وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نميمة البلد: من غزة صور مختلفة

نشر بتاريخ: 15/05/2015 ( آخر تحديث: 15/05/2015 الساعة: 11:16 )
نميمة البلد: من غزة صور مختلفة
الكاتب: جهاد حرب
زيارة غزة هي فرصة هامة ليس فقط للاطلاع على عين المكان ومشاهدة الدمار الذي حل بها بعد العدوان الاسرائيلي أو لمعاينة واقع الحياة ومعاناة المواطنين، أو تصويب انطباعات أو صور التصقت في الاذهان بل لاكتشاف ارادة الحياة والإصرار على الحياة رغم كل المعاناة طوال السنوات الماضية وصعوبات الحياة المختلفة. هذا المقال لن يفصح عن كل الصور بل سأحتفظ ببعضها إلى حين منها ما هو مؤلم، ومنها يفرح سأفصح عنها لاحقا أو تباعا.

ورغم كل المعاناة طوال السنوات التسعة الماضية، تجد اصرارا غير عادي لديهم للممارسة الحياة والتطلع للمستقبل غير آبهين للواقع بظلمه وشدة ألمه. والتطلع لا يعني الانتظار بل حركة قوامها الارادة والعزيمة والهمة لإنتاج المستقبل وتشكيله من خلال البحث عن طرق ومدخل لحل ازمتهم المستعصية على الحل عند السياسيين.

تجد الشباب والصبايا الحالمين في غد افضل وهم اكثر عزيمة لتحقيق ذلك مما يتوقعه أحد، على الرغم مما عاصروه من شدة وضيق. وتجدهم أيضا أكثر نضجا من سياسيي البلاد، اللاهثين لتركيز منصبهم وامتيازاتهم، في فهم استعصاءات الواقع، بل أيضا ابداع طرق للحياة.

تمرد المرأة في غزة نقطة تحول لم يفهمه أحد من السياسيين حتى اليوم بأنه نقطة تغيير أو هو التغيير بعينه، شخصيا عايشت هذا التمرد في بداية سنوات الثمانينيات من القرن الماضي في الضفة الغربية وبالتأكيد في قطاع غزة شاهده ابناؤها، و شاهدته في تونس سنوات حكم حزب النهضة في السنوات الاخيرة، وكذلك قد يحدث التغيير المنشود اذا ما تم استثماره لتطوير التوازن في المجتمع. اقصد هنا بالتمرد ادوات العمل الجمعي بتنوع المسارات والأعمال من التمكين الاقتصادي، ورفض الخضوع لاوامر السطة الحاكمة، وتبني طرق عيش، الى خرق حالة العزلة والتحييد التي فرضتها ليست الاحزاب الدينية بل أيضا العلمانية. فالمرأة الفلسطينية بفعالياتها المختلفة وأشكال عملها على اختلاف وتنوع مرجعياتها الفكرية ضامنة للمجتمع، وهنا أيضا لا ينبغي حشرها في مرجعية حزبية مقيتة أو شخصية أو كلاهما معا بل البحث دائما لتطوير هذا التمرد في اطار وطني بعيدا عن الاطر المتكلسة التي فشلت في الدفاع عن نفسها.

في المقابل تجد دمارا هائلا في مناطق مختلفة من القطاع خلفته آلة التدمير الحربي الاسرائيلي، وتجد أيضا وجوه اطفال وشيوخ علاها البؤس غير قادرين على التفكير بالمستقبل. أعادت مناظر الدمار للشيوخ مشاهد النكبة بلا مأوى؛ خيام وكرفانات ومدارس تأويهم، وفقدوا في لحظة واحدة كل ما استثمروه في حياتهم لإبعاد شبح النكبة عن ابنائهم، كما فَقَدَ الاطفال الامل بالغد وزاد خوفهم من المستقبل.

وتجد ايضا حنقا وغضبا وتحميل مسؤولية للإطراف المختلفة للرئيس وحماس وفتح والسلطة والحكومة دون استثناء فالكل به وجع ما ومكلم اغلقت أمامه مسارب الأمل، وانقطعت به السبل لموقف اتخذه أو لم يتخذه، أو لتقرير من غير مرجعية أو على خلاف شخصي، أو اعتقال أو تحقيق أو اهانه، أو لم يحصل على مساعدة. والاسئلة الاكثر ايلاما هي: كيف يمكن أن تصف شعور والدٍ لم يتمكن من جلب طعام اسرته، أو هروبه من امام طفله لعدم تمكنه من اعطاءه مصروف يومه؟ وكيف يمكن تبرر بيع امرأة لجسدها ليس دالتها إلا إطعام اطفالها! هذا غيض من فيض.

فَسَرَ سائق تكسي حال القبول بالأمر الواقع لليوم بتقسيمه المجتمع مُثالثة، الثلث الاول مستفيدا من الحالة، والثلث الثاني مترمل "أي يتعاطى حبوب الترامال" وغائب عن الوعي، والثلث الثالث خائف. قد لا اتفق معه في هذا التوزيع لكن هذا التفسير معقول وربما مقبول. لكن في ثلاثتهم تكمن بذور الانفجار لا التغيير، وإن بطرق مختلفة، وتنمو بوتيرة أكبر مع فقدان الامل وغياب الرؤية وضياع المستقبل. هذا الامر لا يعني أن لحظة الانفجار قد حانت لكن التراكم الكمي يؤدي الى تحول نوعي وفقا للمنهج الماركسي حينها لن يتمكن أحد من تحديد مسار الانفجار أو شظاياه. كما أن هذا الامر لا ينطبق على قطاع غزة بل ايضا على الضفة الغربية.