نشر بتاريخ: 26/02/2015 ( آخر تحديث: 26/02/2015 الساعة: 23:14 )
رام الله -معا - نظم معهد الحقوق- في جامعة بيرزيت وبالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور -بتاريخ 26 شباط 2015 لقاءً قانونياً بعنوان "المحكمة الجنائية الدولية وفلسطين: مسؤولية القادة في القانون الجنائي الدولي". تحدثت فيه شانتال ميلوني، أستاذة في القانون الجنائي الدولي- جامعة ميلانو- ايطاليا، وبمشاركة نخبة من القانونيين والأكاديميين وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية بالإضافة إلى حضور عدد من طلاب جامعة بيرزيت.
وفي بداية اللقاء رحبت ميلوني بالحضور، وتقدمت بالشكر لمعهد الحقوق على استضافته لها. وأشارت إلى أن موضوع العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية وفلسطين والتحديات التي تواجهه تلك العلاقة؛ يعتبر من الموضوعات الهامة التي تأتي في سياق الحراك الدولي للفلسطينيين، وآخرها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
واستهلت الأستاذة ميلوني حديثها بإعطاء فكرة عامة حول القانون الجنائي الدولي، حيث أشارت إلى أن فكرة استخدام هذا القانون في فلسطين ظلت لفترة طويلة فكرة نظرية يصعب تحقيقها، والأخذ بها على أرض الواقع، نظراً للحالة الفلسطينية، وكون فلسطين لم تكن دولة لفترة ليست بالبعيدة، وبالتالي لم يكن بمقدورها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وتنفيذ ما يترتب عليها من الالتزامات نتيجة لهذا الانضمام.
إلا أن هذا الأمر لم يعد كذلك، إذ شهدت السنوات الأخيرة العديد من الحقائق التي أدت إلى إحداث تغيير كبير في موقف فلسطين من القانون الجنائي الدولي. والرجوع إلى القانون الدولي فيما يخص القضية الفلسطينية، تمت الإشارة إليه بطريقة سيئة، حيث كان ينظر إلى ذلك على أن من شأنه تعميق النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي. بل إن بعض الدول ربطت استمرارية تقديم الدعم المادي للسلطة الفلسطينية بالتعهد بعدم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وأشارت ميلوني إلى أنه في العام 2009، وبعد عملية الرصاص المسكوب في قطاع غزة، تقدمت فلسطين بموجب المادة (12/3) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بإعلان إلى المحكمة، وكان رد المدعي العام على ذلك الإعلان، أن على المحكمة تحليل مدى إمكانية تقديم هذا الإعلان بسبب عدم وضوح الوضع الفلسطيني دولياً، وقد تم فتح تحقيق أولي، استمر لمدة ثلاثة أعوام، وفي نهاية هذه المدة صدر قرار من المحكمة على صفحتين، وتضمن هذا القرار، أن المدعي العام لم يكن بإمكانه أن يقرر فيما إذا كانت فلسطين دولة أم لا، وبالتالي تم رد الطلب.
إلا أن هذا القرار كان منتقداً من العديد من الجهات الدولية، ومن بينها منظمة العفو الدولية، وفي هذا الصدد، ترى السيدة ميلوني أن قرار المحكمة لم يكن قراراً صائباً، لا سيما أن فلسطين في ذلك الوقت، كانت عضواً في منظمة اليونيسكو، وهي إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة.
وفي العام 2012، حصلت فلسطين على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة، والاعتراف بها كدولة غير عضو مراقب، وهذا يعني من منظور المؤسسات الدولية وبخاصة المحكمة الجنائية الدولية، أن اعتماد فلسطين كدولة غير عضو مراقب في الأمم المتحدة سيعطيها الصلاحية للإنضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمة قادة إسرائيل على جرائمها.
ونتيجةً لذلك، قام الرئيس الفلسطيني في العام 2015 بالمصادقة على نظام روما، على أن يبدأ نفاذ هذا النظام بالأول من نيسان/ إبريل 2015، واستكمالاً لذلك، قررت الحكومة الفلسطينية ممثلةً بالرئيس الفلسطيني محمود عباس تقديم اعلان جديد للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالإستناد إلى المادة (12/3) من نظام المحكمة، حيث تضمن هذا الإعلان الطلب من المدعي العام، قبول ولاية المحكمة بأثر رجعي، وذلك من تاريخ 13/6/2014، بحيث تشمل ولاية المحكمة عملية الجرف الصامد في قطاع غزة.
