وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حين دخل عرفات صوت فلسطين وقال لرضوان ابو عياش : فين القدس ؟

نشر بتاريخ: 13/01/2015 ( آخر تحديث: 22/01/2015 الساعة: 22:07 )
حين دخل عرفات صوت فلسطين وقال لرضوان ابو عياش : فين القدس ؟
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في العام 1994 وحين صدر الامر بنقل صوت فلسطين من المنفى الى اريحا ، هبّ الصحافيون والكتّاب من كل ارجاء فلسطين والمهجر تلبية للنداء ، واقشعرت ابدان السكان حين سمعوا عبارة : هنا صوت فلسطين من فلسطين . وكان شرف عظيم حينها أنني انضممت الى زملائي هناك .
كانت عبارة تساوي خزائن الذهب ، بلسم رطّب جراح الشباب الذين خرجوا جرحى ومعاقين واسرى واهالي شهداء من الانتفاضة الاولى ، واذكر كيف كان الادباء وكبار اصحاب الاقلام مثل ايميل حبيبي وتوفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش وغيرهم يأتون لزيارة صوت فلسطين في شارع عمان او في المقر التأسيسي الاول عند قصر هشام . حتى وصل الامر ان يأتي طلبة المدارس في زيارات شرف لهناك . وحين استضفنا نبيل شعث هناك لم يكن في الاستوديو مكيف هواء ويكاد المذيع ان يختنق فنضطر لاخذ فاصل كل خمس دقائق لنتمكن من التنفس في صيف اريحا الحار .

كنت اعرف ان الزعيم ياسر عرفات مهتم بشكل شخصي بالاذاعة ، ولكنني لم اتخيل ان يكون هو المتابع الدائم لها ، وبين الفترة والاخرى كان يزورنا في ذلك المقر المتهالك ، وهو بيت صغير من طابقين قبل استراحة الجسر على جهة اليسار ، والاكثر دهشة ان الزملاء على الهواء كانوا يفاجئون بين وقت واخر باتصال هاتفي من الزعيم عرفات يدخل الى الهوا ويعطي مداخلة او يسأل سؤال ويطلب ويقول " هذا صوت فلسطين وليس صوت ياسر عرفات ، انتو فاهمين ، واحنا عالقدس رايحين " . وفي العام 1996 حين قمنا بالانتقال من اريحا الى رام الله في منطقة ام الشرايط جاء ياسر عرفات وافتتح المقر ، وكم كانت دهشتي كبيرة حين انتظرناه من التاسعة صباحا وحتى التاسعة ليلا ، وفي كل ساعة نستعد ويأتيه ضيف عالمي فتؤجل الزيارة ، وبعد ان نال منا التعب والاعياء ، دخلت مركبات القوة 17 حينها واعلنت : جاء الرئيس .

وقمنا جميعنا وفي مقدمتنا الراحل رضوان ابو عياش وطيب الذكر باسم ابو سمية والدكتور يعقوب شاهين والراحل هشام مكي والاعلامي الكبير نبيل عمرو والراحل يوسف القزاز ومحمد اللحام وفتحي البرقاوي وعدنان حماد وعشرات من الاخوة غيرهم في استقباله ، ولكن ابو عمار لم يهتم كثيرا بداخل المبنى ، وظل يصعد الدرج طابقا تلو الاخر حتى وصل السقف ونحن في صدمة كبيرة ماذا يفعل الزعيم ؟ وحين وصل الى السطح سأل : يا رضوان يا رضوان فينها فينها ؟؟
رد الراحل رضوان ابو عياش : شو هي يا سيادة الرئيس ؟ فقال ابو عمار : القدس فينها القدس ؟ انت قلت لي انو المقر بيطل على القدس فين القدس فين القدس ؟ واذكر حينها انني تهامست مع زميلي وصديقي يوسف المحمود : ان عرفات يريد منا تحرير القدس وليس ان نكون مجرد مذيعين !!!

