|
نفقٌ في نهاية الضوء: الفلسطينيون إلى أين؟
نشر بتاريخ: 28/02/2015 ( آخر تحديث: 28/02/2015 الساعة: 12:41 )
الكاتب: د.احمد يوسف
إن ملخص الحالة الفلسطينية اليوم، هي: واقع سياسي مأزوم، وإنساني مكلوم، ومستقبل بلا ملامح أو نجوم. من هنا؛ يطرح الشارع الفلسطيني بكياناته المختلفة تساؤلاته المشروعة، وذلك في سياق جذوة متقدة من الغضب المكتوم: كم سنة من الترقب والانتظار مطلوب منَّا - نحن الفلسطينيين - أن نتحمل تخبط قياداتنا السياسية، وفشلها في أن تأتي لنا بالخلاص؟ إلى متى تظل المصالحة الفلسطينية متعثرة، برغم كل الجهود المبذولة عربياً وإسلامياً، ومعلقة بحكم غياب الحكمة والرجل الرشيد؟ اليوم، نحن نشاهد حالات التصدع والانهيار في جدار نسيجنا الاجتماعي والوطني، وتعاظم التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية، وعمليات التهويد المتسارعة في محيط المسجد الأقصى وأماكن التراث الإسلامي في مدينة القدس وما جاورها من مقدسات.. السؤال: لماذا تستمر حالة العجز والغشاوة والهوان تضرب أطنابها في أروقتنا السياسية، ولماذا التسليم بالهزيمة والاستسلام المخزي لواقع الحال؟!
إذا كانت كل محاولات الفصائل الفلسطينية الجمع بين فتح وحماس، وتلزيم الطرفين بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام قد باءت بالفشل، ألا يستدعي ذلك تشكيل طاقم يتوافق عليه الطرفان كحكم، بحيث يكون حكمه، وما يخرج عنه من قرارات، ملزماً لكل منهما؟ أسئلة لا تجد لها إجابات، وعلامات الاستفهام فيها ما تزال تجوب شوارعنا حائرة!! إننا - في الحقيقة - ومنذ أكثر من ستين عاماً أعقبت النكبة الأولى عام 1948م، ثم قيام منظمة التحرير الفلسطينية في يونيه 1964م، والخلافات السياسية ما انفكت تسود أوساط الفصائل الفلسطينية والتنظيمات التابعة لها.. ومع المسار المتعثر وحالات الصراع التي صاحبت خروج المقاتلين الفلسطينيين من الأردن ولبنان، والرحيل باتجاه تونس وبلدان عربية أخرى، ظل الفلسطيني حائراً بين التيه والأمل. جاء توقيع اتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993م بالعاصمة الأمريكية واشنطن، واستبشر الكثير من أهلنا في الوطن والشتات بأن الدولة الفلسطينية باتت قاب قوسين أو أدنى.. للأسف، مضى عقدان من الزمن أو يزيد وما زلنا نناكف ونجادل ونراوح في نفس المكان!! مئة مصالحة وقَّعنا، وفي أكثر من عاصمة عربية وإسلامية توافقنا، وأخذنا على أنفسنا العهود والمواثيق، وصغنا من التفاهمات ما يجعلنا أقرب مودة وصلة من حبل الوريد، وألف شاهدٍ وشاهد كانت عيونه ترقبنا، وشعب بكامله بانتظار أن يخطو قادته انتظرنا للملمة الصف والتئام شمل الوطن، وأمة عربية وإسلامية حائرة؛ مسكونة بالخوف والقلق علينا، لما يبيته الأعداء لنا.. ولكن واأسفاه كانت قياداتنا وما تزال دون القامة المرجوة، فانتكسنا، وتراجعت حظوظنا في الوفاق والاتفاق والمصالحة الوطنية.. وظلت حالة غياب الرشد والانحطاط السياسي هي قدرنا، وهي المؤشر لطبيعة المرحلة والعنوان الأبرز للأزمة. لقد عقدنا الكثير من جلسات العمل، حيث تحاورنا كقوى وطنية وإسلامية بحثاً عن مخرج لأزمتنا القائمة، ولكن دون جدوى، بالرغم من واقعية ما توصلنا إليه، والوضوح في التوصيات التي خرجت عن مجمل تلك اللقاءات.!! إن الحروب التي أعقبت أحداث الانقسام البغيض أثقلتنا، وعليه ساد الاعتقاد بأننا إلى المصالحة أقرب؛ لأن منطق الحكمة وصوت العقل يُرجِّحان