|
حياة إذلال للعمال على حاجز ترقوميا
نشر بتاريخ: 01/05/2015 ( آخر تحديث: 02/05/2015 الساعة: 05:07 )
رام الله - تقرير معا - هنا حاجز ترقوميا، شمال غربي الخليل، الحاجز الأكبر الواصل بين أراضي الضفة الغربية ودولة الاحتلال، فمن خلال هذا الحاجز يتوجه العمال للعمل داخل الخط الأخضر، إضافة لكونه الحاجز التجاري الأكبر.
وحاجز ترقوميا هو واحد بين 11 حاجزاً يضطر العمال إلى سلوكها للدخول إلى أماكن عملهم، وهذه الحواجز تتحمل المسؤولية عنها مديرية المعابر، وتقوم بالتفتيش الأمني شركتان خاصتان هما: ثلج أبيض في جنوب الضفة، وموديعين إزراحي في الوسط والشمال، ويدخل عبرها عشرات آلاف الفلسطينيين يومياً. تبدأ رحلة العمال بعد منتصف الليل لقطع حواجز الاحتلال، حيث يتم اجتياز البوابات الحديدية والالكترونية الأمنية المعقدة سيراً على الأقدام، لتوفير قوت يومهم برغم ظروف العمل غير الإنسانية. التفتيش الذي تقوم به قوات الاحتلال يعرّي العمال، الإذلال المقصود يسلب منهم كرامتهم. وفي كل يوم يتكرر المشهد ذاته، ازدحام شديد، طوابير طويلة أمام الحواجز، إصابات نتيجة الإجراءات والتدافع والاكتظاظ وضيق الممرات، وفي النهاية، عدد كبير من الذين ينتظرون لساعات يتم منعهم من إكمال طريقهم، فيعودون إلى منازلهم خاليي الوفاض. عدد الفلسطينيين الذين يمرون عبر حاجز ترقوميا هو الأعلى بين جميع الحواجز، فبين الثانية والسابعة صباحاً، يمر من 7 إلى 8 آلاف فلسطيني. فالعمال الذين يمرون عبر حاجز ترقوميا يخرجون قبل ساعات الصباح الأولى من بيوتهم سعياً وراء لقمة العيش، ويقفون الساعات الطويلة بانتظار الانتهاء من إجراءات التفتيش والتدقيق الأمنية الصارمة، ليقفوا في هذا الطابور المذل. رجال أمن من شركة ثلج- أبيض يعملون في مراكز التفتيش المختلفة، في هذا الحاجز، ويضاف إليهم عدد من رجال الحراسة المسلحين، إضافة إلى جنود الاحتلال. العمال الفلسطينيين يمرون أولاً عبر الأقفاص الحديدية الطويلة، ومن ثم عبر الأبواب الدوارة، قبل أن يخضعوا لاحقاً لتفتيش جسدي دقيق جداً، وهو ما يجعل المدة التي يقضيها العامل من لحظة وصوله إلى الحاجز إلى الخروج منه بين 30-40 دقيقة. ويشتكى العمال الفلسطينيين من صعوبة المرور عبر الحاجز، ويصفه أحد العمال بانه أصبح عذاباً حقيقياً، هناك ازدحام واكتظاظ إلى درجة صعوبة التنفس، وأناس يصابون بجروح، بسبب الزحام، بل يوجد من يُغمي عليهم. العمال هنا في حاجز ترقوميا يحشروا في داخل الفراغات المحاطة بالقضبان المختلفة في داخل الحاجز، ويتسلقون الشبك الحديدي، ويتعلقون به أو يقفون على أرضية ضيقة مرتفعة في داخل المنطقة، إما لتنفس الهواء وإما للقفز إلى مقدمة الصف في اللحظة التي تُفتح فيها الأبواب الدوارة. يقول أحد العمال: وصلت الحاجز الساعة الثالثة فجراً، وكان يقف في الصف نحو 200 عامل خارج منطقة الحاجز، وبضع عشرات اجتمعوا في مكان انتظار