وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حكم عليها بالسجن خلف القضبان... ولكن من القاضي...؟

نشر بتاريخ: 27/12/2014 ( آخر تحديث: 27/12/2014 الساعة: 16:13 )
سلفيت- معا - عندما يغيب الضمير... تنقلب موازين العدل وتقس القلوب لتتحول الى حجارة... بل تكون أشد قسوة من الحجارة... هنا تنتزع الرحمة من قلوب البشر ليتحول الانسان الى أشبه ما يكون بوحش كاسر...ليبقى الضعيف الذي لا يملك شيئا يجول الطرقات بحثا عن امل مفقود عله يجده.. قدمت صرختها قرابين لتكسر الإهمال..لتصطدم "نور" من محافظة سلفيت "بواقع أليم "لتحكم عليها قسوة البشر بأن تبقى محبوسة خلف القضبان.. وأية قضبان تلك...؟

هدوء وصمت يخيم على المكان. طرقنا الباب فأستقبلتنا بترحاب امرأة بوجهها الشاحب ...لنصل الى غرفة "نور" لتبدأ حديثها من خلف القضبان بكلمات متقطعة قائلة": أنا مش مجنونة، وما بدي أضل هون ،ساعدوني بالخروج، ولا تخليهم يوخذوني الى مستشفى المجانين، وتكمل حديثها بوجود والدتها قائلة":عمري الآن 19 عام أعاني من وضع نفسي سيئ أخذوني أكثر من مرة لمستشفى بيت لحم وكانوا يرجعوني لأنني لست مجنونة ، وما بعرف شو يلي بيصيرلي ، وما بقدر أمسك أعصابي ولما بضرب حدا بعرف أني غلطتت وبتأسفلهم ، أنا تعرضت لحادثة ولا أريد التحدث فيها.. صمتت لتطلب من والدتها إكمال حديثها".

لتبدأ والدتها بلهفة بسرد واقعها الاسري الذي تعيشه قائلة" ما في غير هالحل لوضع إبنتي فيه ،توفي زوجي وأصبحنا نعيش أنا وأبنائي الأربعة حياة صعبة، وبنبرة صوتها المليء بالهموم تواصل حديثها قائلة": كانت نور لا تعاني من أي شيء وهي الأبنة الأكبر، الى أن وصل عمرها عشر سنوات ليتوقف حلمها بتكملة تعليمها وتفقد براءتها،أصبحت تعاني من وضع نفسي سيء، وكانت حالتها المرضية تسوء كل يوم الى أن وصل عمرها 15 عاما لتتعرض لحادثة، لجأت الى مديرية الشؤون الاجتماعية في سلفيت، وبعد دراسة حالتها قاموا بتحويلها الى مستشفى للأمراض العقلية في بيت لحم، مع أنني على يقين أن ابنتي ليست مجنونة، مكثت"نور" في المستشفى ثلاثة أعوام ، قضت منها عام دون زيارتنا، والعامين الآخرين كانت تأتي لزيارتنا كل فترة، وبعد أن تأكد الطبيب المشرف على وضعها الصحي انها تحسنت، قرر بخروجها من المستشفى لتعيش معنا، لأن مكانها ليس هناك، وكانت تشرف على حالتها باحثة اجتماعية من الشؤون،تأتي لزيارتها كل فترة.

حبسناها داخل زنزانة
عندما تموت المشاعر اتجاه فلذات اكبادنا.. تزداد مساحات الفراغ .وتزدحم العبرات في مختنق ضيق... لتخرج كلمات والدتها بصعوبة،خجلة قائلة": بعد خروجها من المستشفى اي بعد اربع سنوات كانت حياة "نور" ما بين الصحوة والسكرة، بعد عودتها من المستشفى بعام كانت طبيعية، تشاركنا في أعمال المنزل، وعملت لفترة في الخياطة من خلال مشروع في البلدية، و بعد فترة أصبحت نفسيتها تتغير تدريجيا الى الاسوأ،فأنقلبت حياتنا رأسا على عقب ونحن نعيش المعاناة والألم، بسبب وضعها الصحي الذي كان يسوء كل يوم وما من مجيب، كانت تسبب الايذاء لكل من حولها ،شتم ،ضرب،ايذاء، تكسير ،وأنا أقف حائرة ،خائفة عليها، ذهبت الى الشؤون عدة مرات لإيجاد حل لها وكانت الاجابة "انتو اهلها وأولى فيها، ولازم تتحملوها، مين يعني بده يتحملها" وما بيدنا حيلة الى أن أصبح وضعها الصحي لا يطاق، حتى الجيران أصبحوا يخافوا على انفسهم منها،لا ادري ما العمل،" صمتت والدة "نور" عن مواصلة حديثها فجأة....

