|
على هامش ورشة مناقشة مسودة قانون البنك المركزي
نشر بتاريخ: 13/04/2015 ( آخر تحديث: 13/04/2015 الساعة: 12:51 )
الكاتب: محمد خضر قرش
سيدي الرئيس: أرجوك لا توقعه ولا تصدره بقانون
دعت سلطة النقد الفلسطينية مجموعة من الخبراء والباحثين ومسؤولي المصارف لمناقشة مسودة قانون لإنشاء بنك مركزي أُعد من قبلها ليحل محل سلطة النقد. وقد عقدت الورشة في فندق الموفمبك برام الله بالأسبوع الأخير من شهر مارس /آذار الماضي. ومسودة القانون تتكون من 77 مادة تمت مناقشة نحو 32 منها وقد تم إدخال تعديلات جوهرية وملموسة على مواد مسودة القانون، لكن المناقشات لم تستكمل،نظرا لانتهاء الوقت المحدد وانصراف الجميع لتناول وجبة الغداء على أن تقوم سلطة النقد بتحديد موعد لاحق للمناقشة أو يرسل من يرغب بملاحظاته إليها. الورشة بدأت باستعراض طويل للمحافظ تضمن مراحل ومحطات تطور سلطة النقد فيما يتعلق في البناء المؤسسي والمهني، سبق وأن طرح في مناسبات عديدة قبل ذلك،لكن ما ميز الطرح هذه المرة شموله على أهداف وأغراض مضمرة ومستترة في محاولة منه للتأثير الإيجابي على النقاش بما في ذلك دفع المشاركين نحو تأييد فكرة تحويل سلطة النقد إلى بنك مركزي.انحصر النقاش عمليا بعدد محدود من المدعوين (المشاركين)لم يزد عن 4 أساسيين بالإضافة إلى مساهمة أو استفسار من هذا المشارك أو ذاك وكنت كغيري أنتظر أن يتولى المحافظ تقديم الحيثيات والمبررات القانونية والمهنية أو الإدارية والعملية التي أملت أو استوجبت تحويل سلطة النقد إلى بنك مركزي،فرغم مداخلاته الطويلة والتي اقتربت من الساعة، لم يأت أو يذكر حيثية واحدة تفسر أو تقنع المشاركين عن سبب رغبته في تغيير الاسم إلى بنك مركزي. وحينما سُئل لماذا لم يرفق بالمسودة الحيثيات والمبررات القانونية والتنظيمية لأسباب تغيير الاسم، قال بأنها موجودة في سلطة النقد.وكانت هذه بمثابة الخلل الجوهري الكبير الذي فقد في العرض والورشة معا،مما يؤكد بأن النيات الحقيقية لا تتعلق بإصدار قانون البنك المركزي وإنما يكمن السبب الوحيد ربما،ما جاء في نص المادة 75 من مسودة القانون والتي تهدف بشكل لا لبس فيه ولا غموض تمديد فترة بقاء المحافظ لست سنوات قادمة على الأقل.وقد قال أحد المشاركين ما نصه (وهو مسجل بالصوت والصورة كما قيل) "انه يخشى أن يكون الهدف الرئيس والوحيد من طرح مسودة القانون هو التمديد للمحافظ فحسب"،لأنه لا يوجد ما يبرر تغيير الاسم ولا المهام ولا الوظائف. لقد وجد المشاركون أنفسهم أمام مجموعة تناقضات وتعارضات وعدم تناسق بين مواد القانون. فالمسودة بموادها ال 77 لا يوجد فيها أي جديد سوى:استئثار كامل يكاد يكون مطلقا للمحافظ. فهو من يختار نائبيه ولا يعينوا من الحكومة أو بتوصية منها بعكس كل محافظي السلطات النقدية في العالم ولا يخضع هو أو نائبيه للمحاسبة من قبلها ولا احد بإمكانه التدخل في قراراته بما فيها أعضاء مجلس الإدارة الذي يحيطهم علما بالقرارات الهامة فحسب. فوظيفة الحكومة هي تسديد رأس المال البالغ 120 مليون دولار!!