|
100 عام على مولد أبو مازن "الإنسان"
نشر بتاريخ: 12/05/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
بيت لحم- خاص معا- لقّب بـ "الإنسان" لأنه سخر حياته القصيرة زمنيا للنضال الوطني والتنمية المجتمعية في تمازج عجيب أفضى لعطاء لن يزول ما دامت عين قريته التي بناها تنضح بالماء الزلال لتروي حقول الخضروات وأشجار اللوز والمشمش.
ويشهد العام 2015 ذكرى مرور مائة عام على مولد حسن مصطفى "أبو مازن" المفكر والأديب والصحافي والناشط الوطني، ابن قرية بتير جنوب غرب القدس المحتلة، فيها ولد وفي ترابها يرقد مطمئنا آمنا بعد أن أشعل النور لمن خلفه من أبناء شعبه، وأبقى أمامهم نهجا إذا ما اهتدوا به فلن يضلوا الطريق. (وضع صورة لوحة الذكرى ) معا زارت مركز حسن مصطفى الثقافي في مسقط رأسه بتير، والتقت ابنته نادية "أم جواد" (65 عاما) فهي ترى في المركز حلمها الذي تحقق والذي دعا إليه الأدباء والكتاب والمفكرون منذ وفاته قبل 54 عاما وتقول :-"في هذا المركز أعمل ما أحب أن أوثقه وأسعد أوقاتي القراءة والكتابة والتوثيق والعمل الثقافي". وتقول "أم جواد" وهي تحمل بين يديها مؤلفا رصدت فيه كل ما قاله الكتّاب والمؤلفون عن سيرة والدها إنهم يكتبون بحق ولكن الكتابة الصحفية المروجة لجمال بتير والسياحة هي المشكلة ولا يعنيهم سوى اسمه المشهور دون التعمق وإعطاء الصورة الصحيحة والصادقة لهذا الفكر والعمل الكبير الذي حققه حسن مصطفى خلال عمره الذي لم يتجاوز 45 عاما، حتى أن البعض تسبب له بالأذى ووقع في التحريف ومجافاة الحقيقة في سيرة هذا الرجل. برز دور مصطفى النضالي مع الكتابة الصحفية تحت عنوان واقعيات في فترة توقيع اتفاق الهدنة "رودس" في 3 نيسان عام 1949 مع الاردن والذي بموجبه طلبت اسرائيل محطات سكك الحديد في الضفة الغربية ومنها محطة القدس وتوابعها لتكون تحت نفوذها، وكانت قرية بتير على بعد 8 كم من محطة القدس وهي أول محطة للقطار في ريف القدس سبقتها بيت صفافا التي قسمتها الهدنة إلى جزئين واحد للعرب والآخر لليهود، تلاها أرض الولجة ثم بتير. وبحسه الوطني للظلم والتعسف وضياع الحق وبوعيه كصحافي وأكاديمي متابع للاحداث، كان أول من اعترض على تنفيذ اتفاقية الهدنة في شقها المتعلق بالسكك الحديدية لأن ذلك كان يعني فقدانه قريته بتير. وحسب رواية شريكة حياته ونضاله زوجته المرحومة "أم مازن" قالت: "في 25 و26 من شهر نيسان 1949 عممت الهدنة وفي 27 و28 نيسان، قاد حسن فريقا من اهل البلد واحضرهم من مهجرهم القريب من المنطقة وتولوا عملية خلق حياة وحيوية في البلدة فنشروا الغسيل واوقدوا النيران وأضاءوا البيوت وفي ليلة 30/4 كان هناك تواجد كبير جدا للجيش على ظهر الجبال في ارض الولجة، وكان هناك طول الليل الشعور بالقلق والتوتر، وفي الصباح ودعه المعجتمعون في بيته الساعه الثامنة والنصف صباحا ونزل من طريق عقبة المشمش لوحده والجميع يتابع خطواته حابسين انفاسهم وهم خائفون ان يطلق عليه النار، وسار الى منطقة المحطة نحو الطريق المواجهة للتلة التي يتجمع عليها