وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الفيفا وكرة القدم والفلسطينيون

نشر بتاريخ: 18/05/2015 ( آخر تحديث: 18/05/2015 الساعة: 14:04 )
الفيفا وكرة القدم والفلسطينيون
الفيفا وكرة القدم والفلسطينيون
الكاتب الاسرائيلي غيرشون باسكين

"طوال السنتين الماضيتين، دأبت الفيفا على حثّ الفلسطينيين على العمل بشكل مباشر مع الإسرائيليين لحلّ خلافاتهم".
بعد حوالي أسبوعين من الآن، سيصوّت 209 اتحاد عضو في الفيفا على طلبٍ قدّمه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لتعليق عضوية إسرائيل في الفيفا أو فرض عقوبات عليه.
قُدّم الطلب الفلسطيني لأول مرة قبل سنتين عندما رفع رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل الرجوب، إلى الفيفا شكاوى ضد إسرائيل تضمنت خروقات ارتكبتها إسرائيل ضد حرية حركة لاعبي كرة القدم الفلسطينيين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقييد حركتهم من وإلى فلسطين وفرض قيود على مشاركتهم في البطولات الخارجية، إضافة إلى القيود والعراقيل التي تضعها إسرائيل أمام بعض المنتخبات الأجنبية التي تأتي للعب في فلسطين (وخاصة المنتخبات العربية والمسلمة التي تمثل دول لا تقيم إسرائيل معها علاقات دبلوماسية)، ناهيك عن تغاضي إسرائيل عن السلوك العنصري المناهض للعرب الذي تشهده مباريات الدوري الإسرائيلي (وعلى وجه الخصوص المباريات التي يلعب فيها نادي بيتار القدس الذي تصدّح مدرجات جماهيره عادة بعبارة "الموت للعرب" أثناء المباريات، إضافة إلى التقارير الإخبارية التي تتحدث عن انتهاج النادي سياسة تحظر على أي لاعب عربي الانضمام إلى صفوف فريقه)، وكذلك وجود أندية من مستوطنات (غير شرعية حسب تعريف القانون الدولي لها) تلعب في الدوري الوطني الإسرائيلي على أراضٍ يعرفها الفلسطينيون على أنها أراضٍ تابعة لدولة فلسطين مما يشكل انتهاكاً واضحاً للنظام الأساسي للفيفا.

وقد دأبت الفيفا على مدى السنتين الماضيتين على حثّ الفلسطينيين على العمل بشكل مباشر مع إسرائيل لحلّ خلافاتهم. وفي تصريح أصدره هذا الأسبوع، قال رئيس الاتحاد الفلسطيني: "إن كان الاتحاد الإسرائيلي معنياً فعلاً بعدم تعليق عضويته، فيجب عليه إذاً احترام النظام الأساسي للفيفا والتوقف عن التصرف كجزء أساسي من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية".
وكان رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، اللواء جبريل الرجوب، قد التقى مع رئيس الفيفا، جوزيف بلاتر، في سويسرا لبحث آخر نتائج اللقاءات التي عقدتها الفيفا مع الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم فيما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية للوائح النظام الأساسي للفيفا والمضايقات المتواصلة التي يتعرض لها الرياضيين الفلسطينيين التي استنكرها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم مراراً وتكراراً. وقد قبل الرجوب الدعوة التي وجهها له بلاتر بعد الاجتماع للالتقاء برئيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم. وصرّح الرجوب بعد اجتماعه مع رئيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم قائلاً: "قبلنا الاجتماع مع الاتحاد الإسرائيلي تقديراً للجهود التي بذلها رئيس الفيفا جوزيف بلاتر من أجل تطوير لعبة كرة القدم في فلسطين.

لكن للأسف، ببساطة أكد الاجتماع أن الاتحاد الإسرائيلي يرفض التوقف عن التصرف كأداة للاحتلال الإسرائيلي أو احترام النظام الأساسي للفيفا. وقد بات واضحاً أن الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم غير مستعد للاعتراف بالاتحاد الفلسطيني لكرة القدم كاتحاد يتمتع بحقوق وواجبات مساوية لحقوق وواجبات الاتحاد الإسرائيلي، وأنه ما زال يخرق التزاماته التي قدمها للفيفا.

"وبالتالي، نحن مصممون على المضي في مسعانا الهادف إلى تعليق عضوية الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم في الفيفا خلال كونجرس الفيفا القادم المُزمع عقده في التاسع والعشرين من أيار/مايو الحالي. و إن كان الاتحاد الإسرائيلي معنياً فعلاً بعدم تعليق عضويته، فيجب عليه إذاً احترام النظام الأساسي للفيفا والتوقف عن التصرف كجزء أساسي من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية".

في المقابل، أنكرت إسرائيل جميع مزاعم الفلسطينيين، وأصدرت بياناً دعت فيه إلى استنفار كافة بعثاتها الدبلوماسية حول العالم لمواجهة الطلب الفلسطيني الهادف إلى تجميد عضويته في الفيفا أو فرض عقوبات عليها. وسيجري تصويت الفيفا على مشروع القرار بالاقتراع السرّي وهو ما يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لإسرائيل، لكن من أجل طرد إسرائيل من الفيفا، تحتاج فلسطين إلى 75% من الأصوات، وهو أمر غير مرجح الحدوث. ويمكن فرض عقوبات على إسرائيل بأغلبية بسيطة.

فوز فلسطين بالتصويت أو عدمه هو مسألة ثانوية، إذ يشكل التصويت بحدّ ذاته باكورة الجهود الدبلوماسية الفلسطينية لفرض عقوبات على إسرائيل. والقضية هنا ليست مجرد مسألة كرة قدم وحرية حركة اللاعبين، بل هي أكبر من ذلك بكثير وستأخذ حجماً أكبر فأكبر في المحافل الدولية التي تُستهدف فيها إسرائيل في الوقت الحالي. والقضية هنا بالطبع هي قضية استمرار الاحتلال وتعنّت إسرائيل في رفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في إقامة دولة مستقلة لهم إلى جانب إسرائيل.