علما بان مواد القانون لم تذكر شيئا عن رأس المال الحالي لسلطة النقد. لقد وُضعت ملاحظات كثيرة على مواد القانون التي تمت مناقشتها وخاصة لجهة ربط كل شيء بالرئيس بما فيها رواتب المحافظ ونائبيه وامتيازات ومكافآت أعضاء مجلس الإدارة واستقالتهم أما صلاحياته فهي مطلقة. فهو من يتخذ القرارات ويحيط مجلس الإدارة علما بما اتخذه من إجراءات في الأمور الهامة!!! (المادة 17 الفقرة ب1 ) ليس هذا فحسب بل هو من يحدد صلاحيات نائبيه حيث تخلو مسودة القانون من أي مهام أو دور لهما وحتى في حالة غياب المحافظ فأن النائب لا يحل محل المحافظ إلا بتفويض خطي منه. كما لا تتم إنهاء خدمات المحافظ إلا بقرار من الرئيس وليس الحكومة وفي حالات محددة أيضا.بمعنى أن الرئيس لا يمكن له بخلاف الحالات المذكورة إقالة المحافظ!!(المادة 21 النقاط أ،ب ،ت) كما أن المحافظ ونائبيه لا يسألوا عن أي ضرر يسببوه للغير(المادة 23) وهناك نقطة لا تقل خطورة عما سبق وهي "أن موظفي البنك المركزي المكلفين بالرقابة والتفتيش يُعطون ضمن اختصاصهم صفة "مأمور الضبط القضائي"(المادة 50 البند2). وفي بعض المواد يضع شروطا ومواصفات للموظفين من ديوان الرقابة المالية والإدارية الذين يريدون أن يدققوا أو يفحصوا أعمال البنك المركزي!!! وحتى لا أثقل على القراء الكرام أكثر، فان الملاحظات كانت كبيرة وجوهرية لا يتسع المقام لها في هذه المقالة. وكما قال احد المشاركين للمحافظ نفسه وعلى مسمع من بعض المدعوين "فإن الملاحظات تمس كل صفحة تقريبا. لسنا بحاجة إلى بنك مركزي فلسطين ليست بحاجة إلى تغيير اسم سلطة النقد، فالعديد من الدول العربية والعالمية تطلق أسم مجلس النقد أو مؤسسة النقد أو المجلس الفيدرالي أو باسم الدولة مثل بنك انكلترا بنك اليابان وبنك الدولة التي تحتل أرضنا. ولعلنا نذكر أن الجنيه الفلسطيني صدر ووضع في التداول عام 1927عن مجلس النقد الفلسطيني فالعبرة ليست في الاسم وإنما في الصلاحيات المعطاة، وعلى كل حال فان قرار إصدار العملة سيكون وبالا علينا وتدميرا لاقتصادنا الضعيف المحاصر بل وغير قادرين عليه عمليا . ورغم أن المحافظ قال بأن تغيير الاسم لا يعني المباشرة في طباعة العملة وإصدارها ووضعها في التداول، فلماذا إذن تفتقت قريحة المحافظ الآن وقبل شهور قليلة من انتهاء ولايته الثانية بطرح فكرة تغيير الاسم إلى بنك مركزي؟ هناك علامات استفهام كبيرة جدا ومليئة بالعيوب والمطبات المهنية والتنظيمية تقف خلف الدعوة غير البريئة وغير المهنية، التي تسمع في هذه الفترة بالذات من قبل المحافظ. وبدون الإطالة أيضا فسأحاول بنقاط مختصرة جدا،تبيان عدم حاجة فلسطين واقتصادها إلى تغيير الاسم، إلا إذا كان لتحقيق أهداف في نفس يعقوب ارتآها فحسب. أولا: فلسطين ما زالت محتلة سماء وأرضا وبحرا ونهرا وحدودا ومدنا واقتصادا بما فيها سلطة النقد نفسها والقسم الأكبر من الإيرادات والجمارك والضرائب.ففلسطين ليست مستقلة بعد، وهي تحتاج إلى انتزاع استقلالها أولا من براثن الاحتلال وبعد ذلك نفكر فيما إذا كان يتوجب علينا إصدار عملة أم لا وتغيير الاسم أو لا.