|
عماد بني عودة: الرصاص يطيح بأحلام الشرطي الأسمر!
نشر بتاريخ: 22/03/2015 ( آخر تحديث: 22/03/2015 الساعة: 17:41 )
طوباس -معا- تتبعت الحلقة الخامسة والعشرون من سلسلة "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية حكاية شهيد طمون عماد مصطفى بني عودة، الذي أوقف رصاص الاحتلال حياته قبل حصوله على شهادة الثانوية العامة في شتاء عام 1993.
ترسم والدته حلوة أحمد بني عودة صورة شهيدها، فتقول: كان عماد طويلاً ورفيعاً، وأسمر البشرة بخلاف أخوته، وصاحب همة عالية، ومرحًا، وحلم ابني أن يصبح شرطيًا، وكنت أعارضه؛ لأن من دخل في هذه المهنة، خلال تلك الأيام، لم يحبه الناس لتصرفاته ولعمله مع الاحتلال، ولفرضه الضرائب عليهم، لكنه كان يضحك وخبرها إنه سيساعد الناس... تعود الأم بذاكرتها إلى صباح الثامن من شباط، قبل 22 عامًا، لتروي: عاد عماد من المدرسة قبل الساعة العاشرة من طوباس، فقلت له: إنكم لا تريدون التعليم، وتهربون من "التوجيهي"، فأجاب: اليوم حداد سقط شهيد، ولن نذهب إلى الصفوف ثلاثة أيام. ووفق الأم، فقد وضع عماد حقيبته، ولم يقبل أن يتناول طعام الفطور مع حافري البئر في ساحة بيت شقيقته سكينة، وخرج إلى شوارع البلدة، بعد نهار متعب ساعد خلاله العمال، وعرق كثيرًا واستطاع جمع الكثير من الصخور في قاع البئر، وأخبر أمه بأن ما حفره، يحتاج يومين لإخراجه. يبحثون عن الشهيد توالي: ذهبت وبنتي سكينة لتجهيز الغداء للعمال، وأحضرنا الدجاج، ثم بدأنا بإعداد الخبز على الصاج، وقبل أن أنهي القطعة الأخيرة سمعنا أصوات إطلاق نار، فتركتني ابنتي، ولم أعرف أين ذهبت، ثم جاءت أختي تمام لتسألني عن عماد، فأخبرتها أني لا أعرف مكانه، فخرجنا نركض إلى البلدة، وذهبنا إلى منزل صاحبة ببيت مصطفى الحسن، لكنهم قالوا لنا إن عماد كان في الحارة، ولم يدخل عندنا، وأخبرونا أنهم سمعوا خبراً عن إصابته. عادت الأم للبحث عن، صاحب الترتيب الرابع في عائلته، فلم تجده، والتقت وجها لوجه بدوريات الاحتلال. أما والده، فذهب هو الآخر للبحث في جهة أخرى، ووقعت العائلة بين أخبار متضاربة عن استشهاد ابنها أو إصابته واعتقاله. تكمل: عدت إلى المنزل، ووجدت جارتنا قد أكملن تجهيز طعام العمال، وسألني عن مصير ابني، وأخبرنني أنهن سمعن عن استشهاد علاء ماجد بني عودة في البلدة، فوضعت يدي على قلبي، ونزلت كل أحزان الدنيا على رأسي. يروي الأب بصوت منهك: بعد سماعي إطلاق النار، وإشاعات استشهاد عماد، ذهبت للبحث عنه، ووصلت إلى المكان الذي سقط فيه الشاب علاء بني عوده قرب المسجد، وأكملت البحث حتى وجدت عماد في مكان محاط بالجنود، ولم استطع الوصول إليه، وكان جنود الاحتلال يحاولون إسعافه، وأجبروني على العودة. وبعد وقت قصير، سمعنا عن شهيدين في البلدة، وعرفت أن عماد أحدهما، واختطف الجنود جثمانيهما، وحين وصلنا إلى جنين، جاء أحد الضباط، وطلب مني التوقيع على تشريح ابني، فرفضت، ليخبرني أنه جرى تشريحه. لحظات قاسية مما لا يسقط من ذاكرة بني عودة، حواره مع ضابط يدعى ديفيد، اشترط أن تعود السيارات التي جاءت إلى جنين لاستلام جثمان عماد إلى طمون، وإلا فلن يجري تسليمه، فوافق الأب، وعادت سيارة إسعاف تحرسها دوريات عسكرية حتى وصلت مفرق البلدة. وعندها نزل أحد الضباط من الدورية، ورمى لنا أوراق عماد وعلاء. وأخبرني أنه بإمكاننا أن نفعل ما نشاء الآن، وبصق في وجه مستلم الأوراق، واسمه حسين أحمد رشيد (توفي قبل سنوات). يتابع الأب: وصلنا البلدة الساعة الثانية عشرة ليلاً، ووجدناها قد زادت عشرة أضعاف من المشيعين الذين قدموا من التجمعات المجاورة، وأدخلنا عماد إلى البيت، ورفضت الانتظار حتى الصبح لدفنه، وظلت طمون مستيقظة طوال الليل. يتناوب الوالدان في مهمة العودة إلى أرشيف عماد، ويحتفظان بكتبه، ودفاتره، وأوراقه الثبوتية، وبطاقة التقدم لامتحان الثانوية العامة، وملابسه، وصوره. وينثران حديثًا إضافي عن عمادهما، فيقولان: فقد ابننا شهادة الميلاد، فتقدم لإصدار بديل لها، لكنها وصلتنا بعد استشهاده. مثلما سقط قبل أن يحصل على شهادة الثانوية العامة، فلم يكمل غير الفصل الأول منها. يقول شقيقه نهاد: كنا نذهب دائمًا إلى جبال طمون، نبحث عن الغزلان وبيض الشنار (الحجل)، ونستمتع بالطبيعة، وأكثر صورة لا تغيب عني، حين مكان استشهاد عماد دون دماء، وعثرنا على مواد طبيعة فاسدة حاول الجنود إسعافه بها (وهو ما وثقته منظمة بتسيلم الإسرائيلية كما يفيد)، ووجدنا آثار أحذية الجنود على وجهه، ورأينا مكان الرصاص في صدره ورجله وعنقه. أعادت العائلة إطلاق عماد على ثلاثة من مواليدها، لكن الأكثر شبهاً من بينهم ابن شقيقته سكينة. تنهي الأم محزونة: حلمت بعماد مرة واحدة، وفيها أخبرني بأنه أصيب في قدمه وظهره. وعندما أمر من منطقة استشهاده أقرأ الفاتحة على روحه، وأترحم عليه، استذكر ضحكته التي غابت، ولو أن الله كتب له طول العمر لكان اليوم ابن41 سنة. روايات بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف، أن سلسلة "كواكب لا تغيب"، التي دشنت اليوم عامها الثالث، وجمعت في سنتين حكايات شهداء من طوباس وطمون وعقابا ومخيم الفارعة وتياسير. وستكمل السلسلة كتابة القصص الإنسانية للشهداء، وبعد أن تنهي جمع روايات كواكب انتفاضة الحجارة، التي اندلعت عام 1987، ستنتقل الفترة الممتدة بين نكسة عام 1967 وما بعدها، بموازاة التحضير لإطلاق معرض دائم ومفتوح لمقتنيات الشهداء الخاصة، بالشراكة مع جامعة القدس المفتوحة، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة. |