ذلك. ولكن للأسف غاب فينا الرجل الرشيد، الذي يأخذ برؤية "الكل الوطني والإسلامي"، ويتحرك بنا باتجاه عروتنا الوثقى، حيث يتموضع حجر الزاوية، ويتمّ تسديد مسار البوصلة باتجاه العدو الغاصب، الذي يتربص بنا الدوائر. بين اليأس والأمل: المسار الحائر في شبابي، كان الأمل - دائماً - يراودني برؤية فلسطين محررة من البحر إلى النهر، وكانت الأحلام بمشاهدة أرض الآباء والأجداد لا تغيب عن خيالي لحظة.. وبالرغم من هزيمتنا المدوية عام 67، والانتكاسة المخزية لجيوش العرب أجمعين، إلا أن التمسك بفلسطين؛ الأرض والهوية، ما زال يعشعش في أدمغتنا ويسكن نخاع وجودنا. إنني لا أتخيل نفسي بعيداً عن فلسطين؛ الأرض المباركة في ترابها وتراثها، والمجيدة في صنائع تاريخها وسير الملاحم لشهدائها، فهي قدس الأقداس، وقناديل الضياء لخير أمة أخرجت للناس.. لم تبهرني كل حواضر الغرب وإغراءاتها باستمرار البقاء فيها، فقررت شدَّ الرحال إلى الوطن بعد غربة عقدين من الزمن، حيث كانت عاطفتي تهزني - صباح مساء - تطالبني بالعودة، حيث ترانيم النداء: "وصار الحلم هو الخيمة". في الواقع، ما أن حمل الاحتلال عصاه ورحل عن قطاع غزة، حتى هرعت بالعودة إليها، تاركاً جمل الغربة بكل ما حمل، حيث لا شيء بمكانته وعزه يساوي الوطن، بكل ما يعنيه من قداسة وذكريات لا تغيب لملاعب الطفولة ومدارج الصبا. هذا الوطن يعيش فينا بكل تجلياته ودموعه وآلامه، وبكل الطموحات والآمال برؤيته عزيزاً مكرماً، يرفرف فوق مؤسساته وقبابه علم فلسطين، الذي احتضناه صغاراً ونقف له كباراً مع سلامنا الوطني وفي وداع الشهداء . نعم؛ برغم اليأس والقنوط الذي يعم ربوع بلادنا جراء الانقسام والتباعد وسطوة المحتل الغاصب، إلا إن رحم هذا الشعب العظيم يتوالد معه الأمل وتزدهر الرجولة، وقد شاهدنا من هذا النبت صفحات مجد وملاحم بطولة كانت عناوين صمود ومؤشرات انتصار لغدٍ قادم؛ فمن معركة الفرقان إلى حجارة السجيل إلى العصف المأكول كانت مشاهد الرجال تمنحنا الثقة والاطمئنان، بأن "رأس النفيضة" وسن الرمح قد اكتمل مضاءة، ونحن بانتظار جهوزية عمقنا العربي والإسلامي، لنصنع لتاريخ أمتنا العربية والإسلامية صفحات مجد تليد، تضاهي في روعتها كل ما سبق من معاركنا الفاصلة في التاريخ، أمثال: عين جالوت وحطين. لقد لفت نظري وبعض الأوربيين خلال جولة تفقدية لأحياءٍ أصابها الدمار في بيت حانون مشهد شجرة انهارت عليها أنقاض البنيان، فطوّحتها جانباً، إلا أن فروعها ظلت تنمو محتفظة باخضرارها.. كان المشهد لافتاً للأنظار ويستدعي التأمل، مما دفعني للقول: هذا هو – بالضبط - حال الفلسطيني، كالعنقاء التي تُبعث من تحت الرماد، متعالية بإصرار ورافضة التسليم بالعجز والاستسلام. توني بلير: أسئلة وإجابات جاءت زيارة توني بلير؛ رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ومبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط حالياً، إلى قطاع غزة في منتصف شهر فبراير 2015م سريعة ومفاجأة.. في الواقع، لم يحمل السيد بلير في جعبته شيئاً لم نتوقعه، ولم يأتِ بأي جديد، إلا أن ما طرحه من أسئلة موجهة لحركة حماس أثار عدة تساؤلات، من حيث مغزاها وتوقيتها وحول أبعادها وجدواها، خاصة وأن الحركة سبقت وأن قدَّمت في الماضي إجابات لأسئلة كثيرة مشابهة. لا شك، أن الذي دفع حركة حماس لسرعة الرد على تلك الأسئلة هو ذلك الحرص الذي أبداه بعض ممثلي السلك الدبلوماسي من الأجانب لدى السلطة