|
العنف "المباح".. ممنوع الخوض بتفاصيله
نشر بتاريخ: 12/03/2015 ( آخر تحديث: 12/03/2015 الساعة: 15:41 )
غزة- تقرير معا -فاضت عيناها بالدمع وهي تروي حكاية الألم والمأساة التي تتعرض لها على يد عائلتها التي أجبرتها على الزواج من ابن خالها "كهدية مجانية" بدون مقابل، فاعتقدت للحظات أنها يمكن أن تهرب من العنف الجسدي والمعنوي الذي كانت تتعرض له على يد عائلتها، لكن فصول المأساة استمرت تطاردها في كل لحظة في حياتها التي تحولت لجحيم لا يطاق.
"ريهام" اسم مستعار لفتاة غزية جميلة تبلغ من العمر 22 ربيعا غطت علامات الضرب وجهها البريء ويديها، تعيش ظروفا مؤلمة تعمل كخادمة في البيوت لتعيل ابنها بعد أن طلقها زوجها قبل ثلاثة اشهر، وسط تهديدات تواجهها من أسرتها اذا لم توفر المال. وبدأت "ريهام" تتعرض للعنف من والدتها في سن التاسعة والتي كانت عادة ما تحبسها في غرفة يسمونها "السدة" أو تجعلها تنام فوق سطح المنزل، لحب الفتاة الكبير لزوجة أبيها ما دفع الوالدة لتحرض الوالد على ابنته،، وهنا بدأت صولات العنف والضرب تمارس على ريهام حتى باتت تعاني من اضطرابات نفسية. في سن السادسة عشرة قُدّمت ريهام هدية مجانية لابن خالها على طبق من ذهب دون مهر وانتقلت الى بيت الزوجية، حيث كانت تأمل أن تكون المعاملة أفضل، لكنها كانت تتعرض للضرب المبرح من زوجها وأصيبت بسببه عدة مرات بحالات نزيف احداها في شبكية العين- كما تقول- بل وصل الأمر إلى تعرضها للتحرش من قبل شقيق زوجها وتقول: "في أكثر من مرة كنت اشتكي فيها بتعرضي للتحرش كان يقابلني بالضرب ويتهمني بالافتراء والكذب". وتتابع: "حاولت الإسرار لامي اني أتعرض للتحرش من شقيق زوجي فرفضت أن تسمعني وطلبت مني السكوت عن الموضوع، وتقول في هذا الصدد: "ضربني زوجي أكثر من مرة باستخدام عصا بناء على طلب أمه وشكواه الدائمة أني أتزيّن في المنزل". حاولت ريهام أن لا تقع ضحية للطلاق في ظل مجتمع لا يرحم المطلقات وأيضا ليقينها أنها لن تنعم بالراحة لدى والدها، إلا أن قرار الطلاق نفذ منذ ثلاثة شهور بعد ان تنازلت على حقوقها وحقوق ابنها الوحيد ذات السنتين. "ريهام" واحدة من عشرات الحالات التي تحاول من خلال "مركز حياة لتمكين النساء والعائلات" التفريغ عن نفسها، لكنها ترفض ان يتدخل المركز لحل مشكلتها مع عائلتها نظرا للضرر الذي يمكن ان يعود عليها اذا ما تدخلت اطراف خارجية لحل المشكلة. بينما لم تتردد الشابة "مريم" للحظة ان تطلب الدعم وحاولت من خلال مركز حياة ان تصل الى حلول مع زوجها تمكنها من الاستمرار في حياتها الاسرية دون فائدة. ورغم تعرض "مريم" للضرب المبرح خلال ثلاث سنوات مدة الحياة الزوجية التي مرت بها الا انها لم تجد ما يمنع طليقها من رؤية طفلته ذات السبعة شهور في مركز حياة الذي اخذ على عاتقه ترتيب عدة برامج لعدة نساء تعرضن لوحشية الزوج او الأخ او حتى الأب. وتعرضت "مريم" للضرب عدة مرات ورغم محاولات مركز حياة إجبار زوجها على التعهد بعدم التعرض لها، إلا انه كان دائما يتهرب من التوقيع على أي تعهد يضمن سلامتها، مبينة انها منذ ان تزوجت لم يمض يوم إلا وعنفها لسبب أو بدون سبب. وتقول "مريم" ان احد اهم الأسباب التي ساعدت على تدمير أسرتها ادمان زوجها على عقار الاترمادول حتى انه بات يلزمها ان تأتي له بالمصروف الشخصي. تتابع "مريم" وغيرها الكثير في مركز "حياة لتمكين النساء والعائلات" في غزة الذي اخذ على عاتقه ان يكون متخصصا في قضايا العنف ضد المرأة وحمايتهن وتمكينهم من خلال كفاءات وذوي خبرة في الإرشاد النفسي والاجتماعي لمحاولة إصلاح ذات البين بين إفراد الأسرة قبل أن يقع الطلاق. مراسلة "معا" تجولت في أروقة المركز لتكتشف جانبا مظلما من حياة المرأة الفلسطينية التي تعيش ضحية للعنف بمختلف أنواعه وخاصة من أقارب المرأة من الدرجة الأولى وهم الأب والاخ والزوج. ويشتمل المركز على أربعة أقسام، هي: الدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة القانونية والملتقى الأسري بالإضافة الى قسم المبيت الذي لم يحصل على ترخيص حتى الآن منذ افتتاح المركز في العام 2011. تهاني قاسم منسقة المركز أوضحت ان العنف يزداد كلما زادت مشكلات المرأة، فعلى سبيل المثال اذا كانت المرأة مطلقة فان العنف سيكون مزدوجا من الاهل ومن المجتمع الذي لا يتقبل فكرة ان تكون