وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لليرموك ... لعاصمة الفقراء

نشر بتاريخ: 07/04/2015 ( آخر تحديث: 07/04/2015 الساعة: 15:22 )
لليرموك ... لعاصمة الفقراء
الكاتب: يونس العموري
مرة اخرى تكون المأساة مسطرة على طرقات الجوع وتتأجج نيران الحقد وتتغذا من اجساد متكورة متكومة تنتظر لحظة الفرار من الموت المنتشر بازقته... كان الموت يطاردهم بكل الازمان ومعادلة الوجود سيطرت على تلك اللوحة المعلقة على ابواب المخيم... والكل نيام هنا ولا سبيل لمعرفة القاتل من المقتول... وهل للقاتل صفة اخرى نعجز عن رسم ملامحها...؟؟؟
هي مأساة شعب فقد ثقته بكل ما يمكن ان يقال وبصرف النظر عن المُقال والذي سيقال... هو الشعب الذي اصبح بلا عنوان وفقد ألمعيته مع فقدانه للحضن الحاضن لقضاياه...

يتصدر العناوين من جديد ويحاول ان ينهض بشموخ... يقف امام الكل ليعلن عن هويته بكل أهاته... ويقول ما يمكن ان يٌقال في حضرة القتل والتقتيل للانسان الرابض والمتطلع نحو الارض السمراء... جاء هذه المرة واستحضر تاريخ من عبر دروبه ومن انكسر على بواباته محاولا تركيعه...
لم يخف على كينونته ابدا ووقف متحديا كل اشكال تصفيته منذ البدايات عجزوا عن اقتلاعه وحافظ على هويته وكانت ارادة الحياة فيه الاقوى ودائما كان الحضن الدافىء للهاربين اليه من بطشهم بصرف النظر عن الباطش والمبطوش...
اليرموك ليس هنا اليوم... وان كان يفرض المعادلة من جديد... وكل هذا الضجيج ما هو الا ضجيج فارغ المضامين فاليرموك ليس هنا هذه الايام وان كانوا يجعجعون بالصراخ من رام الله هنا اليرموك وهم يعلمون ان اليرموك ليس هنا... وان كان لابد ان يكون اليرموك هنا؟؟؟ فهذا السؤال الكبير ولابد من ان تكون الاجابة كبيرة ايضا...

فيا أيها القاعدون على ارصفة التاريخ تستجدون مجدا او اسما زائلا... انتظروا قليلا فالمجزرة متواصلة منذ زمن وفصولها لم تكتمل... وللقتل حكاية لابد من اعادة روايتها من جديد على مسامع من يقتل الان بحواري اليرموك ويمن يموت جوعا ويكون له ان يسمى رقما من ارقام شهداء الجوع ليس اكثر... لم يتخذوا قرارا بالقتال لصالح هذا او ذاك وانما ارادوا ان يمارسوا العيش ان استطاعوا الى ذلك سبيلا... وكانوا ان وجدوا انفسهم في معمان التيه واولي الامر فيهم تنازعوا وتصارعوا على الامر والطاعة عند امراء القتل...

وهذه الحكاية من اولها... وهذه قصة من داستهم بساطير قوات الردع العربية... فقد كانت ان تحققت معجزة القرن العشرين كونها توحدت لقصف عاصمة الفقراء وما ذنب لهم سوى انهم قد حلموا بليلة بحضن الجبل المنتصب شموخا على شاطىء حيفا وبمعمودية بمياه شواطىء يافا، وكانوا ان سمعوا نداء حفيف اوراق اشجار الصنوبر، ونعيق اصوات غربان ليل غريبة عن المكان وطارئة بتاريخ الزمان، فمنهم من ركب البحر وناجي القمر وشهد الموج على ملحمة سطرتها أكفهم بعتمة ليل اضاءته انتصارات الحب المتشكل بين ضلوعهم على قسوة من عاثوا بالأرض فساد، وكانت ان احتضنتهم ارضهم ورحبت بمن يأتون مهللين مكبرين مبتسمين فقد كانوا هنا حيث وقف المسيح يوما مناجيا رب عرش السموات والارض ليشهدوا انبلاج حقيقة اشياءهم كما البتول مريم حينما أتها عيسى المخلص نصير فقراء كل الأزمان... جاؤوا ليرتلوا تعويذة جداتهم المعلقة بأفئدتهم منذ عرفوا ان ثمة وطن مسيج بالغار والياسمين وتنبت فيه ارواح الأنبياء المتجولة ما بين قدس الأقداس وناصرة البشارة، مأسورا بثنايا خرفات تاريخ قتلة الحلم، ومغتالي عصافير البراري كونها تشدو الصبح زقزقة عند أضرحة الشهداء...