الويل لنا إن جنحت بنا العاطفة وتحكمت بنا المصالح الشخصية وغاب العقل وسادت المزاجية وسيطر الغرور علينا وبات إصدارنا للقوانين لإرضاء أشخاص بعينهم أو لتحقيق مآربهم الذاتية. ثانيا: من قال بان إصدار العملة وإنشاء بنك مركزي يعتبران من عناصر السيادة الوطنية!!! فالفرنسيون والألمان وغيرهما من دول الإتحاد الأوروبي أشد الناس تعصبا لانتمائهم لوطنهم ولغتهم وعملتهم، لكنهم تخلوا عن المارك والفرنك لصالح اليورو الأوروبي. فهل نفهم من ذلك أن الدولتين غير مستقلتين وغير وطنيتين!! وفي المقابل هناك عشرات الدول لديها بنوك مركزية وعملات وطنية غير مستقلة تتسول سنويا من البنك وصندوق النقد الدوليين غير قادرة على حماية عملتها رغم أنها تسيطر وتتحكم بحدودها وضرائبها وسمائها ومائها وبنوكها المركزية وغير محتلة مباشرة كما هو حالنا نحن. ثالثا: من يريد أو يرغب باستبدال أسم سلطة النقد بالبنك المركزي، عليه أن يطرح حيثياته ومبرراته الاقتصادية والمهنية والإدارية والقانونية التي توجب التعديل أو الاستبدال.وكنت كغيري متشوقا لسماع حيثية أو مبرر مهني واحد، يشير إلى الأسباب الموجبة باستبدال الاسم لإقناع صاحب القرار والاقتصاديين والشعب الفلسطيني بأهمية وضرورة وجود بنك مركزي فلسطيني في هذه الفترة بالذات. والسؤال الذي على محافظ سلطة النقد أن يجيب عليه بصراحة ونزاهة وشفافية هو لماذا لم يطرح هذه الفكرة في بداية رئاسته الثانية لسلطة النقد أو في منتصفها وليس مع اقتراب نهايتها؟ رابعا:إذا كان المحافظ حريصا فعلا على وجود بنك مركزي كما يقول وبكامل الصلاحيات المنصوص عليها في القانون فبإمكانه وبسهولة وبدون عناء يذكر وحتى بدون إعداد مسودة القانون أو عقد ورشة عمل أن يطلب من الرئيس إصدار قرار يقول فيه " تناط بسلطة النقد الفلسطينية كافة صلاحيات ومهمات ووظائف البنوك المركزية حال تحقيق الاستقلال" ،فهذه الجملة أو العبارة تكفي وتحقق الغرض المطلوب. وختاما نقول، بان الغرض الرئيس من زوبعة استبدال سلطة النقد بالبنك المركزي هو ما جاء في المادة 75 من مسودة القانون والتي تنص على ما يلي:" تصبح جميع مناصب أعضاء مجلس الإدارة والمحافظ والنائب(مفترض أنهما اثنان)شاغرة في الوقت الذي يصبح فيه هذا القانون نافذا ويتم (لاحظوا هذه العبارة) تعيين جميع أعضاء المجلس وفقا لأحكامه" وهذا يتضمن تمديد فترة رئاسته لسلطة النقد ست سنوات أخرى قابلة للتجديد فترة مماثلة.وهذا يعني أنه سيحصل على مكافآت نهاية الخدمة للسنوات التي قضاها في سلطة النقد كنائب وكمحافظ ويتم تعيينه من جديد.على محافظ سلطة النقد أن يحترم عقول الآخرين وان لا يعتقد لبرهة أنه يستطيع تمرير هذا القانون بحجة أن الوقت قد حان لتغيير الاسم إلى بنك مركزي؟ فكل الذين تمت مقابلتهم داخل الورشة وخارجها والحديث معهم بمن فيهم مدراء المصارف يدركون هذه الحقيقة بل ويسمون النائبين أيضا.وقد قلتها لأحد المرشحين الاثنين مباشرة في ورشة العمل.فاللعبة مكشوفة ولا يمكن تسويقها أو تمريرها. لذلك يا سيدي الرئيس أرجوك لا توقعه ولا تصدره بقانون من اجل فلسطين واقتصادها.لقد قضى 8 سنوات محافظا لسلطة النقد وهي أكثر من كافية وحان الوقت لاستبداله بفلسطيني آخر. |