|
عشر سنوات على بدء المقاومة الشعبية في بلعين والمسيرة ما زالت مستمرة
نشر بتاريخ: 26/02/2015 ( آخر تحديث: 26/02/2015 الساعة: 10:49 )
الكاتب: عبد الله ابو رحمة
في العشرين من شباط من عام 2005 خرجت قرية بلعين أطفالا ونساء شيوخا وشباب مع أصدقائهم من أنصار الإنسانية من شتى بقاع الأرض، متجهين نحو الجهة الغربية من القرية، حيث الساعات الأولى لعمل جرافات الجيش الإسرائيلي التي كانت تدمر الأرض وتقلع الزيتون وتمحي ذكريات جميلة عاشها الأجداد والآباء والأبناء، بذريعة بناء جدار يقول الاحتلال "أنه للأمن" ولكن الحقيقة هو لسرقة الأرض وما عليها وتحتها من ثروات لبناء المستوطنات، منذ ذلك الوقت وحتى هذه الأيام نظمت بلعين 521 مسيرة أسبوعية في يوم الجمعة، بالإضافة إلى ما يقارب 80 مسيرة أخرى عشوائية غير منتظمة، أي في أيام الأسبوع الأخرى.
الغرض ليس التفاخر من وراء عدد المسيرات ولكن الرسالة هي أين كان الهدف؟ وماذا نحتاج لتحقيقه؟ من اللحظة الأولى ورغم بساطة أهالي القرية وصغر حجمها عدديا إلا أن عدم القبول بالأمر الواقع الذي خلقه الاحتلال في القرية والقرى المجاورة من خلال بناء الجدار، كان مرفوضا لديهم، والسعي وراء الهدف الذي أجمع عليه أهالي القرية رغم التباين في وجهات النظر، وهو مقاومة الجدار حتى ينهار، مع الحفاظ على الاستمرارية الدائمة لهذه المسيرات، جعلنا أقرب من الوصول إلى غايتنا. حتى نصل إلى ذلك الهدف كان لابد من العمل مثل خلية النحل، فقد كان العمل الجماعي من تنظيم وتوزيع للمهام والمسؤوليات، وتوحيد للجهود، الخطوة الأولى في بداية المشوار، حيث ذلل العديد من العقبات، سهلت علينا قبول الأصدقاء الدوليين كشركاء لنا في النضال ضد أعداء الإنسانية، وكذلك الحال بالنسبة للنشطاء الإسرائيليين، حيث لم يكن سهلا قبولهم حيث لم يكن يعرف أهالي القرية الإسرائيليين إلا كجنود ومستوطنين، ولكن بعد بداية المشوار وخوض التجربة وجدنا أن هناك جنودا ومستوطنين وهنا إنسانيين ومناضلين. حيث الرصاص لا يميز في المسيرة بين اللون والجنس والدين. وكذلك الاعتقال أيضا مع أن هناك فارق في المحاكمة ونوع العقوبات ما بين الفلسطينيين وغيرهم من نشطاء دوليين وإسرائيليين. أما الخطوة الثانية والتي أوصلت بلعين إلى أن تكون رمز المقاومة الشعبية محليا وعالميا، حيث أطلق عليهم البعض اسم الغانديين الجدد أو غانديي فلسطين، هو خروج المسيرات من طور النمطية التقليدية إلى طور التجديدية الإبداعية، مستخدمة كل الوسائل والطرق للتعبير عن المعاناة والمأساة التي يسببها بناء الجدار، بالصورة اللاإنسانية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي: من خلال المسرح والتجسيد والفن والموسيقى والرياضة والدراما والأفكار الجديدة التي توظف المناسبة، وهذه الخطوة قادت إلى خطوة ثالثة وهي تشجيع الإعلام ونقله للصورة الحقيقية للمعاناة الفلسطينية بعيدا عن التزييف والتزوير للحقائق الذي يبدع الاحتلال الإسرائيلي في توظيفهما في تشويه الحقائق، حيث زرعت بلعين جسرا من الثقة بمصداقيتها وبإقناعها للإعلام المحلي والدولي وأحيانا الإسرائيلي لنقل قصتها، والمقصود الإعلام بكافة