|
اليمن وحتى تعود بلاد العرب سعيدة
نشر بتاريخ: 06/04/2015 ( آخر تحديث: 06/04/2015 الساعة: 15:44 )
الكاتب: تحسين يقين
تذكرني بلادنا العربية بطفولتي؛ لأننا تعلمنا ببراءة الطفولة العالم العربي أو الوطن العربي مقرونا بالكبير، ولم نكد تعلم ذلك حتى بدأنا نسمع ونقرأ ونشاهد ما يتناقض مع المفهوم الوحدوي، وصولا الآن إلى كابوس تفتيت الأقطار نفسها.
كم كنت أحب بلاد العرب بأوطاني، وكم ارتحلت شعوريا وخيالا في بلادنا، صاعدا جبال المغرب هابطا إلى وادي النيل، سابحا على ضفاف شرق المتوسط، قاطعا الصحراء، كم كنت أفعل ذلك بدون جواز سفر وبدون تأشيرة دخول، انسجاما مع أحلام طفل. لكن حين بدأت التجوال والسفر تعمّق لدي ما تعلمته وعرفته عن الفرقة، فلم تكن الحدود حدودا وهمية من صنع الاستعمار، بل صارت حدودا فاصلة بيننا حيث حافظنا عليها.. كل مواطن عربي يحب بلاد العرب؛ فلماذا وصلنا إلى هذا الحال! من هذه الأقطار التي تخيلناها صغارا اليمن، فقلنا أن من يريد السعادة فعليه بها، كيف لا وهي بلاد العرب السعيدة! فسّر المعلم وقتها الوصف عن اليمن، بأنها بلد زراعي، وكان فيها سدّ مياه كبير، مكّن اليمنيين من الزراعة، وفهمنا وقتها أنه بالمقارنة مع جزيرة العرب الصحراوية فإن اليمن الخضراء تكون أكثر سعادة. وعلمنا فيما بعد أنه من أطلق هذا الوصف كان الرومان لا العرب! والسبب أن اليمن كان دولة متطورة بمقاييس ذلك العصر تنعم بالاستقرار، حتى كأنّ الرخاء والازدهار توقف فيها! وحينما درسنا استقلال البلاد العربي، تعجبنا كيف أن الدولة العثمانية القوية لم تستطع حكم اليمن بسهولة، فذهب خيالنا كل مطرح، فإذا بنا كأننا نشاهد فيلما، فيه فرسان على خيول، ومشاة، يتسلقون الجبال، كالطيور لا يمسكهم أي جيش. لكننا حين تعلمنا أن اليمن صار يمنين حزنا حزنا طفوليا، وتساءلنا بمرارة لماذا؟ وكم كانت فرحتنا عندما عادت يمنا واحدا، مبشرة بوحدة العرب، بما ينسجم مع رومانسية عمرنا على أبواب الشباب. وكم عدنا لنحزن ونغضب على الحرب الداخلية بين اليمنيين التي تكررت أكثر من مرة. وكم تألمنا حين صرنا نتعرّف على التنمية في اليمن، وتخلف الحياة، ووجود نسبة أمية كبيرة. وفي كل خلاف يمني كنا نضع أيادينا على قلوبنا خوفا من استعمال الأسلحة في بلد عدد البنادق فيها أكثر من عدد السكان، وحمدنا الله كثيرا أن التظاهرات الشعبية لم يتم استخدام الأسلحة فيها سوى بشكل محدود. فرحنا لصيغة التفاهم حقنا للدماء وتوفيرا على الشعب اليمني، فاستبشرنا بالحالة التصالحية، وكم أملنا أن ذلك سينتهي للبدء من جديد، من خلال الانتخابات الديمقراطية. لم تمض سوى أشهر، إلا بالبلاد تنقلب على حالها، فيسيطر جزء من الشعب على الشعب بالقوة، وعلى الحكومة، وهو في البداية والنهاية خلاف بين القوى اليمنية، لا بين اليمنيين الذين كانت خياراتهم معروفة. فهل ما يصنع الآن هو خيارهم؟ اليمنيون الذين جعلوا بلادهم يوما بلادا العرب السعيدة، مؤسسو الحضارة، بناة عجيبة سدّ مأرب، هل هم اليمنيون اليوم؟ لقد صارت اليمن بلادا حزينة بشكل مجانيّ. لماذا؟ وإلى أين يمضي اليمنيون؟ وأي مستقبل ينتظرهم؟ الدولة اليمنية الصغيرة التي وقفت أم الدولة العثمانية تنهار بأي أبنائها! حكم العثمانيون اليمن بصعوبة، إلى تمكن أحد القادة من إجلاء العثمانيين من اليمن الشمالي ومد سلطانه إلى جميع بقاع اليمن من مكة شمالا إلى عُمان جنوبا، حيث كانت اليمن أول دولة عربية تعلن استقلالها في ذلك الوقت.. تعددت الحملات العثمانية حتى انتهت بنهاية الدولة العثمانية نفسها. بلاد العرب السعيدة لم تعد كذلك من سنوات وليس من اليوم! أما العرب، فهل بما يصنعونه سيعيدون الاستقرار لليمن؟ ومن يضمن ألا تتعقد الأمور داخليا بين اليمنيين أنفسهم؟ أما منطق تدخل جيش عدد من دولنا العربية التي تعاني دول منها من الصراعات والمشاكل الداخلية، ألا يشرعن تدخل هذا الجيش فيها أيضا؟ هل نحلّ مشكلة أم نخلق مشاكل لا تقتصر على اليمن بل تمتد للجوار، ومن يضمن عدم وجود لاعبين دوليين يستغلون هذا الغبار لإشاعة الفتنة؟ بلاد العرب السعيدة صارت حزينة! فكيف نتجاوز الفتنة؟ وهل بقي متسع للحديث؟ سيبقى دوما مجال للحديث وحل للخلافات بدون عنف إن أردنا! مفتاح الحل في اليمن اليوم هو: - العودة إلى الشرعية والحوار الداخلي. - كذلك البحث عن آلية لحوار الجوار. - إبعاد التدخل الأجنبي. - حفظ الدماء والممتلكات. - المحافظة على الجيش وتحييده. ليس أمام اليمنيين إلا صون بلادهم والحفاظ عليها، والوحدة والتفاهم فبدون ذلك سيعاني الجميع. لذلك يمكن إتاحة المجال لحكومة من الشباب المهنيين والقادرين لإدارة البلاد، والحفاظ على كرامة الجميع، لأنهم يمنيون، للبدء بخطوات توطيد أركان الدولة الحديثة في اليمن بعيدا عن الطائفية والقبائل. وعليه، يتم تكليف جامعة الدول العربية مدعومة من الأمم المتحدة بقيادة خطوات الحل. وجود حلّ سلمي في اليمن سيضمن السلام والهدوء في المستقبل، كي تعود الحياة إلى مجراها بين الأشقاء في اليمن، وبينهم وبين الأشقاء في المملكة العربية السعودية. ليس من الحكمة ولا من الأخوة أن يتم نفي أي جماعة، لأن النفي هو تعصّب يخلق تعصبات نحن في غنى عنها، وإن ضعفت من خلال القوة ضدها، فإنها ستعود أكثر ضرارة وتطرفا. هل من يستمع لصوت الحكمة والأخوة والمنطق والأخلاق؟ من يفعل ذلك هو من سيغير الحال، وهو من سيعيد السعادة إلى بلادنا العربية، وإلى اليمن بلاد العرب السعيدة. ولعل تغير النظرة السياسية في الباكستان تجاه الصراع في اليمن باتجاه البحث عن مصالحة بين الأشقاء، تعني إمكانية حلول إبداعية بعيدة عن العنف. لقد آن الأوان أن تجد شعوبنا طريقها، باتجاه تيارات شعبية قوية تأخذ زمام الأمور ديمقراطيا، يكون الحراك السياسي فيها حراكا اجتماعيا وتنويريا باتجاه المستقبل لا الانشداد للماضي بكل تعقيداته. حين يتم ذلك، سنضمن النهوض، لسبب بسيط وهو أن خيار الشعوب دائما تقدميا، هو خيار طبيعي باتجاه تنمية الأفراد، وتحقيق مصالحهم، وتحقيق خدمات جيدة لهم، بحيث يتساوون في الانتفاع بثمار التنمية، لا أن تكون حكرا على فئة دون فئات أخرى. عندها سيجد اليمني هواية أخرى غير هواية اقتناء السلاح. حق تقرير الشعوب لمصيرها يعني تحرر الشعوب مما يعطل حياتها ويسطو على مقدراتها، فهل سنشهد تحقيق هذا المبدأ النبيل؟ هل يمكن ذلك؟ نعم يمكن إن اقتنع الناس، وقياداتهم بأن الشعوب تبحث عن الحياة الطبيعية لا الموت غير الطبيعي. حتى تعود بلادنا سعيدة وقوية موحدة تنتمي لهذا العالم وهذا العصر على طليعة شعوبها وقادة الفكر فيها إعلاء صوتهم باتجاه ترسيخ دولة القانون، دولة رفاهية البشر، دولة السلام الاجتماعي، دولة الإنتاج، دولة الفكر والثقافة والفنون الرفيعة، فهذه الدولة هي ضمان عدم عودة التطرف إلى بلادنا. الوقت لم ينته بعد، وما زال هناك متسّع لحل مشكلاتنا على فنجان قهوة يمنية إن صفت النوايا، وإن تحققت المساواة والعدالة، حتى ينتهي التمرد والثأر والفتنة. بجيوش من المثقفين والمفكرين والرسامين والموسيقيين يمكننا الفعل. جيوش ناعمة داخل الأقطار العربية، تقود البلاد نحو المستقبل، لنضع أرجلنا على بداية حقيقية للصعود. تحالف رائع بين الشعب، وتحالف رائع بين المثقفين، باتجاه حكم وإدارة رشيدة فيها المساءلة وسيادة القانون. واليمنيون من الأجيال الجديدة الشابة أكثر انفتاحا، وقد رأيناهم خارج اليمن، وأحببناهم، مثقفين وعروبيين يحبون العرب وفلسطين، يؤمنون بدولة سيادة القانون؛ فما هي الطائفية والقبلية التي تفرّق ولا تجمع؟ سنوفر علينا الكثير إن صفت النوايا وإن احترمنا وعينا وإدراكنا. حتى تعود بلادنا سعيدة! لنعمل حتى يتحقق حلمنا في اليمن وباقي بلادنا. فقط لنعمل بمحبة واحترام. فلسطينيا: نتذكر ما كان أبو عمار يردده في سياق احتضان اليمنيين لنا بعد الخروج من بيروت: اليمن الشمالي واليمن الجنوبي واليمن الفلسطيني، ولعلنا نستعير ما قاله المتنبي بتعديل النسبة للمتكلم بدلا من المخاطب فنقول: لا خيل عندي أهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال. نحن مع العرب جميعا، مع اليمن ومع السعودية ومع سوريا والعراق ومصر، فبلاد العرب أوطاني ما زلنا نؤمن بها وليس فقط نرددها. |