في الإغاثة الزراعية بالتعاون مع جمعية التوفير والتسليف في محافظة جنين.

وعند الساعة العاشرة صباحا، كانت مجموعة كبيرة من النساء من مختلف الأعمار قد تجمعت في مقر الجمعية، حيث وصل الناشط الجماهيري خالد منصور-- العامل في الإغاثة الزراعية في الوقت المحدد، وبعد حديث مجاملات وتعارف بدا حديثه أولا في موضوع العمل التطوعي، وأهمية هذا العمل بالنسبة للمجتمعات المحلية، كونه والى جانب فوائده المادية يعظم من التلاحم الشعبي بين السكان.. ثم انتقل منصور وبموافقة مجموع النساء الحاضرات-- للحديث عن الأوضاع السياسية الراهنة، والمخاطر التي تواجه الشعب الفلسطيني.

وبعد موجز عن تاريخ القضية الفلسطينية-- استعرض بالكامل الأحداث التي وقعت بفلسطين منذ فشل كامب ديفيد الثانية، مرورا باندلاع الانتفاضة والإجراءات العقابية التي مارسها الاحتلال لقمع الانتفاضة، وما تسببت به تلك الإجراءات من سقوط لآلاف الشهداء ولعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين، وشروع الاحتلال أثناءها ببناء جدار الفصل العنصري، ليرسم به الاحتلال الحدود النهائية للكيان الفلسطيني القادم.

ثم تحدث منصور عن تنشيط الحالة الديمقراطية التي تلت وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وما تمخض عنها من فوز كاسح وغير منتظر لحركة حماس، وخاصة في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي فتح شهية الاحتلال وحلفاؤه الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لفرض حصار ظالم الحق الأذى بمصالح الشعب أكثر من مصالح حركة حماس.

وقد استعرض منصور بدايات الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، الذي تطور لاحقا ليصبح قتالا دمويا، راح ضحيته المئات من القتلى والضحايا، وتسبب بإلحاق اشد الضر بسمعة الشعب الفلسطيني ونضاله على الصعيد الدولي.. وفي النهاية تم التطرق للضربة القاضية التي وجهتها حركة حماس للنظام السياسي الفلسطيني-- بلجوئها للحسم العسكري في قضايا خلافية، كان من الواجب ان تحل بالأساليب البعيدة عن العنف.

وبعد العرض الذي قدمه منصور، جرى نقاش مفتوح شاركت فيه العديد من النساء اللواتي أكدن في معظمهن على ان كلا طرفي الاقتتال لم يراعيا مصالح الجماهير، وان قتالهما لم يكن إلا لخدمة مصالحهما الفئوية الخاصة، وأنهما أي ( حركتي فتح وحماس ) قد استهترتا بمصالح الشعب، وتسببتا بإضعافه على كل الصعد-- السياسية والاقتصادية والاجتماعية-- الأمر الذي قالت عنه النساء انه أخّر قضيتنا عشرات السنين إلى الوراء.

وقد ظهر ومن خلال النقاش ان هناك حالة صعبة من الإحباط تسيطر على النساء، وأنهن فاقدات للثقة ليس فقط بالقيادات السياسية-- بل وبإمكانية تغيير منحى الأوضاع للأفضل.

ومن الواضح ان هذا الإحباط سيمتد ليؤثر بشكل ملموس على مستقبل المشاركة في أي انتخابات قد يعلن عنها-- حتى ولو كانت بالتوافق الفلسطيني التام-- وألمحت العديد من النساء إلى ان كلا طرفي الصراع-- وهما الكتلتان الكبيرتان اللتان حصدتا أصوات الناخبين-- لم تحققا للجماهير شيئا يذكر من الانجازات-- لا على صعيد تقليص حجم البطالة، ولا على صعيد وقف الفوضى والفلتان، ولا على صعيد المعركة الوطنية لدحر الاحتلال.

وقالت النسوة: أننا جربنا حركة فتح أثناء توليها لمقاليد الحكم خلال عشر سنوات سابقة ولم تحقق لنا شيئا بل بالعكس كان أداؤها سيئا وراكمت الفساد والمحسوبية ورسخت احتكار السلطة لصالحها على حساب جميع الفئات السياسية الأخرى.

كما وان حماس أثبتت ومن خلال العام والنصف التي حكمت بها-- أنها لا تختلف كثيرا بنهجها الفئوي وتهالكها على الحكم، عن نهج حركة فتح.. بل وأنها لم تحقق أي من بنود برنامجها الذي انتخبها الشعب على أساسه، وهو ( التغيير والإصلاح ).. وقالت النساء انه ليس أمامهن إلا الاعتكاف وعدم المشاركة-- لأنهن لن يعطين أصواتهن مرة أخرى-- لا لفتح ولا لحماس-- وفي نفس الوقت فإنهن وكما قالت العديدات منهن لا يرين بان هناك قوة سياسية أخرى يمكن لها ان تعبر وبقوة عن آمالهن وطموحاتهن.. ولكنهن أضفن-- وبتشكك واضح-- انه في حالة تبلور مثل هكذا قوة تمتلك وضوح الرؤيا وجرأة الطرح والمصداقية في العمل من اجل الجماهير الشعبية.. عندها يمكن لهن ان يفكرن بمنحها ثقتهن.

وفي ختام الورشة وبعد جدل كبير بين النسوة والمحاضر وبعد لجوئه لضرب الأمثلة من التاريخ وآخرها تجربة حزب الله في لبنان وتحطيمه لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.. بدا الأمل يعود ولو طفيفا إلى قلوب النساء وأخذت لغتهن بالتغير قائلات ان الصراع الدموي الفلسطيني هو الذي يدفع بهن إلى الإحباط وان الواجب يتطلب أولا حل الخلاف الفلسطيني الداخلي وتوحيد الصفوف استعدادا للاستحقاقات السياسية القادمة وأولها اللقاء الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية في الخريف القادم.

وقد قالت إسراء هنداوي مرشدة جمعية التوفير والتسليف في محافظة جنين، ان الجمعية وبالتعاون مع دائرة الضغط والمناصرة في الإغاثة الزراعية، ستواصل عقد مثل هذه الورش، نظرا لأهمية رفع الروح المعنوية للجماهير وخصوصا النساء .. كما وقالت الآنسة أنغام زكارنة منسقة عمل الجمعية ان الجمعية التي حققت نجاحاتها المتميزة على الصعيد التنموي-- تنظر بأهمية بالغة إلى بناء الوعي والثقافة لدى النساء، من اجل تعزيز دورهن المجتمعي وتعظيم إسهاماتهن في الحياة العامة.