|
جُرِّيني إلى هلاكي
نشر بتاريخ: 07/04/2015 ( آخر تحديث: 07/04/2015 الساعة: 15:20 )
الكاتب: عطا الله شاهين
تجلسُ المرأة ُعلى كرسيٍّ هزّازٍ وتغرقُ كعادتها في ضجرها ، يقفُ الفتى مُنهكاً على مدخلِ البناية.. يضغطُ زرَّ الجَرس لكنّ أحداً لا يردُّ عليه .. يدفع الباب بكتفه فيجده مفتوحا فيلج إلى بيت درجٍ تأكله الرطوبة .. يحملُ الفتى في يديّه كيسيّن ثقيليّن من معلمه في العمل لكي يوصلهما إلى الزوجة الغارقة في ضجرها في أحد الطوابق العليا من بناية مُملة.. يصعدُ الفتى ذا الوجه المليء بالتجاعيد الدّرج بتمهُّلٍ.. ويلهثُ من شدِّة التّعب مع أنه شابٌ في مقتبل العمر ، لكن صعوبة الحياة أرهقته وجعلته يبدو كرجلٍ هرم .. البناية تغطُّ في صمتٍ قاتل.. الضّجر قابعٌ أمام المرأة بجدرانِ الغُرفة الباهتة .. يصلُ الفتى إلى بابِ الشُّقة.. يقرعُ البابَ بضرباتٍ خفيفة فتفتحُ له المرأة وتستقبله بابتسامة عادية فيناولها ما بيديّه مِنْ كيسيّن .. وهذه ليست المرّة الأولى التي يقوم بها الفتى في توصيل اغراضٍ لهذه الشُّقة..
تقوم المرأة بإجلاسه في غُرفتها الضّجرة على كنبةٍ مُهترئةٍ وتسْتأذنه لإحضارِ كأس العصير البارْد كالعادة عندما يحضر .. تراه المرأة هذه المرّة عرقُه يتصبّبُ مِنْ جبينه المُحترق مِنْ أشعةِ الشّمس.. يجلس الفتى ويتنهّد كأنه يتحسّر على شيء .. يشردُ ذهنه إلى خياله الواسع ويفكّر في شيءٍ لا يجعله ينام ويبقيه دائما في حالة تفكير جنوني.. تعود المرأة بكأس العصير فيحسُّ برغبةٍ في أن يُعانقها.. فيقتربْ مِنها ويروح يبكِي كالأطفالِ وهي لا شُعوريّاً تُعانقه وتقولُ له أعلمُ بأنّكَ فقدتَ حناناً مِنْ صدرِ أُمِّكِ كما قُلتَ لي ذات يومٍ باردٍ وهو يهمسُ لها أنتِ لا تعلمي عذابي الآن بدون الحنان.. يقولُ في ذاته كم أشتاقُ إلى تلك الأيامِ حينما كُنْتُ رضيعاً ، لكنّ المرأةَ تقِفُ مُستلمةً له وصامتة ومُندهشة وفي نفسِ اللحظة تشفقُ عليه ولا تدري ماذا تفعلُ أتزجُره الآن أمْ تصرخُ لكيْ يهربَ فهي تقفُ حائرةٌ بين يديّه. كانَ الفتى لحظتها يتمتمُ جُرِّيني إلى هلاكي .. فهناك فقطْ أراني أهذي عنْ لحظةٍ أخمدتْ جُنوني .. هذياني يتسلّلُ مِنْ شفتيّ نحو جُنون الصّمت الخارج من امرأة ضجرة .. يذهبُ الفتى مِنْ عندها مذهولاً وفرِحاً لا يُصدّقُ بأنّ تلك المرأة الضّجرة اقتنعتْ بكلامه حينما كانَ يهمسُ لها بأنّه يتيمٌ ترعرعَ في شوارع الحرمان.. يسير الفتى في الشّارعِ ويهذي جُرِّيني إلى هلاكي .. إلى رغبتي .. جُرِّيني إلى هلاكي.. فأنا هُناك فقط أُطفِئُ ناري.. |