|
كفى بالتجربة واعظًا
نشر بتاريخ: 21/03/2015 ( آخر تحديث: 21/03/2015 الساعة: 14:54 )
الكاتب: جواد بولس
لقد عكست نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بشكل حقيقي وبارز، إرادة المواطنين الإسرائيليين: اليهود والعرب كذلك. وتثبت هذه النتائج، أن بنيامين نتنياهو هو أكثر قادة إسرائيل الحاليين فهمًا لمشاعر "شعبه" وبنيته السياسية، ودراية بكيف يضمن بقاء هذه الجموع داعمة له ولحزبه. إنّه الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، التي حاول كثيرون أن يوهمونا أنّها ستفضي إلى الإطاحة بحكم الليكود وحلفائه من الأحزاب اليمينية المتشددة، لتدشّن حقبة جديدة يقودها حزب المعسكر الصهيوني برأسيه- بوجي هيرتسوغ وتسيبي ليفني. لفترة قصيرة من الوقت تولّدت في المشهدية السياسية الإسرائيلية ظروف بررت للكثيرين ما اعتراهم من مشاعر فرح مبكّر، وسوّغت لهم دواعي لإيمانهم بأن تغيير الحكم في إسرائيل بات أقرب من بزوغ صبح، فكثيرون ممن صمتوا في الجولات الانتخابية السابقة بدأوا يجاهرون بمواقفهم المعادية لسياسات بنيامين نتنياهو، بعض هؤلاء يُحسبون، في المجتمع الإسرائيلي، على النخب العسكرية والاقتصادية والأكاديمية، برز من بينهم نحو المائتين من كبار الجنرالات وضباط الجيش وأذرع الأمن المختلفة، الذين بادروا ونشروا نداءً واضحًا حثوا فيه الشعب في إسرائيل أن لا يدعم نتنياهو وحلفاءه لأنهم يشكلون خطرًا على الدولة ومستقبلها. كان فوز نتنياهو الساحق بعكس جميع التوقعات وضد كل الاحتمالات، كما صرح هو و"تشاوف"، ففي العالم تمنّت حكومات عديدة خسارته، ونشطت في إسرائيل جمعيات وشخصيات اعتبارية، في محاولات لإقناع المصوتين اليهود بأن استمراره في قيادة دفة الدولة يعرضها للخطر؛ لكن كل تلك المحاولات لم تشفع، لأن أكثرية الشعب في إسرائيل أصبحت عمياء، ومعظمه غدا مخدّرًا ويلهث وراء "سوبرمانه". فالجموع الهائجة التي صوتت له لم تكترث إن كان بطلها مشبوهًا عند الشرطة، أو مغامرًا طائشًا وخطيرًا، أو لم يحقق لصالحهم هدفًا واحدًا، فهو يبقى عندهم المنقذ والأمل. هذا، برأيي، أخطر ما عنته نتائج هذه الانتخابات، التي فيها أقفلت علينا، نحن العرب، دائرة الخطر وباتت مركباتنا أقرب إلى نهاية المنزلق الذي كان قبل سنوات خطيرًا، فصار اليوم بيدر ما ينتظرنا من قدر أو عدم. أما في الواقع فنتائج هذه الانتخابات سوف تؤدي إلى زرع مزيد من الحواجز التي ستبعد أي فرص حقيقية لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولسوف تتدهور أحوال الفلسطينيين بشكل مأساوي قابل للانفجار، لن يمنع تداعياته رشد القيادة الفلسطينية وصبرها، ولا أمل شعب ينام على قهر ويصحو على نشيد للسفر! أما التحدي الأكبر فيبقى، برأيي، ما سيواجهه المواطنون العرب في إسرائيل، لا سيّما بعد أن باتت مخططات الأحزاب اليمينية التي ستحكم في السنوات القادمة، تجاه الأقلية العربية، سافرة وتنذر، إن لن يُتصدى لها بحكمة ونجاعة، بنتائج وخيمة. الجماهير العربية تصرّفت بمسؤولية رفيعة، فاندفعت إلى الصناديق لترفع نسبة التصويت بشكل مبهر، وأعطت أصواتها للقائمة المشتركة بدون منازع. لقد أثبتت هذه الجموع، بحسّها الوطني وبعشقها للحياة، أنها ترفض مقاطعة الانتخابات، سواء نادت إليها حركات إسلامية أو قومية، وأعلنت، بمشاركتها الجمعية، أنها تصر على أن تكون جزءًا فعّالًا في العملية السياسية وترفض إقصاءها أو الاحتواء. لقد شكلت نتيجة الانتخابات تحدّيًا واقعيًا كبيرًا وخطرًا حقيقيًا، وعلى قادة المشتركة أن يعملوا بشكل فوري على وضع برنامج عمل وطني للتصدي لما قد نواجهه قريبًا، فاليوم ليس هناك مثل هذا البرنامج، إلّا بعناوين عامة لا تشكّل برامج نضال ميدانية تشمل جميع الفرقاء، أو كما صرّح النائب محمد بركة على أن "نتائج الانتخابات تستوجب مشروعًا نضاليًا شعبيًا وميدانيًا لمواجهة حكومة اليمين". الفاشية هي الخطر، من سيتصدى لها وكيف؟ كفى بالتجربة واعظًا |