هي الحكاية من اولها ايها السادة... حينما اصبح القتل على الهوية امرا مباحا ومشروعا من قبل ذاك الذي ابى واستكبر الا ان ينصب ذاته الآمر باسم امراء الليل والحاقد على ليل العشاق... كان الصمت مدويا يومها... وكانت المذبحة متواصلة بالشمس الساطعة وبوضح النهار... والحصار مستمر... ولا رجوع عن تنفيذ اوامر القتل والتقتيل... فقد صدر الأمر بإبادة ابناء الجليل المطاردين باصقاع المعمورة... كانوا يحاولون العيش في كنف الحياة...

انتظروا قليلا لتستمعوا للقول الفصيح في ظل ترنح معادلة الكفر وسقوط اباطرة المعبد القديم... فقد تجرأت الشاة على السكين... وامعنت في التحدي ووقفت شامخة امام الجزار الممتهن للذبح في حواري الفقراء... ولنا ان نبدا بالأقصوصة... ولنا ان نستذكر حصارهم وصرخاتهم وعذابات ليلهم وخوفهم... والمشهد يكرر ذاته قتل بوضح النهار وزبانية العسس يطارودن ويلهثون خلف القمع ومن يقتل اكثر يصير له الأمر الرفيع والشأن العظيم...
هي الجثث المصلوبة بالميادين والمسحوبة في الشوارع والمتفحمة بالأزقة... هي الصور المؤلمة التي تناقلتها خلسة ذكريات من بقوا احياء ولم ينطقوا ببنت شفة وخافوا وارتعبوا وما تكلموا...
يجثو الكابوس في احضان عجوز ظل لعشرات السنين محاولا تفسير التناقض ما بين القتل بمجزرة بوطن التين والزيتون والقتل على شواطىء الأرز او في قلب عاصمة اللغة العربية والامويين...

القتل واحد والقاتل الأول ناطق بعبرية ركيكة فكان قد تعلمها منذ وقت قصير والقاتل الأخر يصرخ بالعربي الفصيح ويعلو صوته بالضاد موبخا مرهبا مرعبا... ويشدو بأسم الأوطان العربية المحررة... ويتأهب لوقفة العز حينما يصدح السلام الوطني للوطن... هو التناقض مع الذات اعترف... وهو الفعل الصارخ لجلد الضاد اعلم... وهو القمع للنفس البشرية خلال تلك العقود اعتقد... وهو الإنقلاب على كل معايير الانسان وتمردها... وهي الصرخة المكتومة قد تنطلق الأن حينما يعود القتل سيدا للموقف.. وحينما يصبح اليرموك من جديد عاصمة للفقراء ومسلسل الحكاية يستمر منذ تل الزعتر.

هي قصة الهروب الأكبر... وهي قصة التواري عن الأنظار وانكار الذات امام الرصاص المسكوب على الجثث المتفحمة بالشوارع والمتمرغة بالوحل لإخفاء جرائم الطرائد... فقد هربوا بعد ان سويت بيوت الصفيح بالأرض وتم محو الذاكرة الجديدة لجموع اللاهثين الخائفين المطرودين للمرة الألف... جابوا بالبرد الطرقات ازقة المخيم باحثين مفتشين عن جذع شجيرة يحميهم من النار والنار يومها اعلنت عن جوعها فالتهمت كل الاطفال والنساء ورجال فلسطين المقهوين والمعذبين بزواريب كل العواصم والمدن المسماة بالعربية...
والرواية لابد من اعادة كتابتها اليوم بعد ان دمرت الصوامع باعالي جبال الشمال المتمرد وبعد ان عبر من عبر الى دهاليز باستيلات النظام الممهور بتوقيع الجلاد الممعن بالإنكار لكل ما هو حر وانساني...

ارادوا ان يمحو اسمه من افئدتهم وان يغتالوا حلمهم فقد عقدت الصفقة ان تخلصوا وخلصونا من حفنة اشرار المخيمات وسنرضى عنكم وتستوي امورنا واياكم وسنجعل منكم سادة في جبال صنين والبقاع وقد نكون نحن من سيدفع فاتورة ربيع ربائع العرب... ويبدو ومن خلال المشهد العظيم بالاقليم العربي المنقسم المتقاسم المتصارع الصارع والمصروع ان فقراء الارض السمراء مطاردين مطرودين ودماءهم ستوزع على كل القبائل...
ايها السيد القابع هنا بحاكمية السراب اتوجه اليك وباسم الكل من هناك امتطي صهوة جواد الحقيقة واعبر الى حيث يجب ان تعبر فقد فعلها سيد سادة الثوار (الاسم الاخر لفلسطين يومها) حينما تسلل رغما عنهم واقتحم الحصار ومكث بين الفقراء واعاد رسم المعادلة من جديد... يا سيد حاكمية السراب ارجوك ان تكف عن التوجيه والتوبيخ ولتصمت اذن ...