لقد باتت جميع دول العالم تقريباً على قناعة بحتمية إقامة الدولة الفلسطينية وأنه حان أوان إنهاء سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني. وبما أنه لم يعد أحد في هذا العالم يرى فرصة في إيجاد حلّ عبر المفاوضات اليوم، فإن المجتمع الدولي سيتبنى الموقف الفلسطيني لممارسة الضغط على إسرائيل لتصل كل من الحكومة والشعب الإسرائيلي إلى قناعة بأن استمرار الاحتلال بات يشكل عبء لا يمكن احتماله أكثر ويهدد مصالح إسرائيل.

هذه هي القناعة التي يجب أن تصل إليها الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي بأن يتخلوا عن فكرة الهوية الديمقراطية واليهودية لدولة إسرائيل. وهذه هي القناعة الصهيونية التي يجب أن ندركها ونفهمها طوعاً، نحن شعب إسرائيل، دون أي ضغط دولي. ومن مصلحتنا التراجع عن السيطرة على الفلسطينيين وأن نعمل معهم لإيجاد حلّ سياسي لهذا الصراع وهو حلّ من شأنه توفير الأمن الذي تحتاجه إسرائيل ويسمح للفلسطينيين التمتع باستقلالهم وحريتهم التي يستحقونها.

لكن يبدو أننا في إسرائيل نحتاج إلى وقت طويل لندرك هذا، وبالتالي يجب علينا مواجهة الضغط الدولي المتنامي ضدنا. الفيفا ما هي إلا البداية فقط، وسيكون هناك خطوات أخرى قادمة بما فيها المقاطعة الاقتصادية التي سبق أن شهدناها من خلال صناديق التقاعد الأوربية التي سحبت استثماراتها من إسرائيل، والشركات التي انسحبت من مشاريع البنية التحتية في إسرائيل، ناهيك عن حملات المقاطعة الأكاديمية والثقافية. صحيح أن كثير من حملات المقاطعة والتعرية والعقوبات هذه لن تسبب ضرراً كبيراً لإسرائيل أو تأثيراً كبيراً على اقتصادها، لكن سيكون لها أثراً تراكمياً. أما التدابير التي ستأخذها منظمات مثل الفيفا، فستكون أكثر إيلاماً للعقلية الإسرائيلية. وعلى غرار ذلك، ستتنامى المشاعر المناهضة لإسرائيل أكثر فأكثر بين الرأي العام العالمي، ولأن الإسرائيليين يحبون السفر كثيراً، فإنهم سيُقابلون بمشاعر الغضب المتزايد تجاه سياسة إسرائيل التي تتبناها فيما يتعلق بفلسطين.

إضافة إلى ذلك، هناك حالياً فعلاً أحاديث تدور حول عقوبات محتملة في دول ليست مهمة بالنسبة لإسرائيل وحسب، بل دول تقف بشكل واضح في المعسكر المناصر لإسرائيل، مثل الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. صحيحٌ أن جميع دول الاتحاد الأوروبي ملتزمة التزاماً راسخاً وتاماً تجاه حق إسرائيل في الوجود وشرعيتها وحقّها في الدفاع عن نفسها ومحاربة الإرهاب، لكن هذه الدول الـ 28 ملتزمة أيضاً التزاماً كاملاً بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم إلى جانب دولة إسرائيل، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين، بل أنها تتبنى موقفاً واضحاً جداً ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية. وكان آخرها استمرار إسرائيل في بناء مستوطنات خارج "الخط الأخضر" مما سيدفع الأوروبيين حتماً إلى التوجه نحو فرض عقوبات ضد إسرائيل.

ولعل أكثر الخطوات إيلاماً ستكون إمكانية تغيير سياسة الإعفاء من استصدار فيزا لدخول الإسرائيليين إلى أوروبا. فعلى عكس الولايات المتحدة الأمريكية، لا يُطلب من الإسرائيليين استصدار فيزا قبل سفرهم إلى الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكنّ هذا قد يتغير بسرعة وقد يعمد الأوروبيون ببساطة إلى تبني السياسة الأمريكية في هذا الشأن التي لا تسمح للمواطنين الإسرائيليين دخول الولايات المتحدة دون استصدار فيزا.

السبب الرئيسي وراء عدم سماح الولايات المتحدة الأمريكية للإسرائيليين دخول أراضيها دون استصدار فيزا بذلك هو سياسات التمييز الإسرائيلية المطبقة على بعض حاملي الجواز الأمريكي، إذا يتم معاملة الأمريكيين العرب والفلسطينيين معاملة مختلفة عن تلك التي يتلقاها غيرهم من حاملي الجواز الأمريكي على الحدود؛ إذ تقوم إسرائيل بفصل الأمريكيين العرب والفلسطينيين عن غيرهم في طوابير الانتظار واحتجازهم واستجوابهم وتفتيشهم، وأحياناً تقوم بتفتيش حواسيبهم ونسخ قوائم الاتصال والبريد الإلكتروني، وفي أحيان أخرى لا يُسمح لهم بالدخول. والأمر ذاته ينطبق على حاملي الجواز الأوروبي، وإذا ما قرر الاتحاد الأوروبي زيادة وتيرة الضغط على إسرائيل، فإن مثل هذه الخطوة مرشحة جداً للتطبيق.

غيرشون باسكين هو الرئيس المساعد للمركز الإسرائيلي الفلسطيني للبحث والمعلومات (PPCRI)، وكاتب في صحيفة جيروسالم بوست.