محاط بصفيح، وهم يستلقون ويجلسون على قطع من الورق المقوى، جاؤوا قبل الثانية بعد منتصف الليل، قاصدين أن يكونوا أول من يدخلون منطقة التفتيش، وفي الثالثة وأربعين دقيقة، قاموا واحتلوا أماكنهم في (الكُم) وهو قفص معوج، يصل بالصف إلى الباب الدوار، وهو الأول بين سبعة أبواب، يمر منها كل شخص إلى أن يخرج من الحاجز. ويضيف: بعد وصولنا والانتظار لأكثر من نصف ساعة يضغط أحد الجنود لفتح زر فتح الباب الدوار الأول، وهنا يتقدم الصف الطويل في الخارج سريعاً، ليدخل ويقف بين الباب الدوار الأول والباب الدوار الثاني، ليتجمع العمال داخل قفص حديدي مُشبك ومحاط بالصفيح، وهم مراقبون بغرفة المراقبة، وفوق رؤوس العمال كاميرات تصوير في كل مكان. وقال أحد العمال ويدعى اشرف ادريس ان قوات الاحتلال ركبت أيضاً أجهزة تنصت تنقل كل همسة إلى الموجودين في غرفة الرقابة، وتسمع توجيهات بين الفينة والأخرى بمكبرات الصوت. ويصف العامل الحاجز من الداخل فيقول: يسير العمال بين البابين الدوارين، واللذين يفضيان إلى فراغ ثالث، يتشعب إلى أربعة مسارات، في كل واحد منها باب الكترومغناطيسي، وآلة تصوير شفاف للحقائب والمحافظ، ولكل مسارين غرفة رقابة فيها نحو من خمسة مفتشين ومفتشات إلى ستة، وبعد ذلك تأتي مواقع تفتيش بطاقات الهوية ثم موقع التفتيش البيومتري لبصمات الأصابع، ويوجد بابان آخران يفصلان بين الحاجز والباحة التي ينتظر فيها العمال نقلهم إلى العمل. ويضيف: يلتهي المفتشات والمفتشين ببساطة في غرف رقابتهم، ويتأخرون في تفتيش البطاقات ويدعون مجموعة الانتظار الثانية تنتظر إلى أن يخرج آخر شخص من المجموعة التي قبلها من محطة التفتيش. ويجمع الجنود العمال في غرفة مغلقة ثم ينقلونهم ليصوروا بالآلة، ويتم جمعهم في مجموعات تشمل بين 20 إلى 40 عاملاً وينتظرون هناك نوبة تصويرهم بالآلة، التي لا يعلمون مبلغ خطر إشعاعها على صحتهم. وبعد كل هذا التفتيش المهين والطويل، وبعد الخروج من الغرفة التي يسميها العمال غرفة الموت، فإن عشرات العمال تضيع عليهم فرصة السفر بسبب تأخره عن السيارة التي كانت ستقله لعمله. ويقول ذات العامل، البالغ من العمر 62 عاماً: في مرات عدة يطلب مني الدخول والخروج لآلة التصوير أربع مرات، ويطلب مني في نهاية الأمر أن أخلع ملابسي وأقضي ساعة هناك. ويؤكد العامل أنه يخرج من منزله بعد منتصف الليل حتى يصل إلى حاجز ترقوميا العسكري، ليصل باكراً جداً إلى الحاجز، إلا أنه يجد عدداً من العمال على الحاجز، خاصة يومي الأحد والخميس، حيث يتدفقون بكثرة للتسجيل على الحاجز ثم يصلون الفجر ويبدأون بالدخول إلى مراكز عملهم. ويضيف سياسة التفتيش المذلة على الحاجز أفقدتنا رغبتنا في العمل، لكن ظروف الحياة تجبرنا على الاستمرار والتحمل. يقول عضو المكتب التنفيذي ومسؤول دائرة الإعلام في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين محمد العطاونة، إن عدد