الفلسطينية، حيث دعا بعضهم إلى ضرورة أن تقدم الحركة إجابات توضيحية لتلك الأسئلة، خاصة ونحن بانتظار رد محكمة العدل العليا للاتحاد الأوروبي بخصوص قرار الاستئناف، والمطالب بإبقاء حركة حماس على القائمة الأوروبية للتنظيمات الإرهابية، وذلك بعد أن تمَّ رفعها من تلك القائمة في شهر يناير الماضي، الأمر الذي دفع د. موسى أبو مرزوق لنشر رد حماس عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية، حيث إن الهدف من وراء ذلك هو أن تصل مواقف الحركة إلى الجهات الدولية، وليس فقط إلى ممثل اللجنة الرباعية. وقد أشار د. أبو مرزوق إلى أن توني بلير أبلغهم أنه لا إعادة إعمار ولا تحسين لمستوى المعيشة إلا بخمسة شروط، هي: المصالحة والقبول ببرنامج سياسي فلسطيني قاعدته دولة فلسطينية في حدود 67، وتأكيد بأن الحركة هي حركة فلسطينية لتحقيق أهداف فلسطينية، وليست جزءاً من حركة إسلامية ذات أبعاد إقليمية، بالإضافة إلى القبول بأن حل الدولتين نهائي للصراع وليس مؤقتاً، ورسالة طمأنة لمصر بأنها – أي حماس - ليست قاعدة للإرهاب في سيناء، وأنه سيكون هناك تفاوضاً مع الحكومة المصرية لمنعه. وتساءل أبو مرزوق في رده على أسئلة ممثل الرباعية، قائلاً: "هل هذه هي شروط قبول المجتمع الدولي لحركة حماس، الذي يتحدث نيابة عنه توني بلير، وهل هي كذلك الشروط لإعادة الإعمار، وتحسين مستوى معيشة أبناء قطاع غزة؟". وعاد أبو مرزوق لرسائل توني بلير الخمسة ليتحدث عنها واحدة واحدة فقال: "الرسالة الأولى المصالحة الفلسطينية، وقد تمَّ إنجازها، ولا أدري ما هو المطلوب أكثر من حركة حماس.. وأضاف قائلاً: "أما الرسالة الثانية، فهو يتحدث عن دولة فلسطينية في حدود 67، ونحن بدورنا نتساءل، هل المشكلة عند الفلسطينيين في هذه القضية تحديداً؟" يجيب أبو مرزوق: "أعتقد أن المشكلة ليست عندنا، ولكن عند الجانب الآخر، ويجب أن يوجه توني بلير حديثه لإسرائيل، هل تقبل بدولة فلسطينية في حدود 67 والقدس عاصمة لفلسطين؟ هل يقبلون ترك المستوطنات، وترك الاستيلاء على أراضي الضفة؟ أم لا زالت اهتماماتهم تتجاوز الضفة الغربية لابتلاعها وفرض سياسة الأمر الواقع عليها". وعن الرسالة الثالثة، التي طالب فيها بلير حماس بأن تكون حركة وطنية فلسطينية، وأن لا تكون ضمن حركة إقليمية أو عالمية: أعاد د. أبو مرزوق التأكيد "بأن حماس هي حركة فلسطينية، تعمل لتحقيق الأهداف الفلسطينية، وليست جزءاً من حركة إسلامية ذات أبعاد إقليمية، فنحن نعلم أن الكثيرين يتخذون من هذه العبارة ذريعة أكثر منها حقيقة، وذلك للأسباب الآتية: - إن كل حركة إسلامية قياداتها محلية، وبنت بيئتها ومشهدها السياسي، ولذلك تجد سياسة في اليمن غير المغرب، وسياسة في مصر مغايرة لتونس، وليس هناك من جامع يجمع تلك السياسات المتغايرة والمتناقضة. - رغم تباين الأنظمة في المنطقة، إلا أن الحركات الإسلامية كلها مشاركة بصورة أو بأخرى بالنظم السياسية لبلادها، فمثلاً هناك نظام ملكي، وهناك نظام جمهوري، وهناك نظام برلماني، وهناك نظام مختلط وهكذا. - الادعاء بأن هناك حركة إسلامية ذات أبعاد إقليمية، بحاجة لحقيقة تدل على هذا الافتراض، مثل: خطة وبرنامج وسياسات، فأين هي تلك الخطة والبرنامج والسياسات.!! - أما ما يخص موضوع "فلسطينية الحركة"، يجيب د. أبو مرزوق قائلاً: إن حماس هي حركة تحرر فلسطينية، وهي بحاجة إلى كل من يساعدنا من دول وحركات، وليس من مصلحتنا ولا من برنامجنا معاداة