وبالفعل تم تقديم الإعلان، وعلى أثر ذلك، قرر المدعي العام فتح تحقيق أولي، وفي هذا الشأن، أشارت السيدة ميلوني، إلى أن هذا التحقيق ليس تحقيقاً بالمعنى الحرفي، وإنما هو نوع من التحليل يقوم به المدعي العام من خلال قسم مختص بالتحليل الأولي، ويتناول دراسة مدى كفاية الإدعاءات حول الانتهاكات الإسرائيلية، وأسس انطباق ولاية المحكمة.
كذلك أكدت ميلوني، أن نظام المحكمة الجنائية الدولية يقوم على مبدأ التكاملية، وهذا يعني أن ولاية المحكمة ليست بديلاً عن المحاكم الوطنية، وبالتالي، فهي لن تبدأ بالتحقيق أو المحاكمة مادام بالإمكان محاكم المتهمون لدى محاكمهم الوطنية، وذلك يتطلب تعديل التشريعات الوطنية بما ينسجم مع نظام روما الأساسي.
وأشارت ميلوني، إلى أن محاكمة اسرائيل عن جرائمها، يجب أن لا يقتصر على جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة، بل بجب أن يشتمل أيضاً مساءلتها عن جرائم ضد الانسانية، كإغلاق قطاع غزة وفرض حصار عليها، وجدار الفصل العنصري، والمستوطنات، والتمييز العنصري، إلى غير ذلك من الجرائم، والسبب في ذلك، يرجع إلى أن محاسبة اسرائيل عن جرائم الحرب قد يواجه ببعض الصعوبات، لا سيما أن اسرائيل تدعي في نهاية كل حرب، أنها تقوم بتشكيل لجان تحقيق داخلية، للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت أثناء الحرب، وبالتالي سيكون من السهل افلات قادة اسرائيل من المساءلة عن هذه الجرائم. ونوهت المتحدثة الى عمل معهد الحقوق في جامعة بيرزيت وأهمية الرجوع الى الكراس ارشادي الصادر عن المعهد بعنوان "نحو الانتصار للحقوق الفلسطينية وفقاً للقانون الدولي"، حيث يفسر الكراس لماذا يتعين علينا وضع النظام العنصري الاسرائيلي تحت اطار قانوني مختلف وكيف نفعل ذلك وفقاً للقانون الدولي.
كذلك، أكدت السيدة ميلوني، على أهمية ربط الجرائم بالأفراد، فالمحكمة الجنائية لا يمكن لها فرض عقوبات على دول أو مؤسسات، وإنما يمكن لها محاسبة الأفراد، لذلك، لا بد من ربط الجرائم بالقادة، وفي هذا الشأن، لا بد من الرجوع إلى بندين هامين في نظام روما، وهما البند (25/3/أ) والذي يتناول مسؤولية القادة عن الأوامر التي يصدرونها، والبند (28)، ويتناول هذا البند مسؤولية القادة عن فشلهم في القيام بأمر ما كان عليهم القيام به لمنع الجرائم، فالقائد سواء كان عسكرياً أو مدنياً، يكون مسؤولاً في حال علم أو كان بمقدوره العلم أن من هم تحت مسؤوليته قد ارتكبوا جرائم، كذلك يسأل في حال أهمل أو قصر في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع وقوع الجرائم أو فرض العقوبات على مرتكبيها.
اختتم اللقاء بطرح المداخلات من قبل الحضور، أهمها مدى إمكانية ملاحقة المحكمة الجنائية لمرتكبي الجرائم من تلقاء نفسها. ومدى القدرة الفلسطينية على إجراء محاكمات داخلية حول الأفعال المرتكبة من قبل فلسطينيين في ظل الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وما هي الفائدة المرجوة من اعتماد ولاية المحكمة بأثر رجعي.