نشر بتاريخ: 03/03/2015 ( آخر تحديث: 03/03/2015 الساعة: 17:17 )
رام الله- معا- صدر مؤخراً عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) وضمن سلسلة تقارير قانونية التقرير الذي يحمل رقم 84 بعنوان (نحو نظام قانوني شامل للتحقيق الإداري في قضايا الأخطاء الطبية) من إعداد المحامي معن دعيس. ويقع الكتاب في 140 صفحة من القطع المتوسط مع ترجمة لملخص تنفيذي باللغة الإنجليزية.
وجاء في مقدمة التقرير أن التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية عملية مهمة للأطباء والعاملين في المهن الصحية المختلفة بالضبط تماما كما هي مهمة بالنسبة للمرضى المتضررين وذويهم. فالتحقيق الجدي والعميق في قضايا الأخطاء الطبية مهم من اجل خلق قناعة لدى المرضى المتضررين بأن هناك مُساءلة قانونية حقيقية لمن تسبب في وقوع الضرر بحقهم. ومهما تعددت النظم القانونية المعالجة لموضوع التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية إلا أنها تتفق جميعا على ضرورة التحقيق الجدي في مثل هذا النوع من القضايا، وضرورة محاسبة المسؤولين عن حالة حصول الأخطاء الطبية. غير أن هذا الاتفاق على التحقيق والمُساءلة ينبغي أن تعبر عنه الإجراءات القانونية التي ترسمها الدولة لإجراء هذا التحقيق، كما ينبغي أن تلتزم هذه الإجراءات بمعايير المحاسبة والمحاكمة العادلة التي نصّت عليها المواثيق الدولية وتضمنها القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية في العام 2002، وينبغي أن تلتزم بمبدأ أساسي ألا وهو المساواة بين جميع الناس، ليس فقط أمام القانون، وإنما أيضا المساواة أمام القضاء، بما في ذلك المساواة بين طرفي علاقة الأخطاء الطبية في المساءلة التأديبية.
إن احترام حقوق الإنسان والعمل على إعمالها من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية بصورة عامة، وفي مجال الحق بالصحة بصورة خاصة، ومحاسبة من يعتدي على هذا الحق يقتضى تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات سواء فيما تفرضه القوانين والتعليمات والإجراءات أو في الأسس المتبعة والعقوبات المفروضة عليهم. وهذه المساواة قد لا تتحقق عندما تختلف القوانين المطبقة على أصحاب المهن الصحية بين الضفة الغربية وقطاع غزة أو بين القوانين المطبقة على العاملين في الحقل الصحي الخاص والقوانين المطبقة على ذات الفئة من العاملين في الحقل الصحي العام.
تمت مراجعة عدد من التشريعات الوطنية ولا سيما القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية لعام 2002 وتعديلاته، وقانون الصحة العامة الفلسطيني رقم 20 لسنة 2004، وقانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 4 لسنة 1998 وتعديلاته، واللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المذكور لعام 2005 وتعديلاتها، والقوانين الاردنية النافذة المفعول في الضفة الغربية كقانون نقابة الأطباء الأردني رقم 14 لسنة 1954 وتعديلاته، وقانون نقابة أطباء الأسنان الأردني رقم 11 لسنة 1956 وتعديلاته، وقانون نقابة الصيادلة الأردني رقم 10 لسنة 1957 وتعديلاته، وقرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم 6 لسنة 2009 بشأن نظام الشكاوى، والقوانين الانتدابية النافذة المفعول في قطاع غزة كقانون أطباء الصحة الانتدابي رقم 58 لسنة 1947، وقانون الصيادلة الانتدابي الباب 110 لسنة 1921 وتعديلاته، وقانون أطباء الأسنان الانتدابي رقم 1 لسنة 1945 وتعديلاته.
كما تم مراجعة عدد من التشريعات العربية في هذا الخصوص ولاسيما القانون الاتحادي الإماراتي رقم 10 لسنة 2008 بشأن المسؤولية الطبية ولائحته التنفيذية، ونظام (قانون) مزاولة المهن الصحية السعودي لسنة 1426 هجرية ولائحته التنفيذية لسنة 1427 هجرية، والقانون الليبي رقم 17 لسنة 1986 بشأن المسؤولية الطبية، وقانون الخدمة المدنية الليبي رقم 55 لسنة 1976 وتعديلاته، وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي لعام 1991 وتعديلاته، ومشاريع قوانين المسؤولية الطبية الاردنية لعام 2009 و2010، ومشروع قانون المسؤولية الطبية المصري لعام 2011.
ويشتمل التقرير على مبحثين، الأول حول الإطار القانوني الوطني والعربي للتحقيق في قضايا الأخطاء الطبية، حيث انه لا يوجد في النظام القانوني الفلسطيني آلية قانونية واحدة مشتركة تحكم عمل لجان التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية، وإنما تختلف هذه الآلية بين القطاع الصحي العام والقطاع الصحي الأهلي والخاص، كما تختلف بين القطاع الصحي الأهلي والخاص الموجود في الضفة الغربية عن الآلية المعتمدة لدى القطاع الصحي الأهلي والخاص الموجود في قطاع غزة. ويعود هذا الاختلاف إلى تعدد واختلاف المنظومة القانونية التي تحكم القطاع الصحي. فعلى الرغم من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ببعض الإجراءات التشريعية والسياساتية الصحية باتجاه تطوير وتوحيد المنظومة التشريعية الصحية، إلا أن هذه الجهود لم تصل إلى الحد الذي يتم فيه توحيد الآليات القانونية الصحية في مجال المساءلة الإدارية للعاملين في هذا الحقل، ممن يثبت حصول إهمال منهم في أداء واجبهم.
