وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"الباعة المتجولون".. "عمل فردي" أم "شبكات منظمة"

نشر بتاريخ: 07/04/2015 ( آخر تحديث: 07/04/2015 الساعة: 10:21 )
"الباعة المتجولون".. "عمل فردي" أم "شبكات منظمة"
بيت لحم - تقرير معا - تنتشر ظاهرة الباعة المتجولين في شوارع العديد من المدن الفلسطينية منها قرب الحواجز وأخرى على مفارق الطرق حيث يتجمع المارة اكثر.. حتى بات التوقف بسيارتك على الاشارة الضوئية مثلا دون ان يطرق صبي زجاج السيارة ليبيعك شيئا صدفة لا تتكرر... وهنا جابت مراسلة معا الشوارع لمتابعة هذه الظاهرة ولمعرفة ان كان "البيع من باب الحاجة " ام "البيع من باب التجارة".. وان كانوا يعملون من انفسهم ام ان هناك "مسؤول عنهم".


بمجرد رؤيتك لصبي او طفل يبيع "علكة" أو "عطور السيارات" أو "وسادات طبية" وغيرها أو يقوم بتنظيف زجاج سيارتك من نفسه، يتبادر لك للوهلة الأولى أن هذا الطفل "مسكين"... دفعته الحاجة والظروف الأسرية الصعبة إلى اللجوء إلى الشارع حرٌ كان الطقس ام شتاء.. وطلب "شيكل أو اثنين" من المواطنين والقيام باستعطافهم ببعض الكلمات المؤثرة.. مثل "الله يخليلك ابنك" و/او "انا بصرف على عيلتي" وغيرها من العبارات التي تؤثر بنفس اي عابر طريق.. ما يدفع الناس إلى التجاوب وشراء ما لديهم رغم عدم حاجتهم لما يباع في غالب الاحيان وتقديم المال وفي بعض الأحيان تكون أكثر بكثير مما يُطلب... هذا ما ظهر خلال متابعة مراسلة معا الموضوع وما خرج من نتائج واستخلاصات كانت نتيجة هذه المتابعة وعن كثب.

بين المد والجزر
لا شك بأن بعض الأطفال والصبية تدفعهم الحاجة فعلا إلى القيام بمثل هذا العمل، وخاصة الأطفال الذين يعيشون من دون أب أو معيل للأسرة، ولكن عندما ترى بعض الأطفال الذين يتشبثون بالمارة دون تمييز بين فتاة وشاب أو طفل ومسن.. في محاولة لإجبارهم على الشراء أو الدفع من دون مقابل، يصبح المواطن في حيرة من أمره ما إذا كان هذا الطفل بحاجة فعلا أم هي مجرد مهنة اتخذها ليمتلك المال ام ليرضي "المسؤول" عنه كونه مُطالب من قبله بالبيع مقابل الحصول على أجر ومن يعرف ان كان هناك "عقاب" او "ثواب" من هذا "المسؤول" وما هو!!... ويُغرق هذا الطفل نفسه في مستنقع اللاعودة والاعتداء على الاخرين للانتقام من المجتمع طلبا للكسب السريع وبأية طريقة.


من خلال تجولنا في الشوارع ومحاولة العثور على هؤلاء الأطفال والصبية لعشرات الايام.. تبين لنا من خلال حديثهم أن بعضهم وضعهم المادي وعائلاتهم جيد ويملكون النقود والبعض الآخر يقول أن الحاجة دفعتهم إلى القيام بمثل هذا العمل.. ولكن حاولت مراسلة معا الحديث مع احدهم وسؤاله عن مصدر ملابسه "الجميلة" والتي لا تعكس حالته وطريقة عمله.. فأجاب بأنه قد اشتراها من الخليل بمئة شيكل، ليس هذا فقط ما دفعنا للشك.. بل "وقاحة" بعضهم واستخدام بعض الألفاظ البذيئة والتحرش اللفظي واستخدام بعض العبارات التي لا يجرؤ حتى الكبار قولها بالعلن أمام فتاة..

ليس هذا وحسب... انما عندما ترى احد الصبية الذين لم تتجاوز اعمارهم الـ12 عاما وسيجارته في يده ويبيع العلكة او العطور... فهل يستطيع هذا الصبي تأمين المال لعائلته كما يقول وهو يشتري السجائر! وما هو ربحه اليومي مقابل علبة السجائر!!.. وان كان يعمل لنفسه وليس لعائلته من يحميه من التدخين ومضاره وتطوره لظاهرة اخرى احيانا.. وهل هذا مسموح حسب القانون الفلسطيني.. ومن مسموح له ببيع السجائر لهؤلاء الصبية.


