|
مخيم اليرموك
نشر بتاريخ: 16/04/2015 ( آخر تحديث: 16/04/2015 الساعة: 10:51 )
الكاتب: عثمان أبو غربية
لا شك أن مأساة مخيم اليرموك هي جزء من المأساة العامة في سوريا. هذا المخيم الصامد المرابط الذي ينبض قلبه وطنيةً وانتظاراً للعودة إلى فلسطين، والذي أعطى الثورة مهجاً ومساندةً وتفاعلاً كاملاً في نطاق العطاء الثوري الخلاق.
لا يمكن نسيان شهداء هذا المخيم وباقي مخيمات سوريا التي قدمت جميعها، وتشهد لها مراحل التألق الثوري أنها كانت القاعدة الجماهيرية الصلبة الراسخة. يعاني الآن مخيم اليرموك من وحشية لا تقل عن وحشية الاحتلال، ويعاني اللاجئون فيه معاناة لجوء آخر، وضياع آخر، ودماء أخرى، تماماً مثلما يعاني كل جزء من أجزاء التواجد الفلسطيني بشكل أو بآخر ووفقاً لسياسات أو أخرى من جوانب المأساة التي يتضامن في مصائبها ذاتياً، حيث تتعاطف أجزاؤه بعضها مع جميع البعض الآخر داخل الوطن وخارجه، وتتقاسم جريرتها. إن وجدان وروح وضمير كل فلسطيني يتطلع الآن إلى مخيم اليرموك. من البديهي أن هذه المأساة بأيدي المجموعات المتطرفة لا تنفصل عن المأساة في المنطقة كلها. تتعدد وتتنوع سيناريوهات الفوضى الخلاقة والتدمير الذاتي في الأقطار العربية وفقاً لظروف كل منها وطبيعة الأدوات المستخدمة بشكل مباشر أو غير مباشر؛ بالارتباط، أو بالانجرار الأعمى لفخ المؤامرة التي وضعتها الولايات المتحدة لمصالحها ولمصلحة كيان الاحتلال وبالتواطؤ معه. تستهدف هذه المؤامرة أول ما تستهدف الشعب العربي وروح القومية والوحدة العربية. بل وحتى روح الوحدة القطرية للبلدان العربية، من أجل تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، مطلقة عنان الشر والمجازر في إطار كل من هذه البلدان التي طالتها يد الفوضى الخلاقة والتدمير الذاتي، وعناصر التدمير المصدرة عبر الحدود ومن جنسيات مختلفة. كان لا بد أن يكون لكل بلد سيناريو، ولكن أسوأ السيناريوهات هي ما وقعت كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن فيها، والتي أفلتت منها –بالكاد- مصر المستهدفة أكثر من غيرها بحكم التطلع الدولي الاستعماري لمنع قيام قطب عربي يجمع الأمة العربية وأقطارها، والتطلع الإقليمي من قبل الأطراف غير العربية المجاورة للجناح الآسيوي من الوطن العربي، للتمدد، وإطلاق سيطرة أذرعها في البلدان العربية. وهو ما يظهر أحياناً تحت عناوين طائفية أو إصلاحية أو عرقية، وحتى باستخدام لواء معركة فلسطين بما لا يؤدي إلى دفع ثمن هذه المعركة. من المؤكد أنه لا يمكن مساواة بعض هذه الأطراف بطرف كيان الاحتلال الذي لا يتطلع إلى الهيمنة الاقليمية فحسب، ولكنه سلب فلسطين وشرد اللاجئين، ويقف حاجزاً منيعاً أمام الوحدة العربية. وله مصلحة في كل مأساة تصيب الأمة، ويضمر في حقيقة الأمر لجميع الأطراف العربية والإسلامية نوايا العدوان والشر والتجزئة بغض النظر عن تحالفاته المرحلية المتنقلة، لأنه يرى في كل منها عدواً مستقبلياً مؤكداً. يتم إعداد كل سيناريو وفقاً للظروف والمناخات التي يمكن أن تفرز من عناصره أطرافاً تكون وقوداً لصراع ذاتي وتدمير ذاتي. وقد وقع مخيم اليرموك كما وقعت سوريا