وملأ صوت فلسطين الدنيا واشغل الناس ، وصار صوت فلسطين هو البوصلة لكل المشروع الوطني ، وذات يوم اتصل ابو عمار على الهواء في برنامج يوسف القزاز وقال له : انتقدوا السلطة وبلاش كلمة معالي الوزير . وفي يوم من الايام اشتبك الزميل ابرهيم ملحم مع احد الوزراء على الهواء مباشرة من اجل شكوى لمواطن فقال له ابراهيم : امّا اعتدلت واما اعتزلت ، وكان عرفات يسمع ووقف معنا ولم يقف ضدنا .
وكان يعمل في صوت فلسطين من كل الفصائل والقوى وليس من فتح فقط ، ولم نكن ندري ان هناك انتفاضة قادمة وكانت الصدمة أكبر حين قامت طائرات الاباتشي بقصف صوت فلسطين خلال المواجهات بعدها . فأمر الزعيم الراحل فورا بنقل البث الى المحطات الخاصة التي لم نكن نفهم قبلها لماذا يعطيها ابو عمار التراخيص بهذه الكثرة في كل مدينة !!!

صوت فلسطين هو الكلية التي تخرج منها اعمدة الاعلام الفلسطيني ، وكان الصحافي الخريج يتدرب فيه لسنوات وينتظر دوره لسنوات ، قبل ان يؤذن له بدخول الاستوديو ، وكان يتتلمذ على يد اساتذة كبار مثل الراحل يوسف القزاز والراحل عارف سليم والراحل تيسير جابر والشهيد عصام التلاوي والشهيد المهندس جميل نواورة وطيبو الذكر باسم ابو سمية وعثمان ابو غربية ومحمود ابو هيجا وابراهيم ملحم وزعل ابو رقطي وفتحي البرقاوي وعلي الريان وخرج من صفوفه كبار الاعلاميين مثل دانيلا خلف وشيرين ابو عاقلة وميسون مناصرة وسحر منيّر وريم ابو غزالة ونجود عريقات ورندة خفّش وشيرين موسى ورندة الحاج يحيى وفاتن علوان وشيرين صالح والزملاء الاساتذة يوسف المحمود وجمال ميعاري ونزار صمودي وابراهيم الدسوقي والشاعر امان الله عايش والدكتور احمد رفيق عوض وعماد الاصفر ومحمد عبد ربه ومعين شديد وسالم ابو صالح ود. سعيد عياد وفكري حمودة ومأمون مطر وبسام دغلس ورشيد هلال وعادل الزعنون ونعيم سويلم وجمال محمد وخالد سكر وخالد صيام وخالد القاسم وهشام ابو سمية والد. يعقوب شاهين وسمير مطير واحمد زكي وناصر ابو بكر ومحمد السيد والراحل الاستاذ نصير فالح وعاصف حميدي وهيثم صالح وقاسم منصور ونضال عرار ومصطفى بشارات ... وانا اعتذر اذا أغفلت ذاكرتي الان عن عشرات الزملاء والزميلات الذين أشادوا هذا الصرح .

اليوم اشعر ان الحكومات والقيادات مقصّرة مع صوت فلسطين ومنشغلة فقط بالفضائيات ومواقع الانترنت ، فلا احد يكرّم هؤلاء الزملاء بما يليق بهم . ولا يصطحبهم القادة لتغطية السفر في المؤتمرات والقمم ، وانا افتح الراديو في السيارة واستمع الى اذاعة عريقة المبدأ وفخمة الاداء ، راقية وتخلو من الاسفاف ، لا ترجف في تلبية نداء المواطن وتنطق بمخارج الحروف الصحيحة ، النطق فيها سليم لا نشاز فيه ، يحترمون قواعد اللغة وقواعد الاخلاق واداب المخاطبة ، يستخدمون الموسيقى الاذاعية باحتراف ويوزعون الاغاني بطريقة غير ممجوجة ، يخاطبون المقامات السياسية والدينية بكل رجاحة واتزان ، يحافظون على القيم والتعليم وخدمة المواطن وينقلون اخبار جميع الهيئات والقوى ويستضيفون الفرقاء بقلب ابيض .

اذاعة صوت فلسطين ليست فضائية غنية ، وليست قناة مملوكة لملياردير ، وليست اذاعة تعطي الرواتب الخيالية ، وليست الولد المدلل للقائد فلان او علان ، ولكنها الابن الشرعي البكر للاعلام الثوري ، وشهادة شرف نباهي بها . ربما تركنا مقاعدنا فيها ، ولكننا لم نترك مقاعدنا كمستمعين لها .
ايتها الحكومة ... اعط صوت فلسطين حقه .... ولم انس حين دخل علينا عرفات المقر وقال : فين الئدس ، فين الئدس يا رضوان . ورحل عرفات ورحل رضوان ...ويبقي صوت فلسطين وتبقى القدس .