معلومات مفبركة
كأي مواطن عادي عندما يقوم بإعطاء هذا الصبي من باب الشفقة بعض النقود "شيكل او اثنين".. تدرك تماما أن هذا المتسول الذي يطلب يوميا من قرابة 500 شخص على مفترق طريق كبير ومشهور في محافظة كبيرة ونشيطة.. فقد يحصل على النقود من 100 منهم على اقل تقدير. ثم تأتي نسبة الربح ونسبة "المسؤول"... وعندما سألنا بعض الأطفال عن نسبة الأموال التي يجمعونها طيلة اليوم تفاوت إجاباتهم بين 20 شيكل و80 شيكل، ولكن ما يدعو للشك أن معظم الأطفال مناطق سكنهم بعيدة عن المكان الذي يقومون بالبيع فيه، وإذا تحدثنا عن اجرة المواصلات التي يدفعونها ذهابا وإيابا فتكون بحدود 20- 50 شيكل، فإذا كان هذا ما يجنونه في اليوم الواحد ويقومون بدفعه أجرة لمواصلاتهم، فلماذا المشقة والمذلة؟؟

أرقام خيالية
مراسلة معا حاولت التعرف أكثر على الأطفال الموجودين في الشوارع وجعلهم نوعا ما يرتاحون بالحديث لها، وبعد إلحاح شديد منهم لدعوتها للغداء على حساب احدهم الشخصي بالمطعم والمكان الذي تختاره بنفسها، قالت له بأنها ستطلب تناول الغداء في مطعم فاخر واسعاره عالية... فأجاب انه لا مشكلة وانه يملك الأموال الكافية، فقالت له أجبني بصراحة ما هو دخلك اليومي من هذه المهنة فقال "مش أقل من 300 او 400 شيكل باليوم" نحن نتحدث عن قرابة الـ 100 دولار .. وإذا أجرينا عملية حسابية بسيطة لجمع ما يحصلون عليه في الشهر الواحد إذا خرجوا بشكل يومي فنحن نتحدث عن قرابة الـ 3000 دولار ! أي بحدود 12 ألف شيكل شهرياً.

مواصلة التحقيق
من دون الحاجة إلى تحليل عميق بل من خلال المتابعة المتواصلة... عندما ترى مجموعة من الأطفال في مناطق متعددة وفي بعض الأحيان في منطقة واحدة، يحملون نفس النوع من علبة العلكة، فهذا إن دل فإنه يدل على أمرين، إما أن يكون هناك اتفاق مسبق بينهم، واما أنهم يعملون لدى شخص واحد، ورغم عدم اعتراف الأطفال وعدم تبرير هذا الموضوع إلا انه دعانا للشك والبحث أكثر في هذا الموضوع.

في الفترة الأخيرة انتشر على الشوارع الأطفال الذين يبيعون "الوسادات"، توجهت مراسلة معا لأكثر من طفل وجدتهم يبيعون نفس النوع، وسألتهم ان كانوا يعملون مع بعضهم البعض؟ فكانت إجابتهم واحدة وسريعة "لا كل واحد بشتغل براسه"، عاودت السؤال بحجة أنها قد اشترت وسادة ولم تعجبها وتريد أن تعيدها. وقامت بشرح مواصفات الصبي الذي رأته قبل بضعة أيام واشترت منه، فوجئت بأنهم جميعا يعرفونه! وقاموا باعطائها اسمه الكامل ورقم هاتفه المحمول، واحد الأطفال قال لها انه من أقربائه، فسألته ان كان يعمل مع احد ام لا؟ فقال نعم هو يعمل مع "ع.أ " وهو مسؤول عن كل الأطفال والشبان الذين يبيعون الوسادات في المنطقة، حيث انه يحملهم بسيارته "المرسيدس الكبيرة" منذ الصباح، ويبدأ بتوزيعهم كل شخص في منطقة معينة، ومع غياب الشمس يعود ويأخذهم.