أشكاله المسموع والمقروء والمرئي، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ناهيك عن حملات التحشيد والمناصرة من خلال الندوات والمؤتمرات والتغريدات على التويتر والفيس بوك. أما الخطوة الرابعة تمثلت في كيفية توظيف العمل الشعبي والفعاليات والمسيرات في مساندة المرافعة القانونية، رغم أن معظم القضايا المتابعة في المحاكم الإسرائيلية نتيجتها لصالح دولة إسرائيل ونسبة قليلة جدا يكون الحكم فيها لصالح الفلسطينيين، إلا أن الإصرار والمواظبة والعمل الدؤوب والتوظيف الجيد للفعاليات الشعبية أقنع المحكمة العليا الإسرائيلية أن الجدار في بلعين ليس للأغراض الأمنية، كما يدعي الجيش الإسرائيلي، وإنما لغرض مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، وهذا ما دفع المحكمة للحكم في الرابع من أيلول عام 2007 بهدم الجدار في بلعين، لقد كان القرار مفرحا لأهالي القرية في تلك الفترة ولكنه لم يكن نهائيا، فالمسيرات لم تتوقف، وإنما استمرت، وأضافت أهدافا أخرى، منها تعمير الأرض التي حررت، وتشجيع المواطنين على البقاء فيها على مدار الساعة، من خلال خلق علاقة متينة بين الأرض وصاحبها، تجعله يشعر بالمتعة حين يعمل فيها، بالإضافة إلى تجميل المنطقة بعوامل الجذب الأخرى. أما الخطوة الخامسة وهي المحافظة على الاستمرارية 600 مسيرة رغم الظروف المحزنة والمفرحة والأجواء الحارة والباردة والقاسية ورغم العقاب الجماعي بكافة أشكاله- الحصار والحواجز ومنع التجول- كان هناك إصرار على مواصلة المسيرة كي تبقى الراية مرفوعة، سألني البعض يوما قالوا دائما نراك رافع العلم الفلسطيني في المسيرات، أجبت ما دام هناك احتلال، علمي سيظل مرفوعا كإشارة إلى مواصلة النضال حتى تحرير الأرض. لم يدخر الجيش الإسرائيلي جهدا ولم يتوان للحظة في قمع المسيرات في بلعين فقد استخدم شتى صنوف الأسلحة، منها ما هو قديم، ومنها ما أستخدم لأول مرة، مبدعا في العقاب الجماعي، ومتفننا في المداهمات الليلية، معتقلا المئات، ومصيبا بجراح الآلاف، مسببا في استشهاد شهيدين من أسرة واحدة (باسم وجواهر أبو رحمة)، كل هذا وكان الرد منا لن نحيد عن هدفنا وهو تحرير أرضنا. أن من يتذوق طعم النجاح والنصر، يسعى دائما لتحقيقه والحفاظ عليه ولا يرضى بديلا عنه، مع أن الثمن يكون باهظا أحيانا ولكن لا ضير في ذلك، فقد تجد ما دفعته من ثمن لذلك بعد فترة من الزمن حين تشعر مدى السعادة والأمن والراحة والسلام الذي حققته لغيرك يستحق ما بذلته من أجله. أما من يتعود الفشل والهزيمة يلقي بالمسؤولية على الواقع والظروف معفيا نفسه من المسؤولية، ويحاول أحيانا أن يجمل الهزيمة مقنعا نفسه بالواقع الجديد. لهذا علينا أن لا نسكت على الظلم ولنغير الواقع المرير إلى مستقبل جميل. إن ما حققته بلعين من نجاح وإنجاز لم يكن نجاحا فرديا وإنما هو مجهود جمعي يستحق الجميع عليه الثناء من فلسطينيين ودوليين ونشطاء إسرائيليين، لذا لنشارك فرحة النجاح بمشاركة كل من جاء إلى بلعين خلال الفترة من عام 2005 وحتى هذه اللحظة، باحثين عن نجاح أخر للإنسانية، ومن لم يأت خلال هذه الفترة يمكن له أن ينضم من غد ليشاركنا نشوة الانتصار. |