الاسرائيلون حيث رفع يديه فنزل نحوه جنديان فقال لهما: من المسؤول اريد مقابلة قائد الجيش المسؤول، فقالوا: مستعدون لاحضاره من القدس واذا به (موسى ديان) وحضر في نفس الوقت قائد الجيش الاردني عبد الله التل وانضم إلى حسن مصطفى وكان معه ايضا ضيف الله الحمود صحفي وموظف كبير في الاردن ودارت المفاوضات بوصول ديان". طرح حسن فكرة ان بتير لم تحتل, ولم تهجر وهي الان مأهولة وعامرة وجميع اهلها فيها، وبما ان تم الاتفاق في رودس على ما تم عليه الا انه على ارض الواقع امامنا حقائق تستحق متابعة التفاوض، لان القرية لم تحتل اصلا واتفاقية الهدنة قضمت المهم من ارضها وهي عماد حياتها وبقائها ومقر استقرارها وتمسك حسن بهذه الثوابت. وقد حفرت كلماته في ذاكرة من عاصروه ومن عرفوه فيما بعد "لن تأخذوا خط القطار إلا بقوة خمس دول عظمى ولكنكم تستطيعوا أن تأخذوا حق المرور فقط، والواقع يختلف عن ما تم الاتفاق عليه في رودس، فبلدي لم تحتل وليست لكم". إلى ان انتهوا بتسوية ثبتت اهل بتير ومنحتهم الحق بارضهم وملكيتها واستزراعها كالعادة. اجتمع الملك عبدالله بعدد من الوجهاء والصحفيين والشخصيات الممثلة للاجئين ودار الحديث عن طلباتهم فقدم كل واحد منهم مطلبه حتى جاء دور حسن مصطفى وسأله الملك عن مطلبه، فقال: "مطلبي الوحيد يا صاحب الجلالة ان يعود اهل قريتي المشتتين في المخيمات والقرى والمدن الي بلدهم بتير". فوقف الملك وقال مخاطبا الحضور: "كل مطالبكم معلّقة إلا مطلب الأستاذ حسن فلينفذ فورا، وامر بسيارات الجيش الاردني وشاحناته ان تنطلق الى اماكن تواجد سكان بتير وتنقلهم وامتعهم إلى قريتهم بعد الاتفاق مع مكتب الهدنة المخولة بتفيذ الامر الملكي، وان تصان حقوقهم في ارضهم وبيوتهم والا يعتدى عليهم من جيش الاحتلال مقابل عدم مهاجمة اهل بتير للقطار المار من محطتها، ولهم ان يتصرفوا في املاكها جميعها بحرية مطلقة". وقد روت السيدة امنة محمود الشيخ "ام هاني" زوجة عبد الفتاح يوسف الشيخ، قالت: كنا في مخيم الشونة وفي أسوأ حال ولا استطيع ان اصف ما كنا فيه من شقاء وعذاب واذا بالمنادي ينادي (يا اهالي بتير يبلغكم "الشيخ مصطفى حسن" (والد حسن مصطفى) ان تكونوا على اهبة الاستعداد للعودة حيث ستأتي الشاحنات لتعيدكم إلى بتير). وفي اليوم التالي صباحا حصلت ضجة وقرقعة في براميل الزبالة في المخيم المكتظ فقالوا: ما هذا الصوت فاخذ اهالي بتير يتنذرون غير مصدقين ان هذا صوت الشاحنات التي ستعيدنا. في 3-4 أيار وبمبادرة ومتابعة حسن مصطفى وتدخله الضاغط على الصليب الدولي تم اعادة "البتاترة" من مخيمات الشونة وغيرها وتم انزالهم على الشرَفة حيث لا يوجد طريق سوى اراضى وعرة وغير عامرة وتبعد عن بداية بيوت القرية حوالى 5 كيلو مترات. مقايضة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي حصل أن جاء رئيس لجنة الهدنة المرحوم محمد أديب العامري إلى منطقة الخربة في بتير فهرع من رآهم إلى حسن مصطفى ليخبره إن رجال الهدنة في الخربة. وكان أهل البلد دائما على معرفة بكل أمر ومعرفة