معلومات خطيرة
لم يكن من الصعب معرفة من أي مدينة هذا الشخص وخاصة ان اسم عائلته معروف جدا، وعن طريق مصادر خاصة، تمكنت معا من الحصول على معلومات عن الشخص المسؤول عن الاطفال، وكانت حقا معلومات صادمة، فهو يعمل ضمن تشكيل "عصابي" ويملك سيارة من نوع مرسيدس ويقوم بنقل الأطفال من خلالها، وتوزيعهم في مناطق مختلفة، بشرط ان يكون المكان الذي يوزع فيه الاطفال بعيد عن مكان سكنهم، لكي لا يعرفه الناس.

القانون
بدوره قال المحامي فريد الأطرش الناشط في حقوق الإنسان لـ معا انه أظهرت نتائج مسح القوى العاملة في الربع الثاني لعام 2010، أن نسبة الأطفال العاملين سواء بأجر او دون أجر 6,4% من إجمالي عدد الأطفال العاملين، بواقع 2,7% في الضفة الغربية و6,0% في قطاع غزة. وأن حوالي ثلثي الأطفال العاملين في الأراضي الفلسطينية(2,68%) يعملون لدى اسرهم دون أجر، مقابل 1,28% يعملون كمستخدمين بأجر لدى الغير، 7,3% يعملون لحسابهم أو اصحاب عمل وذلك خلال الربع الثاني لعام 2010.

واشار الى ان قانون الطفل الفلسطيني يلزم المؤسسات الحكومية والمؤسسات المختصة بتوفير الحماية لهؤلاء الاطفال من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، واعتبر ان التسول جريمة بموجب قانون العقوبات المطبق في فلسطين، وان الشرطة ووزارة الشؤون الاجتماعية تقع عليها المسؤولية في توفير حماية لهم وتوفير مؤسسات اجتماعية لمنع وجودهم في الشارع.

واشار الى ان الاطفال العاملين هم اكثر الأطفال عرضة لحالات العنف والاكتئاب كونهم يتعرضون للضغط من قبل الأهل للقيام لأعمال قاسية غير مؤهلين لها من الناحية النفسبة والبنية الجسدية، إضافة لذلك فإنهم عرضة لمرافقة أصدقاء السوء وما قد ينجم عنها من اكتساب عادات سيئة، وممارسة سلوكيات طائشة ومنحرفة وخطرة كإدمان المخدرات بسبب قضائهم معظم الوقت خارج منازلهم في ظل غياب رقابة الأهل، ووجود الأطفال في مثل هذه البيئة سوف ينقص ويضعف من قدراتهم الخاصة بالنمو والارتقاء بالمقارنة مع أقرانهم ممن عاشوا في بيئة صالحة ملائمة لمراحلهم العمرية وتلقوا تعليمهم بشكل منتظم.

واضاف إن عمل الأطفال قد يؤدي إلى تدني احترامهم لذاتهم وفقدان صلتهم بأسرهم نتيحة لمكوثهم معظم الوقت في عملهم أو حتى المبيت خارج المنزل، بالإضافة إلى ان الطفل الذي دفعته ظروف قسرية للانخراط في سوق العمل يختلف عن أقرانه ممن يخالطون المجتمع بشكل سليم، حيث إن ما يتعلمه الطفل هنا يقوم على الاستعطاف من أجل كسب عطف الآخرين وهو ما يلاحظ بشكل واضح عند رؤية الأطفال المتمركزين عند الإشارات الضوئية لبيع المحارم الورقية أو السجائر، والأساليب التي يستخدمونها في استجداء المارة وأصحاب السيارات المتوقفة عند الإشارة الضوئية وهو ما يؤثر على الطفل مستقبلاً من تعوده على إهانة ذاته في سبيل كسب عطف الآخرين، وهو ما يدفع إلى صراعات نفسية حادة قد تقود إلى ما تحمد عقباه، نتيحة عدم التوافق بين وضعه النفسي ومحيطه الاجتماعي.

الامن


بدوره، قال العقيد علاء شلبي مدير شرطة محافظة بيت لحم لـ معا ان الشرطة تتابع هذه الظاهرة ضمن الإجراءات القانونية المتاحة في القانون الفلسطيني، ولكن صغر سن الاطفال وخطورة مكوثهم فترات طويلة في السجن ومراكز الإصلاح، يدعو القضاء الى تقصير مدة الحكم، وأكد ان دور الشرطة يتركز في القبض على الأطفال وتقديمهم للقضاء، وكتابة تعهدات بعدم نزولهم الى الشارع من جديد، واشار الى انه سيتم متابعة من هم وراء هؤلاء الاطفال ومعاقبتهم.

تقرير مراسلة معا رشا ابو سمية