ولمراجعة الإطار القانوني الوطني للتشريعات الوطنية في مجال المساءلة الإدارية للعاملين في المهن الصحية، على ضوء تجارب بعض الدول العربية ذات العلاقة، فقد توزعت مراجعتنا على ستة محاور هي الإطار العام، حيث يعالج هذا المحور الموضوعات المتعلقة بالشكل القانوني للأحكام المتعلقة بالتحقيق الإداري في عملية الأخطاء الطبية، ومبدأ سرية التحقيقات. في حين عالج المحور الثاني موضوعة العقوبات التأديبية، والمحور الثالث الإطار التنظيمي للجنة التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية كطريقة تشكيل اللجنة وجهة تشكيلها وصلاحياتها، وصفات عضو لجنة التحقيق، وتدوين تحقيقات اللجنة، ورد رئيس اللجنة أو أحد أعضائها أو أكثر. وفي المحور الرابع إجراءات عمل لجنة التحقيق كطريقة وصول الشكوى للجنة، وإجراءات التحقيق الإداري في الأخطاء الطبية، والاستعانة بالشهود أمام اللجنة. وفي المحور الخامس: الاعتراض على قرارات لجنة التحقيق/ مجلس التأديب، وفي المحور السادس- الأحكام الختامية التي يمكن أن يتضمنها أي نظام قانوني كالمكافئات المالية لأعضاء اللجنة، وتنفيذ قرارات مجلس التأديب من الوزارة والنيابة العامة.
أما المبحث الثاني فتطرق للنظام القانوني الفلسطيني المنشود للتحقيق في قضايا الأخطاء الطبية، باعتبار أن الهدف البعيد هو أن يكون هناك قانون خاص بالمسؤولية الطبية، لكن إلى حين الوصول إلى ذلك الهدف، من الضروري أن تعمل الجهات الرسمية وغير الرسمية معا من أجل الوصول إلى ذلك الهدف، وقد تم الإشارة في المطلب الأول من هذا المبحث إلى النماذج التي من الممكن أن تتبناها فلسطين لدى وضعها للنظام القانوني الخاص بالتحقيق في قضايا الأخطاء الطبية بالاعتماد على التجارب المختلفة المعالجة في المبحث الأول.
وفي مطلب ثان تعرضت الدراسة للإجراءات القانونية القابلة للتطبيق الفوري للتحقيق في قضايا الأخطاء الطبية، وأشارت إلى الخطوات التالية للتوصيات التي أوردتها الهيئة بشأن الإجراءات الواجبة الإتباع في التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية في تقريرها الصادر في العام 2012، ولاسيما ورشة العمل التي عقدها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في شهر أيار 2013 لنقاش موضوع نظام المُساءلة عن "الأخطاء الطبية"، وعرضت في هذا المطلب للتوجهات المثارة فيه في هذا الشأن، ولاسيما مأسسة عمل لجان التحقيق وآلية تشكيلها وإجراءات عملها وتحديد تبعياتها وتأهيلها بما يضمن حياديتها وما يضمن أيضا تخصصها وفاعليتها، التأكيد على وجوب التأمين الإلزامي على الأخطاء الطبية وإنشاء صندوق لتعويض المتضررين من الأخطاء الطبية التي لا تنتج عن خطأ أو تقصير أو إهمال كضمانة أساسية للتعويض وأيضا الحرج من لجان التحقيق في تقرير وقوع الخطأ الطبية أو عدم وقوعه، واعتماد نظام متكامل لتوثيق الأخطاء الطبية لدى الجهات الصحية سواء لدى وزارة الصحة أم لدى نقابة الأطباء، وذلك لأخذ العبر والدروس، إضافة إلى التدخلات التشريعية التي تضمن تحديث التشريعات ذات العلاقة بما يضمن تعريف الخطأ الطبية وتحديد قنوات ولجان المساءلة وآليات عملها وإجراءاتها وفرض التأمين الإلزامي على الأخطاء الطبية. مع إمكانية البحث في الوسائل البديلة لحل النزاعات الناتجة عن الأخطاء الطبية كالتسوية الودية.
وقد هدفت الهيئة من هذا التقرير، وما يتضمنه من مرفقات هامة، إلى تفعيل عملية النقاش حول التحقيقات الإدارية في قضايا الأخطاء الطبية بغرض الوصول إلى الطريقة المثُلى والعادلة والمتساوية للتحقيق مع كافة فئات المهن الصحية التي قد يكون لها تدخل في أي مرحلة من مراحل علاج المريض الذي أصيب بحالة الخطأ الطبي.
كما هدفت أيضاً إلى الدفع باتجاه اتخاذ خطوات رسمية وغير رسمية باتجاه وضع إجراءات أكثر فاعلية في التحقيق في قضايا الأخطاء الطبية التي قد يُسأل عنها أكثر من طرف من أطراف تقديم الخدمات الصحية في النظام الصحي (الطبيب، الصيدلي، الممرض، المختبر، الأجهزة الطبية، ...الخ)، وعدم الانتظار إلى حين وضع قانون شامل للمسؤولية الطبية، ولاسيما بشأن لجنة التحقيق الفنية في قضايا الأخطاء الطبية، والتأمين ضد خطر الضرر الناجم عن حالات الأخطاء الطبية.