|
من هي سلطانة، قديسة فلسطين الى الفاتيكان؟
نشر بتاريخ: 13/05/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
بيت لحم- معا- ماري ألفونسين غطاس, قصة جميلة بدأت في مدينة القدس في 4 تشرين الاول عام 1843, حين ولدت سلطانة. وفي المعمودية كما هي العادات والتقاليد المسيحية أضيف الى اسمها اسم "مريم".
هي فتاة فلسطينية عربية, ابنة أسرة كبيرة مسيحية – لاتينية من عائلة غطاس. كان منزلهم قرب كنيسة القيامة في البلدة القديمة في القدس, وكان لعائلتها منزل آخر "صيفي" في بلدة عين كارم قضاء القدس أيضا". كانت راهبة متواضعة تعيش في الخفاء، حتى أن أخواتها لم يعلمن حول دورها الرئيسي في تأسيس رهبنة الوردية الا بعد وفاتها. رزق والدها دانيال ووالدتها كاترين ب 19 طفلا"، لكن 11 منهم توفوا في سن مبكرة, وعاش خمسة ذكور من بينهم أنطون الذي أصبح كاهنا" فيما بعد, وثلاث اناث من بينهن ماري ألفونسين وحنة التي أصبحت أيضا" راهبة. في تلك الفترة, وكما كانت العادات والتقاليد المسيحية في مدينة القدس, فقد كانت التربية العائلية تؤسس على ثلاثة أصول, المنزل, العمل, والصلاة, فكان الوالد دانيال يجمع كل ليلة أفراد العائلة والجيران لتلاوة الوردية ( وهي مسبحة للتقديس المسيحي) والصلاة. ومع عمله كنجار, كان يهتم بعائلات عديدة. وأما الوالدة كاترين فقد كانت تدبر أمور المنزل وتهتم بالأطفال في وقت كانت فيه المدارس نادرة جدا" لا سيما للبنات. كانت سلطانة واحدة من الطالبات الأوائل اللواتي التحقن بمدرسة راهبات القديس يوسف والتي كانت تأسست في القدس في آب 1848 على يد أول بطريرك في عهد البابا بيوس التاسع على البطريركية اللاتينية بعد أن كان الكرسي البطريركي شاغرا" لعدة قرون. تعلمت سلطانة في المدرسة القراءة, الكتابة, والحساب. وكانت تنجذب أكثر لدروس التعليم المسيحي التي كان تحفظها باهتمام, وهذا بالضبط ما ساعدها لاحقا" لتصبح معلمة للتربية المسيحية باللغة العربية. تدريجيا"، تعلقت سلطانة بقراءة الكتاب المقدس, صلاة المسبحة الوردية, الى أن قررت أن تطلب من والدها أن تصبح راهبة, وهو الطلب الذي جوبه بالرفض وقتها, لا لسبب, انما لخوفه على ابنته من السفر حيث اجراءات الرهبنة كانت تؤخذ في فرنسا, وبحكم العادات والتقاليد العربية, ارتأى الوالد أن يتحفظ, حسب ما جاء في كتب التوثيق التي اطلع عليها طاقم معا في دير راهبات الوردية في منطقة مأمن الله في القدس, خلال بحثه عن قصة القديسة غطاس. وتضيف وثائق رهبنة القديسة, أن والدها عدل عن موقفه لاحقا" وسمح لها بالدخول الى الرهبنة بعد أن أعطاه الله علامتين: الاولى أنه تعرض لحادث خلال عمله سبب له حروقا" شديدة لكنه شفي بفضل صلاة وعناية ابنته سلطانة به, والثاني أن الرئيسة العامة للرهبنة استطاعت وقتها أن تحصل من الفاتيكان على اذن خاص بانشاء أول دير للبنات العربيات الفلسطينيات في القدس, وذلك كان عام 1858, حيث تأسست على يد قصة سلطانة لاحقا" راهبات الوردية العربيات. فدخلت سلطانة الرهبنة عام 1858, ولبست الثوب الرهباني رسميا" عام 1860, وكما تجري تقاليد التنسك والرهبنة المسيحية, اتخذت سلطانة اسم ماري ألفونسين, وهكذا احتفظت باسم المعمودية (مريم). وأيضا" كما تجري تقاليد التنسك المسيحية بأن تتقدم الراهبة بنذورها, وهي الفقر, والعفة, والطاعة. حيث تثدمت ألفونسين بها في مكانها المفضل في القدس وسط مراسم مسيحية خاصة تحديدا" في موقع الجلجلة المقدسة, حيث الايمان المسيحي يقول بأن المسيح صلب هناك. عملت الراهبة ألفونسين فترة طويلة بالخدمة في الحقل الرسولي في القدس وفي مدارس متعددة فيها, الى أن نقلت عام 1865 الى دير بيت لحم, حيث كانت الراهبات قد أسسن مدرسة للبنات عام 1853, عاشت في ذلك الدير 22 عام, كراهبة مثالية, محبة لأخواتها حتى اتخذت شعارا" لها في الخدمة ومساعدة الفقراء وهو "التفاني حتى الموت". في بيت لحم, وفي ليلة 6 كانون الثاني عام 1874, عيد الغطاس , ظهرت