نشر بتاريخ: 14/03/2015 ( آخر تحديث: 14/03/2015 الساعة: 19:22 )
القدس- معا- تتواصل الاستعدادات في فلسطين للاحتفال باعلان قداسة الراهبتين الفلسطينيتين الأم ماري ألفونسين، مؤسسة راهبات الوردية المقدسة، والأخت مريم ليسوع المصلوب، مؤسسة دير الكرمل في بيت لحم، خلال القداس الحبري الذي سيترأسه قداسة البابا فرنسيس في روما، يوم 17 أيار المقبل.
وفي لقاء مع الأب بشار فواضله، المرشد الروحي للشبيبة الطالبة المسيحية في فلسطين، لفت الى أهمية هذا الحدث على كافة الأصعدة الروحية والدينية والكنسية والوطنية، مؤكداً ان فلسطين كانت وما تزال وستبقى مشتل قداسة لا ينضب، داعياً أبناء الشبيبة الى الاقتداء بسيرة القديستين في التواضع والمحبة والتضحية والايمان.
ما أهمية القداسة من بعد كنسي؟
يقول الأب بشار فواضله:"قبل أن نتحدث عن اهمية القداسة لنرى ما هو تعريف القداسة بحسب تعليم الكنيسة الرسمي: الرقم 2813 قال: "في ماءِ المعمودية قد غُّسِـلنا وقُّدِسْنا وبُرَّرْنا باسم الرب يسوع" (1كور6: 11) ونحاولُ الثباتَ على البرارةِ التي نلناها في العماد. لأننا "نَزّلُ كلَّ يوم وعلينا أن نُطَّهِرَ خطايانا بقداسةٍ تُسْـتعادُ بلا آنقطاع" أما الرقم 1709 فيقول: "بُنُّـوَتَنا للـه تجعلنا قادرين على الاستقامة في الفعل وعلى ممارسةِ الخير". ويؤكد الرقم 2015: "تمُّـرُ طريقُ القداسة عبرَ الصليب. وليس مِن قداسةٍ تخلو من التجَّردِ ومن الجهادِ الروحي"، وهذا ما سنختبره أيضًا في أهمية القداسة من البعد الوطني. أما الكتابُ المقَّدَس فدعا الناسَ إلى حياةِ القداسة قائلا: "كونوا قدّيسين لأني أنا قدّوس (أح11: 44-45 1بط16:1)، ويفَّسِرُها بـ: كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السماوي هو كامل" (متى 5: 48). ويُضيفُ فيُعَّدِدُ كيف يتصَّرفُ القديس وما هي أعمالُ القداسة ودلائلها. ومن كلِ هذا يمكن أن نستنتجَ بأنَّ القداسة "تجسيدُ حياةِ الله وأعمالِهِ في السلوك الإنساني اليومي". ما دامَ الأنسانُ صورةً للـه فعليه أن يعكسَ تلكَ الصورة في أعمالِهِ ويحيا مثله."
ويضيف الأب فواضله:"أمّا أهمية القداسة فنلخصها في ثلاثة نقاط: القداسة مهمة لأنَّ الرب يسوع المسيح تألم ومات وقام من أجلنا لكي يعطينا مكانة مقدّسة. وثانيًا لأنَّها تبرهن على أننا نقابل الله بالمحبة التي بدئها هو نفسه معنا. وثالثًا وأخيرًا فإنَ القداسة مهمة لكي نشارك الله في حياته."
ما أهمية اعلان "قديستان فلسطينيتان" من البعد الوطني الفلسطيني؟
وحول أهمية اعلان قداسة راهبتين فلسطينيتين من البعد الوطني، يشير الأب بشار فواضله:"يقول المخطط الرعوي في الفصل الرابع عشر وموضوعه (حضور المسيحي في الحياة العامة): ليست الرؤية الإيمانية مجردة، بل هي رؤية تتوجه إلى جماعة مسيحية واقعية تعيش في مجتمع وفي ظروف تاريخية معينة. بينما نسعى إلى تطوير صيغة حضور في مجتمعاتنا، لا نستطيع إلا أن نأخذ هذه الظروف بعين الاعتبار، كي يكون التزامنا استجابة لوضع واقعي. وقد طوّر بطاركة الشرق الكاثوليك صيغة حضور تنطلق من هذا الواقع (حضورُ الملح والنور والخميرة) كما لا ننسى أننا نعيش في مجتمع غير مستقر يعيش منعطفًا تاريخيًا صعبًا، ولا ننسى أيضًا أننا كنائس تعيش في انقسامات لا نستطيع التغاضي عنها، وأننا في علاقة بديانات أخرى. هذا يدعونا إلى التفكير الدائم من منطلق إيماننا من جهة، ومن منطلق ظروفنا من جهة أخرى، بحثا عن صيغة حضور تنسجم مع إيماننا وواقعنا، في مختلف مجالات الحياة العامة (المخطط الرعوي ص 168- 169)."
ويتابع:"فأهمية القداسة وحدث إعلان قديستان فلسطينيتان من البعد الوطني الفلسطيني هي أن وجودنا في هذه الأرض، مع الألم الذي نعانيه يوميًا من جرّاء الاحتلال هو جزء من طريقنا نحو القداسة، ونحو تحريرنا من واقع الإنسان القديم إلى حياته الجديدة، ومن منطلق العبودية إلى منطق العبادة والحرية البحتة؛ أي أن يكون لنا حياة ومجتمع ووطن لا يفصلنا عنه أحد، لأنّنا مدعوون إلى الهدف السامي لهذا الوطن وهو الحرية والاستقلال. فتأتي هذه المناسبة لكي تؤكد لنا جميعًا بأنَّ طريق الاستقلال لا بد من أن يمرَّ بالألم والحزن والموت كحبة الحنطة التي تقع في الأرض وإن ماتت أثمرت ثمرًا كثيرًا، فلا بدَّ لنا أن نكون كحبة الحنطة لنكون منارةً ونورًا وشعلة قداسة في درب دولتنا ومجتمعنا الفلسطيني."