بالشخصيات والزوار وكل من له علاقة في البلد. وهذه الرواية منهم وعلى وجه الخصوص المرحوم رشدي محمد صالح وأخيه صالح القيق وقد ذهبا واستدعيا حسن مصطفى بنفسيهما. سأل حسن مصطفى الأستاذ محمد أديب العامري عن سبب وجودهم في هذا المكان فرد عليهم الأستاذ محمد ( وكان زميل حسن مصطفى في العمل الإذاعي قبل النكبة ) أن إسرائيل تريد هذا المكان وستقايضه بمكان آخر في قرية صوريف. فأجابه حسن مصطفى هذه بتير بلدي أنا ولا يزال دم شهدائنا اخضر ولم يجف بعد، وأنت بلدك هناك في يافا أليس لنا في يافا آثار ومقابر ومساجد وبيوت و.. و.. فإذا سمح لنا بشيء في يافا التي سلبت بالأمس نسمح لهم بالمقابل بالبحث عن احتمال وجود آثار قبل التاريخ. فقال له المرحوم محمد أديب العامري: أنا أسف يا حسن. وقبل 6 سنوات حاول فريق آثار يعمل بحساب شخص إسرائيلي التنقيب في الخربة وقد باءت أعمالهم بالفشل فلم تجد إلا آثار كنعانية، وكما أثبتت الحفريات إن جدار الخربة روماني، ولم يعثروا على ما تمنوه أو توقعوه كما شعر الناس بالارتياح من عدم جدوى التنقيب ومن معرفة الحقيقة، واليوم وبعد مرور أكثر من قرن ونصف على محاولة وجود أي آثار تدل أو تثبت لهم أي حق أو وجود أصبحوا يتجاهلون التنقيب أو البحث لعدم جدواه ولعدم حصولهم ولو على قطعة فخار واحدة، فكل الحضارات المؤثرة تركت آثاراً استخرجت بالتنقيب وحفظت في المتاحف. ومن الآثار الخالدة لمصطفى دوره في رعاية وتأسيس نظام تعليمي خلال سنوات النكبة والتهجير، واستطاع أن يعقد مؤتمر التعليم الاول لليسونسكو في القدس عام 1953 بحضور وفود من الدول المضيفة للاجئين واقطاب التربية والتعليم واساتذة الجامعات المصرية، وخلال هذا المؤتمر تقرر فتح مدارس لتعليم الإناث في الخطوط الأمامية المتاخمة لخط الهدنة ومنها بتير، على أن يوكل أمر التعليم غلى وكالة الغوث. واعتمدت الامم المتحدة مشروع حسن مصطفى واعتبر نموذجا للتعليم طبقته اليونسكو في مركزين للتربية الاساسية لاعداد القادة القوميين افتتحتهما في مصر والبرازيل. وبعد النكبة عام 1950 جمع الاستاذ حسن مصطفى البنات وفتح المدرسة في بتير وبدأ يعمل على تكوين صف في غرفة واحد تديره معلمة على أن يضاف صف إضافي في كل عام حتى اوكل التعليم في هذه المدرسة عام 1954 الى وكالة الغوث مع بقاء مصطفى مسؤولا مباشرا أمام اليونسكو والاونروا عن قيمة المناهج والأنشطة التي تحقق فيها ولم تكن مدرسة عادية بل تعدت إلى مجالات مختلفة كتعليم التمريض والحياكة والتدبير المنزلي وغيرها. بطاقة تعريف ولد المفكر والأديب والصحافي والناشط الوطني حسن مصطفى يوم 25 من كانون الثاني 1915 في بتير جنوب غرب القدس، أكمل دراسته في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وفي عام 1939 أصدرت سلطات الانتداب البريطاني أمرا باعتقاله وقبل أن ينفذ الأمر استطاع أن يغادر إلى الأردن ومنها إلى العراق، ثم عاد إلى فلسطين وعاش فيها حتى توفي 4 حزيران 1961 اثر جلطة قلبية، وجرت له جناز مهيبة ليدفن في مسقط رأسه بتير. أعده: كريم عساكرة |