لها العذراء مريم للمرة الأولى, كما جاء في مذكراتها. وظهرت لها مرة أخرى في 31 أيار 1874 وأرتها كتابة "بتولات الوردية" كما جاء أيضا في مذكراتها. وعند اطلاعنا على تفاصيل حياتها وزيارتنا لدير راهبات الوردية في القدس, قالت الراهبة الاخت فيرجيني التي تعيش وتخدم في الدير أن تأسيس راهبات الوردية كان انطلق رسميا" على يدها بطلب من العذراء مريم في الرؤيا الثالثة لألفونسين عام 1875 وبطلب واضح "أريد أن تبدأي رهبنة الوردية". وتكرر الظهور والطلب, كما أضافت الاخت فيرجيني ل معا, بناء على ما جاء في مذكرات القديسة ألفونسين. وانطلقت ألفونسين في رحلة تأسيس أول دير راهبات وردية عربي في القدس عام 1880, وكانت الحياة المشتركة لمجموعة من الطالبات الأوائل للرهبنة. وبتاريخ 7 اذار عام 1885 تتقدم ماري ألفونسين من نذورها الأولى مع ثماني فتيات مقدسيات, وهذا التاريخ شكل البداية لتأسيس الرهبنة الوردية للعربيات فقط. وأضافت الأخت فيرجيني ل معا أن القديسة ألفونسين نقلت الى دير مأمن الله (ماميلا) في القدس عام 1909, وخدمت هناك حتى العام 1917, حيث قدمت خبرتها ونصائحها في التنشئة مكرسة وقتها للخدمة والصلاة. وفي ذات الدير حيث تحدثنا الأخت فيرجيني, دير راهبات الوردية في القدس, فتلك المشورة والخدمة استمرت وأكملت لتقدم اليوم على أنها نموذج للخدمة والعطاء والتفاني حتى الموت كما كان شعار ألفونسين. عام 1917, نقلت ألفونسين الى دير عين كارم, وهو بالأصل كما ذكرنا أعلاه المنزل الصيفي لعائلتها, والذي كانت أخذته الرهبنة لاحقا" وحولته الى ميتم. في يوم عيد البشارة وبتاريخ 25 اذار عام 1927, توفيت ماري ألفونسن غطاس بعد وعكة صحية. أعلنت ماري ألفونسين غطاس طوباوية, وهي المرحلة التي تأتي بعد الرهبنة, وتسبق القداسة حسب النظم المسيحية الفاتيكانية, عام 2009 في كنيسة البشارة في الناصرة, في احتفال مهيب أقامه الكاردينال أنجيلو أماتو ممثلا" قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر. وفي 17 أيار القادم 2015 , سيعلنها البابا فرنسيس قديسة في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان, وسط حضور دولي وساع, ومسيحي كبير, ورسمي فلسطيني كما هو متوقع. وتقول الاخت الراهبة أغاتا من دير راهبات الوردية في عين كارم ل معا ان الدير حاليا هو قائم بنفس بناء منزل عائلة القديسة ألفونسين, وأن غرفتها باقية كما هي بالضبط, ومحفوظة ممتلكاتها, وكتبها, ومذكراتها هناك كما هي وصولا" الى فراشها. وتضيف الاخت أغاتا ابنة مدينة نابلس ل معا, أنها تخدم حاليا في الدير, وتؤكد أن الدير وغرفة القديسة, مفتوحة أما المصلين وطالبي الشفاعة دائما". وجدير بالذكر أن المقدسية العربية ماري ألفونسين غطاس تنقلت خلال خدمتها للفقراء في عدة مناطق ومدن فلسطينية وفي الأردن, أبرزها القدس, بيت لحم, بيت ساحور, يافا, الناصرة, نابلس, الزبابدة, ومدينة السلط الأردينة, حيث أسست فيها ديرا عام 1889 ما زال قائما حتى اليوم. ونوضح هنا, أن هناك مراحل معينة لقضية التقديس لأي راهبة أو كاهن, تعتمد على وثائق رسمية, وشهادات, بل والأهم على حصول معجزة مرتبطة بالقديس نفسه, حسب التقليد المسيحي. واليوم, بعد 135 سنة على تأسيس راهبات الوردية, التي تضم فقط الراهبات العربيات من الشرق الأوسط, وفلسطين والاردن ولبنان تحديدا" كما هو حال الأخت الراهبة فيرجيني التي التقيناها في دير الورديات في القدس والتي هي من الجليل الأعلى أصلا" لكنها ولدت وعاشت في لبنان وعادت الى القدس لتخدم ضمن سلك راهبات الوردية كما قالت لـ معا. وتضم الرهبنة اليوم حوالي 250 راهبة, جميعهن عربيا ويعملن في البلدان العربية, فهن مقسمات على فلسطين, الاردن, لبنان, سوريا, الكويت, الامارات العربية وفي روما أيضا". للمزيد والاطلاع على جولتنا في أماكن حياتها وسيرتها, تابعونا ايام الاربعاء والخميس 13 – 14 ايار السابعة مساء على فضائية معا. بحث ومقابلة: رنا أبو فرحة |