فعندما نعجز عن وصف شيء ربما خجلا من أنفسنا أولا يكون الهروب عنواننا، الى ان نستجمع كل مشاعرنا حتى يكون بمقدورنا التحدث لتخرج الكلمات عاجزة متقطعة لتعود والدة "نور"لتكملة حديثها":لم نترك بابا الا وطرقناه من أجل مساعدتنا في حل مشكلتها وما من مجيب،فكان قرار الاقرباء ان يتم وضعها بغرفة شبيهة بالزنزانة حتى لا تؤذي احد،بابها من حديد، مكثت فيها ثلاثة شهور،واثناء وجودها داخل الغرفة جاءت باحثة اجتماعية لزيارتنا، ورأتها وهي في الداخل، فقلت لها اترين هذا وضع نور، وهذا الحل الذي قمنا به، ليكون جواب الباحثة "اذا راحتكم بهذا الحل أتركوها كما هي في الداخل،أنتم اولى فيها،ديروا بالكم عليها" وبعد ثلاثة شهور من مكوثها جاءت الباحثة المسؤول المباشر عن حالة نور وقامت بتحريرها بمساعدة الشرطة وتم تحويلها الى مستشفى الامراض العقلية، ليرفض المستشفى بقاءها لان وضعها ليس هناك، لنضعها داخل الزنزانة مرة اخرى كما ترين، اضافة الى ذلك لدي ابن يعاني من حالة نفسية سيئة وهو يتلقى علاج وادوية".

وبحسرة الضمير الموجوع تنهي والدة نور حديثها قائلة" أحس بتأنيب الضمير ولا أرضى بحبس ابنتي داخل زنزانة، ولكن ما باليد حيلة، أحمل المسؤولية لمن يعرف بحالة نور ولم يساعدنا، فأناشد المسؤولين والمؤسسات مساعدتنا في حل مشكلتها.

توجهنا الى مديرية الشؤون الاجتماعية في سلفيت التقينا ب "الفت يوسف" الباحثة الاجتماعية المسؤولة عن حالة نورلتحدثنا قائلة":منذ وأن تعرضت نور لحادثة أصبحت تحت إشرافنا ،فكانت تعاني من إضطرابات نفسية تم تحويلها الى مستشفى الامراض العقلية ،وأثبت التقرير الطبي الذي وصلنا قبل ايام، انها تعاني من إضطرابات سلوكية ،وصدمة ما بعد الحادث ،وأنها تعيش في بيئة غير مؤهلة"تخلف بيئي" ،علاوة على ذلك انه تم إعطاءها دواء ليس لحالتها المرضية ،تلقت العلاج لمدة ثلاث سنوات وبعدها خرجت من المستشفى من أجل إدماجها في المجتمع، تم التنسيق مع الصحة النفسية في سلفيت لمتابعة صحتها، وتدخلنا مع البلدية من أجل تشغيلها في برنامج تصنيع المواد الغذائية ،وكان وضعها النفسي مستقر.

وتكمل "الفت" وبعد فترة ساء وضع نور الصحي ليتخذ أهلها اجراء بحبسها داخل زنزانة وفور معرفتنا قمنا بتحريرها بمساعدة الشرطة، وتحويلها الى المستشفى مرة أخرى ليرفض ودودها هناك لتعود أدراجها الى أهلها وهم أولى منها ولا يوجد من يستقبل حالتها ونحن بدورنا كشؤون اجتماعية لم نجد حلا لها،وهناك تقصير من قبل الجميع المحافظة ومن قبل الصحة النفسية ، الكل يتحمل مسؤولية نور،وبالرغم من كل هذا هل يحق لأي شخص أن يحتجز حرية أي انسان؟

وتبقى "نور" حبيسة زنزانة الاهل فلا يوجد من يقبل حالتها... لنقف نحن هنا علنا نجد من يقف عند حالة "نور" فهل سيعاقب الضميراولا والقانون ثانيا المسؤول عن مصادرة حريتها ام ستبقى مجرد حالة ويتم إغلاق ملفها ؟ وهل ستلقى مناشدة والدتها إستجابة من قبل المسؤولين والمؤسسات ؟؟ ربما...