ضحية لسيناريو، من الشمال، ومن الجنوب، بقصد تدمير قوى سوريا، وإحداث هجرة فلسطينية أخرى، وضرب أحد الجيوش العربية الهامة، والذي يشكل أحد أركان الأمن القومي العربي. كان حرياً النأي بالنفس في المخيمات عن دخول هذا الصراع، ولكن أكثر من طرف عمل على زجها، سواء عن سوء نية أو قصر نظر، إضافة إلى أن ما يصيب سوريا في كل الظروف لا بد أن يصيب فلسطين والأمة بأسرها. أما وقد وقع مخيم اليرموك في أتون الصراع فلابد من المواجهة كما وقع في عين العرب ولابد لكل سلاح فلسطيني او مؤازر ان يواجه تحدي التطرف البشع، لأن التحدي لا يواجه الا بالتحدي. لم تتمكن الدول العربية من تفاهم على الأمن الاستراتيجي القومي الموحد، وهو ما جعل بعضها يقع في شباك هذا الطرف أو ذاك، سواء الأطراف الاقليمية أو الأطراف الدولية الاستعمارية التي تقع بعض الأطراف العربية في شباكها أصلاً. وأصبحت الشعوب العربية ضحية بحوافز متناقضة ومتعددة وتحت عناوين تبدو في ظاهرها محقة، ولكنها كلها كانت كلمة حق يراد به باطل. وهنا يجب أن يسمع الجميع: كفى تدميراً وهلاكاً، على العرب أن يعيدوا تقييم مواقفهم وأن يعزلوا كل أذرع الاعتداء غير العربي دولياً وإقليمياً. كفى تدميراً وتراجعاً وانعدام وزن. لا يوجد هناك منتصر مهما أسفرت عنه نتائج التدمير الذاتي، مؤامرة التقسيم الجارية المتصاعدة. لقد لجأت كل الأطراف المحركة في سياسة ذرائعية وازدواجية المعايير، وقد تناقضت المعايير في مواقف كل من هذه الأطراف، لأن حقيقة الهدف هو تدمير فرص القوة العربية القادرة على أن تشكل قطباً إقليمياً محورياً، ولأن بعض العرب لم يضعوا معيار الأمن القومي العربي كأساس لسياساتهم ومواقفهم. لا يمكن أن يكون صديقاً مخلصاً لأي طرف عربي من يمد أذرعه في حمى أية دولة عربية، لأن ذلك ينمّ عن نزعة هيمنة شوفينية في حقيقتها. شعبنا يدفع الثمن في أكثر من مكان، وفي معظم الصراعات، مما يستدعي التفكير أن ذلك مقصود ومتعمد بهدف التهجير وخدمة كيان الاحتلال، ونزعات الهيمنة على اختلاف خنادقها. والدولة الاستعمارية الكبرى التي تجري في فلكها بعض الأطراف التابعة. كان حرياً كذلك بالمنطقة أن تجد سبيلاً لحلول فكرية وسياسية خلاقة، تؤدي إلى الحفاظ على مقدرات كل دولة عربية وإسلامية، وتعزز تطورها ومنعتها دون أن يكون ذلك على حساب بعضها أو حساب أي شعب منها. السياسات تحتاج إلى إعادة تقييم وتغيير، والنظرة العقائدية بحاجة إلى إعادة تطوير وتجديد واستنهاض، والعلاقات الاقتصادية تحتاج إلى فرص للتكامل مقوماتها موجودة، ولكن الإرادة حيال كل ذلك تحكمها العوائق السلبية من الشوفينية والطائفية والتبعية، والحكم البعيد عن الشعب وأوجاعه واحتياجاته. يلوذ الكثير من المواطنين العرب ومنهم الفلسطينيون إلى هجرة البحار شديدة الخطورة، لعلها تكون أرحم من واقع مر تتحارب فيه الأطراف المصنعة والمجهزة من أطراف أجنبية جاعلة شظايا حربها تطال كل مكان. وبينما يتطلع المحاصرون في المخيمات وغير المخيمات إلى قطرة من الماء إغاثة للأرواح، أو إلى هدنة بين معركة وأخرى وبين قصف وآخر. فإن بعضهم يتساءل: هل يمكن أن يكون الهلاك في البحر أرحم مما يجري. |