أي طرف مهما كان الاختلاف في الأيدولوجية أو في السياسات، ومساحة عملنا المقاوم فلسطين، ولم نمارس أي عملية خارج فلسطين حتى ولو كانت رداً على اعتداء، كما حدث في حالات الاغتيال لقيادات وكوادر من الحركة عبر العقود الثلاثة الماضية. - إن قاعدة برنامج حماس؛ المقاومة ومواجهة الاحتلال، والحركات الأخرى حركات قاعدتها وبرنامجها الأساس برنامج إصلاحي، ولا يمكن أن نُقارن بين هذين البرنامجين. - إن تحالفاتنا وعملنا السياسي مساحته الساحة الفلسطينية، وقواها السياسية، فتم تشكيل تحالف الفصائل العشر، وتحالف القوى الفلسطينية، ودخلنا الانتخابات ملتزمين بالقانون الأساسي الفلسطيني. وتم الاعتراف من قبلنا بـ (م. ت. ف) ونعمل على دخولها والاندماج ببرنامج سياسي متفق عليه. وبخصوص الرسالة الرابعة، وهي القبول بأن يكون "حلُّ الدولتين" نهاية للصراع وليس شيئاً مؤقتاً، أجاب د. أبو مرزوق: "بالتأكيد يعلم توني بلير بأن أي اتفاقيات ظالمة لا يمكن أن يكتب لها الحياة، وأي اتفاقيات تفرضها موازين القوى الحالية لا يمكن أن تبقى عند تغيير موازين القوة، ويعلم أيضاً أن الآمال والطموحات والهوية والارتباط بالأرض والمعتقد لا يمكن أن تُزيلها أو تُغيرها توقيع زعيم أو موافقة فصيل، وحركة حماس حركة لن ترضى بالظلم، حتى وإن تعايشت معه مرحلة من المراحل، ولن تقبل أن توقع على مصادرة حقوق وآمال شعبنا الفلسطيني". وعن الرسالة الخامسة والتي تتعلق بمصر، قال د. أبو مرزوق: "إن مصر بالنسبة لنا ليست مجرد دولة جارة، وأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، مصلحة فلسطينية مطلقة وقوتها قوة للشعب الفلسطيني، ولا أحد من بين العرب بحاجة لمصر على هذه الصورة، مثل الفلسطينيين، وخاصة سكان قطاع غزة". وأضاف: "لا يمكن أن يكون القطاع مكاناً لإيذاء مصر، أو وقوع ضرر لها، ولم نهمل أي اتصال أو لم نتعامل معه بجدية ومسؤولية خاصة حينما يتعلق الأمر بأمن مصر، وقطعاً لن تكون غزة مرتعاً للإرهاب أو موطناً لأية حركات مصرية أو غيرها".. وختم بالقول: إن "حماس هي حركة فلسطينية عربية إسلامية مقاومة، تسعى لتحقيق آمال شعبها الفلسطيني بالعودة والحرية والتحرر، وأهم أولوياتها في هذه المرحلة، هو تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، ووحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، والعمل بتوافق وطني لانسحاب الاحتلال من الضفة الغربية والقدس وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، بكافة الوسائل المتاحة، والسعي لعلاقات متميزة مع كل أشقائنا لا سيما مصر العزيزة". في الحقيقة، إن هذه الإجابات قد سبق لتوني بلير وجهات دولية أخرى أن تسلمتها عبر رسائل واضحة، ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها!! طريق الخلاص: ملامح وتوصيات في محاولة للبحث عن مخرج، واستشراف مستقبل المشروع الوطني في ظل واقع الأزمة القائمة وتعطل المصالحة والإعمار، عقدت هيئة الوفاق الفلسطيني ندوة للحوار بتاريخ 16 فبراير 2015م، شاركت فيها كل فعاليات وألوان الطيف السياسي من فصائل العمل الوطني والإسلامي، وكذلك النخب الفكرية والأكاديمية والإعلامية، إضافة لمنظمات المجتمع المدني، ليخرج الجميع بمجموعة من التوصيات التي يمكن إجمالها في النقاط التالية: 1- تشكيل لجنة حكماء من الكل الفلسطيني لصياغة رؤية وطنية شاملة تنقذ المشروع الوطني برمته. 