ما أهمية هذا الحدث في ظل ما يتعرض له المسيحيون في الشرق؟
ويقول الأب فواضله:"يؤكد بطاركة الشرق الكاثوليك على ان الوضع المسيحي في الشرق الأوسط بات صعباً وخطيراً ولكن التحدي الأساسي هو الصمود في هذه الأرض المشرقية لنواصل تاريخاً مسيحياً عمره يزيد عن 2000 عام. وفي رسالتهم عن الحضور المسيحي في الشرق يؤكدون بأن الحضور يعني أن نكون في وسط المجتمع الذي نعيش فيه علامة لحضور الله في عالمنا، وهذا يدعونا إلى أن نكون "مع" و"في" و"من أجل" لا "ضد" أو "خارج" أو "على هامش" المجتمع الذي نعيش فيه". ونحن كمسيحيين نحمل رسالة الحضور والدعوة الوجود الفاعل من خلال حياة المسيح."
ويضيف:"يأتي حدث تقديس الراهبتين الفلسطينيتين في سياق نسيان الوطن والمواطن وفي غمرة انجرافنا وراء التيارات والمنظمات الإرهابية التي سيطرت على عقولنا وأدخلت الرعب في نفوسنا، حتى أننا نسينا هدف حياتنا المسيحية ألا وهي القداسة؛ فما علينا إلا أن نلتفت إلى ما قاله شاعرنا سميح القاسم: (علينا أن نعود إلى بطون ذاكرتنا الجماعية، لا لكي نظلّ سجناء هذه الذاكرة، بل كي ننطلق منها إلى المستقبل). وهذا هو هدف إعلان قداسة بنتان من بنات فلسطين في هذه الفترة لكي يشجعنا بأن نعود إلى ذاكرتنا لكي ننطلق منها إلى المستقبل. إنَّ خبرات وذاكرة الماضي تؤكد لنا أن نواصل السعي نحو القداسة كما فعلت الطوباوية ماري ألفونسين عندما قالت لها العذراء: (في هذه البلاد – الفلسطينية – فرحتُ وحزنتُ وتمجدتُ).
هذه رسالة قوية من خلالها نتأكد بأنَّ العودة إلى الذاكرة هي نهوض نحو المستقبل، وهذا ما يشكل دافع قوي لمسيحيي الشرق. إنَّ النهوض يبدأ بمعرفة رسالتنا الحقيقية؛ هي أنّ وجودنا في هذه الأرض وحضورنا فيها لم يكن وليد الصدفة والهجرة من بلد إلى آخر، إنّما هو وجود وحضور أصيل ومتجذّر كجذور الزيتون في بستان الزيتون، الذي لا زال يبكي مع السيد المسيح، ولا يزال صامدًا في وجه الظُّلم والقسوة، فهو يفرح بحضور أبناءه، ويحزن بهجرتهم وتركهم لأرضهم المباركة، ولكنه يمجّد بقربه من الصليب والقيامة؛ ومن الصليب والقيامة نأخذ العبرة بأن الكلمة الأخيرة ليست للحزن والصلب والموت، إنّما للفرح والقيامة والحياة، لأننا كنيسة الرجاء، والرجاء لا يخيب صاحبه."
ويتابع:"إن القداسة حوار بين الله والإنسان، فيها الله هو الذي يبادر والإنسان ما عليه إلا بأن يستجيب على هذا النداء. فما أحرانابأن تكون الأرض المقدسة بشكل عام وفلسطين بشكل خاص مكان اللقاء هذا، فهي الأرض الخصبة التي تقع فيها حبة الحنطة وتثمر ثلاثين وستين ومائة ضعف. إن اردنا أن نبدأ بالقداسة في الأرض المقدسة، فما علينا إلا أن نضع مريم العذراء في المقام الأول، مرورًا بالرسل والشهداء والرهبان والاساقفة والكهنة والعلمانيين وكافة شرائح المجتمع في بداية حياة الكنيسة. وإن أردنا معرفة أسماء القديسين من هذه الأرض الطيبة فما علينا إلا ان نفتح كتاب اعياد القديسين في كنيسة القدس كي تمر أمام أعيننا أجيال القداسة الأولى، ومن هذه الاسماء مثلاً: القديس يوستينوس النابلسي، وجاورجيوس وشهداء غزة والقديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين، وصولاً إلى مار سابا وخريطون وبروفوريوس وإيلاريون من غزة، والآلاف من رهبان برية أريحا، كيرلس الأورشليمي أسقف مدينة القدس، وصفرونيوس واللائحة تطول عن الأشخاص الذين لم يسجل التاريخ أسماؤهم."
ويضيف:"في العصور الحديثة نصل إلى جميع الكهنة والرهبان الذين عاصروا اعادة بطريرك اللاتين إلى القدس وضحّوا بأنفسهم في سبيل نشر الإيمان وتأسيس رعايا، وما علينا في هذه الحالة إلا العودة إلى كتاب (الكهنة المؤسسون) للمطران مارون لحام. وفي هذا الكتاب نذكر الأب يوسف طنوس والأب أنطون عبد ربه. وصولاً إلى الراهبتين اللتين ستعلنهما الكنيسة قديستان على مذابح الرب في السابع عشر من أيار المقبل. وظهر بعدهم المكرم سمعان السروجي السالسي ابن مدينة الناصرة البار الذي لا تزال قضية تطويبه قيد الدراسة. ففلسطين كانت وما تزال وستبقى مشتل قداسة لا ينضب.