العمال والعاملات الفلسطينيين بلغ مليون و170 ألف عامل، يدخل منهم إلى سوق العمل الخاضعة لسيطرة الاحتلال ما يقارب 52 ألف عامل، ممن يحملون تصاريح، إضافة إلى أكثر من و25 ألفاً تقريباً يعملون في المستوطنات داخل أراضي الضفة والقدس. ويؤكد العطاونة: يتعرض هؤلاء العمال إلى الكثير من المضايقات، في مقدمتها تقييد حريتهم في الوصول إلى أماكن عملهم والاعتداء عليهم سواء على الحواجز، أو جدران الفصل العنصري بما يخالف الاتفاقيات الدولية التي تنص على ضمان حرية الحركة والتنقل للعمال. وبين العطاونة وجود 11 حاجزاً بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 و48 يمر من خلالها عشرات آلاف العمال الفلسطينيين أكثرها استخداماً ترقوميا والجلمة. ويصف العطاونة حجم الإذلال الذي يتعرض له العمال والمواطنون الفلسطينيين على المعابر بالكبير جداً وتستخدم فيه عشرات الكاميرات وأجهزة التنصت، التي يتم فيها تفتيش العمال وإذلالهم وتجريدهم من ملابسهم كلياً. ويؤكد الناشط الحقوقي في مجال العمل، عادل طنينة: بعد ساعات من السفر وبعد استيقاظ العمال مبكراً، والحرمان من النوم، يدخلون في معركة الاكتظاظ العددي الهائل والتي راح ضحيتها عدد من العمال ولقوا مصرعهم خاصة في حاجز ترقوميا عدا عن عشرات الإصابات اليومية التي تحصل بين صفوف العمال، نتيجة للتزاحم غير المعقول والذي سببه يعود لبطء الإجراءات الاسرائيلية على مداخل المعبر، خاصة أن سياسة إسرائيل اليوم تكمن في وضع شركات حماية خاصة على المعبر للتفتيش حيث تقوم بالتفنن في عمليات تفتيش العمال بأشكال وألوان متعددة. ويبين طنينة أن ضيق الممرات والمسالك التي يسلكها العمال وطولها غير المعقول، تساهم في رفع وتيرة التزاحم بين صفوف العمال المتطلعين للوصول إلى آخر النفق المظلم، وهو المسلك من أجل الدخول للعمل، فهناك بعض الحواجز فيها مسلك واحد لآلاف العمال يمرون عليه من 5000 إلى 10000 عامل في ساعتين أو ثلاثة كما هو الحال في معبر الطيبة وترقوميا. ويؤكد طنينة أن سياسة التفتيش التي ينتهجها الجندي الإسرائيلي هي الهاجس الرئيسي التي أصبح العامل يتمنى أن لا يصل إليها نتيجة لما يرونه من إذلال واستفزاز وابتزاز من جيش الاحتلال، فمنهم من يلجأ أحياناً إلى التفتيش العاري للعمال، ومنهم من يلجأ الى تفريغ حقائب العمال من محتوياتها، وبالعادة لا يوجد بها إلا الملابس الخاصة بالعمل. ويؤكد طنينة أن جنود الاحتلال يقومون أحياناً باستفزاز العمال وإعادتهم إلى بيوتهم بدون مبرر، عدا عن شركات الحراسة الخاصة التي باتت تشكل ظاهرة على المعابر، ويؤكد العمال أن طريقتهم أصعب من طريقة تفتيش الجنود الذين كان يقوم بهذه المهمة في العادة. ويقول: يلجأ الجيش الإسرائيلي على المعابر إلى الكلاب البوليسية لتفتيش السيارات الخاصة بنقل العمال، وتقوم هذه الكلاب احياناً بشم الطعام الذي يكده العامل لعيشه في ذاك اليوم. |