الام او الاخت او البنت مطلقة رغم ما تعانيه من ظروف. وبينت قاسم ان المركز يعمل على حل هذه المشكلات من خلال التعامل مع محيط الاسرة مبينة ان 99% من الحالات تقبل فكرة تدخل المركز، في اشارة الى تقبل المجتمع لدور المؤسسات في تقديم خدمة الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين بحيث تؤدي الى الاصلاح او الطلاق. نجح المركز في عدة حالات من النساء اللواتي طلبن المساعدة القانونية في قضايا الأسرة والقضايا المرتبطة بالعنف الموجه للنساء حيث استطاع الوصول الى حل ودي مع طرفي النزاع بدون الحاجة إلى العودة للمحاكم القانونية التي عادة ما تؤخذ وقتا كبيرا في انفاذ القانون لصالح المرأة. وبينت قاسم أن 20% من عدد الحالات نجحن في تخطي المشكلات عن طريق المركز. وفي موضوع آخر يعمل عليه المركز بينت قاسم ان المركز نجح في الحصول على وثائق من ما يقارب 10 حالات من اصل 67 حالة يتعهدن بحفظ حقوق المرأة وهو ما يطلق عليه في الاسلام "الحصول على ذمة مالية مستقلة للمرأة" وهي من باب ان تشعر المرأة بالاطمئنان فقط بحيث لا تتعرض للضرب او الاهانة او ان يكون لها ذمة مالية تستعيدها في حالة أراد الإساءة اليها. أما بخصوص المبيت الذي لم يحصل على ترخيص للعمل حتى اللحظة ،بينت قاسم ان القسم مؤهل لحماية النساء المهددة حياتهن بالخطر نتيجة فعل معين، مبينة ان عدم تفعيل القسم ادى الى وجود عدد من النساء في السجن مع أطفالهن حيث كشفت ان ما يقارب ثمانية أطفال يقيمون في السجن إلى جانب أمهاتهن. وبينت قاسم انه اذا تم تفعيل المبيت فسيعمل وفق أهداف المركز مع تلك الحالات التي وقعت ضحية لعنف المجتمع وليس لها أي مركز للإيواء كالعنف العائلي ومشاكل الميراث. وعن اكثر الحالات التي تتردد على المركز، بينت قاسم ان الكثير من حالات العنف والخلافات العائلية الناتجة عن سوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي والحصار الخانق وعدم الامان وعدم الاستقرار أدى الى زيادة معدلات العنف ضد النساء على اختلاف أنواعه، مشيرة الى تزايد حالات سفاح القربى بالإضافة إلى تزايد حالات الاغتصاب. ليندا ابو مرسة اخصائية اجتماعية اوضحت ان عدد الحالات المترددة على المركز في العام 2014 بلغت 56 حالة من النساء المعنفات، مبينة ان المركز يستقبل من خمس الى سبع حالات استشارة يوميا بمعدل 23 الى 25 حالة شهريا. اما بالنسبة لحالات المشاهدة اليومية بينت أبو مرسة ان المركز يستقبل يوميا حالة او اثنتين، أي ما يعادل خمس حالات اسبوعيا أي ان حالات المشاهدة بحسب ابو مرسة تزداد ما يعني ان معدلات ونسب الطلاق وحالات الانفصال بارتفاع. وأشارت الى أن "الملتقى الأسري" يقوم باستقبال الأطفال المحضونين من أحد الوالدين مع فردين من الأسرة بناء على قرار المحكمة الشرعية بالمشاهدة، وذلك تفاديا لتنفيذ هذه المشاهدة في مركز الشرطة. وحدهن المعنفات يعرفن قيمة ان يكن في مكان أكثر أمنا يوفر لهن حياة كريمة فمنهن الكثير كن ضحايا العنف الاجتماعي والأسرى لعائلات لا ترحم المرأة ويقبعن خلف زنازين السجن. هداية شمعون كاتبة وناشطة في مجال حقوق المرأة بينت ان واقع المرأة في قطاع غزة هو جزء من واقع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الحصار والحروب الإسرائيلية واستمرار الانقسام، مشددة ان كل هذه التأثيرات لها تأثير سلبي على النساء. وشددت شمعون انه من الصعب الحديث عن ازدياد او انحصار العنف ضد المرأة، مبينة ان هناك جملة من الأسباب والمتغيرات لم تنته بحيث يتم القضاء على العنف ضد المرأة. وشددت شمعون أن واقع الاحتلال لا يعطي بيئة صحية حتى ينحصر العنف ضد المرأة، مبينة ان هناك أشكالا جديدة للعنف ضد المرأة تظهر في ظل عدم وجود قوانين رادعة، وان استمرار تزويج القاصرات في المحاكم يمثل احد أشكال العنف الذي يمارس على المرأة. وأشارت شمعون إلى العوامل الاقتصادية واستمرار الحصار وحالة الفقر كعوامل تغذي العنف على الصعيد المحلي وتؤدي إلى مزيد من العنف بشكل أو بآخر داعية الى تحديث البيانات الخاصة فيما يتعلق بالعنف. وتغيب الاحصاءات الحقيقية لمدى العنف الذي تتعرض له المرأة في ظل غياب إستراتيجية واضحة في التعامل مع الضحايا الذي غالبا ما يصبح العنف الموجه لهن مضاعفا اذا تقدمن بالشكوى ضد الاب او الاخ او الزوج. تقرير هدية الغول |