2- الانتقال بالحوار الوطني من ثنائية القطبية بين حركتي فتح وحماس ليشمل جميع الفصائل ومكونات شعبنا الأخرى؛ باعتبار الوطن للجميع وينهض به الجميع. 3- أهمية عقد ورش عمل دائمة وليست موسمية، وذلك بهدف تفكيك ملفات المصالحة، ومعالجتها بعقل جمعي منظم، وليس بعقليات انفرادية أو مزاجية. 4- من الواجب اعتماد سياسة خارجية فلسطينية لجميع الفصائل تجاه الدول العربية سيما دول الإقليم، قائمة على الحيادية وعدم التدخل في الشأن الداخلي لهذه الدول، وكسب الجميع لصالح قضيتنا؛ أنظمة سياسية ومعارضة على السواء. 5- أهمية الاستفادة من التجربة التونسية الملهمة في تغليب منهج الوفاق الوطني على تجربة الديمقراطية والانتخابات. 6- رفض الحلول الترقيعية، وأهمية الحل الشامل والجذري لسائر قضايا المصالحة تفادياً للانتكاسات السابقة وبث الأمل لشعبنا. 7- تحويل هيئة الوفاق إلى قوة ضغط، وفتح المجال لكل من يريد السير في هذه الطريق لتشكيل أكبر حالة تكتل وطني للضغط على الفرقاء لإنجاز المصالحة الكاملة. 8- التفكير بعقل استراتيجي في مستقبل السلطة الوطنية ووظائفها واستحقاقاتها, هل هي مدخل للتحرير أم عقبة في طريقه؟ وبالرغم أن هذه الحصيلة من التوصيات قد سبق وأن تمت الإشارة لبعضها في ملتقيات حوارية مختلفة، وعلى طول سنوات الانقسام، إلا أن الجديد فيما تمخض عنه هذا الملتقى هو أن الجميع بات مدركاً أن طرفي الأزمة؛ فتح وحماس، هما أعجز عن الوصول إلى مخرج ينهي الأزمة، وباتت الحاجة ملحة إلى جهد "الكل الوطني" لانتشال الطرفين والوطن من وحل الأزمة القائمة. ختاماً: ضوء وأكثر من نفق انتظر الفلسطينيون طويلاً رؤية ضوءٍ في نهاية النفق، ولكن – للأسف - كلما لاح ذلك الضوء اكتشفنا أنه الطريق لنفق آخر، في رحلة لا تنتهي من التعقيدات والمصائب السياسية والعثرات، التي تعبر عن تلك الحالة، وذلك من خلال ما نشاهده من مناكفات إعلامية وردح سياسي وتهافت في لغة الخطاب، مما يجرح في صدقية مشروعنا الوطني وهويتنا الفلسطينية، ويجعلنا لقمة سائغة تلوكها ألسنة المرجفين والمتخاذلين والمتربصين. كثيرة هي التمنيات بأن تتحقق المصالحة وأن ينتهي الانقسام، ولكن – وكما هو معروف – أن الأمور لا تتحقق بالتمني ولا بالتحلي، ولكنها تحتاج إلى الفعل، أي "ما وقر في القلب وصدَّقه العمل"، فإذا توفرت الإرادة السياسية جاء الفرج؛ وقديماً قالوا: "إذا صدق العزم وضح السبيل" . وتأسيساً على كل ما سبق، فإن استمرار تعثر مسار المصالحة، وشلل الحكومة، وغياب الأفق، وانعدام الرؤية وتعطل الرأي، يفرض على الجميع في الشارع الفلسطيني التحرك، وضرورة ممارسة الضغط على قيادات طرفي الأزمة، وعلى رأس هرم السلطة كذلك.. إن تراكم مشاهد الواقع المأساوي يسوقنا باتجاه الانفجار، فغزة تتلظى على صفيح ساخن وفوهة بركان، وإذا لم يتم تفعيل الحكومة لتتولى مسئولياتها والوفاء بالتزاماتها تجاه قطاع غزة بالكامل، فعليها مصارحة شعبنا بما يواجهه من تحديات، حتى يتبين لنا إن كان مسارنا على هدى أو في ضلال مبين.!! كنا وما زلنا نقول: إن المصالحة هي خيارنا الأول والأخير، وأن الانتخابات والشراكة السياسية والتوافق الوطني هما المخرج لنا جميعاً مما يعتورنا من أزمات، وأنه قد آن الأوان لكي نعزز من ثقة بعضنا بالبعض الآخر، وأن نبني لتحقيق أهدافنا طريقاً يبساً واضح الراية والمعالم، ورؤية قائمة على الصدق والصراحة والتفاهم، وإلا فإن عاقبة أمرنا خسرى. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.. |