وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ديزموند توتو يوجه رسالة إلى "يوم الكيرخنتاج"

نشر بتاريخ: 19/05/2015 ( آخر تحديث: 19/05/2015 الساعة: 17:59 )
ديزموند توتو يوجه رسالة إلى "يوم الكيرخنتاج"

بيت لحم- معا- وجه رئيس الأساقفة السابق بجنوب إفريقيا ديزموند توتو، رسالة مفتوحة إلى يوم الكيرخنتاج (Kirchentag) أي لقاء الكنائس الإنجيلية الألمانية، تلقت معا نسخة منها.

وفيما يلي نص الرسالة:
"أيها الإخوة والأخوات في المسيح أرسل إليكم جميعًا تحياتي الحارة من كيبتاون (Cape Town). لقاء للكنائس الإنجيلية الألمانية Deutscher Evangelischer Kirchentag)) هو تجمُّعٌ له مكانتها الخاصة في قلبي أنا الرجل المسنّ. لعب التجمُّع دورًا مثاليًّا ونبويًّا إذ أخذ بيد ألمانيا الحديثة، وقادها لتستخدم اقتصادها المزدهر وقوتها بصورة فعَّالة ورحيمة في سبيل العدل. أذكر كيف صارعتم، عام 1980، بضمائركم الحرّة فاتخذتم "موقفًا صريحًا" لنقض الأبارتهايد. وفي النهاية عملتم، ودفعتم بالاتجاه الصحح، فأغلقتم حساباتكم في البنك الألماني (Deutscher Bank) من جميع مشاريعه في جنوب أفريقيا. شكرا لكم.

تعرفون كم نحن مرتبطون بعضنا ببعض، كبشر وكعائلة بشرية واحدة، إخوة وأخوات، فنحن عائلة الله على الأرض. واليوم كثيرون منا لهم ارتباط بالصراع في الأرض المقدس، وهو صراع تمتدّ جذوره إلى الحرب العالمية الثانية، وهو سبب في خلل أمني على صعيد الكون كلّه، وهذا أمر لم يشهد العالم له مثيلا من قبل. بقدر ما نندِّد بمن يطلقون الصواريخ من فلسطين على أهداف مدنية في إسرائيل، نندِّد بردِّ إسرائيل العسكري واعتدائها على غزة، في السنة الماضية.

لم يكن الردُّ بقسوته غير متساوٍ مع الصواريخ الفلسطينية وحسب، بل كان استعراضًا وحشيًّا لاحتقار إسرائيل للشعب الفلسطيني. وإن العقائد، والقناعات الفكرية للقيادات على طرفي النزاع – إسرائيل وفلسطين- متباعدة جدًّا، فلا تقدر أن تلتقي في رؤية فيها ما يكفي من الرحابة لوقف دائرة العنف. لإن الجراح عميقة. وقد عبَّر مؤتمر كايروس فلسطين الذي انعقد في كانون الأول 2014، في الذكرى الخامسة لإطلاق وثيقته، عبَّر في بيانه عن همّه العميق لاستمرار الاحتلال وتوسّعه في الأراضي الفلسطينية. ففي عام 2013، تمَّت المواقة على بناء مزيد من البيوت للمستوطنين على أراض فلسطينية. وقد حذَّر البيان أن دينامية القمع والاستيطان المستمر ستجعل "أمرًا شبه مستحيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل" .


طلبت وثيقة كايروس فلسطين (في القسم السادس – كلمتنا إلى كنائس العالم) وألحَّت على الكنائس "أن تقف إلى جانب المظلومين وأن تحافظ على كلمة الله لتكون كلمة بشرى سارة للجميع، وألّا يجعلوا منها سلاحًا لذبح المظلومين". نحن، سكان جنوب أفريقا والألمان، نحن نعلم أكثر من غيرنا، من تاريخنا نفسه، أيَّ دمار يفرض صانعو الظلم والكراهية على أنفسهم. لأنّ الذين يملكون القوّة لاقتراف أعمال لاإنسانية يدمّرون بصورة عميقة أنفسهم وإنسانيَّتهم. فبسبب معرفتنا الخاصة لحقوق الإنسان وللعدل، أعتقد أن على بلداننا مسؤوليّة خاصّة للإسهام في بناء السلام الدائم والاستقرار في الأرض المقدسة. أليس هكذا يجب أن تعمل العائلات؟ إنه من واجبنا، كمسيحيّين أن نقف –دائمًا- إلى جانب المظلوم والمقهور والفقير والمتضرِّر والمـُخضَع لمعاملات جائرة. لا مكان بعد لآحاب ملك إسرائيل الذي سرق أرض الفقير. ألا يقول المزمور 99 :4 : " أَنتَ المـَلِكُ المـُحِبُّ لِلحَقِّ، فَإِنَّكَ أَنتَ أَقَمْتَ الاستِقَامَة، وأَجرَيْتَ فِي يَعقُوبَ الخَّقَّ والعَدلَ"؟
عام 2007، أصدر مجلس الكنائس العالمي "نداء عمان". النصّ طويل لسرده هنا. ولكنَّه، بعدَ أن استمع لصوت الكنائس المسيحية في فلسطين وإسرائيل، اختتم النداء بعدد من التحديات.

التحدي الأول هو العمل "على تحرير كلّ الشعوب في هذه الأرض من منطق الكراهية، والرفض المتبادل والموت، حتى يرى كل واحد، في وجه الآخر، وجه الله وكرامته". وقال النداء أيضًا: "ارفعوا أصواتكم مع أصواتنا إذ نقول الحق في وجه الأقوياء، وسموا بجرأة الأمور بأسمائها حين ترَون المظالم التي نراها ونختبرها. لقد سلب الاحتلال غير الشرعي حياة جيلين من الناس في مكان العذاب هذا، وهو يهدِّد الجيل القادم باليأس والغضب".

نشرت، في تموز الماضي، الهيئة المركزية لمجلس الكنائس "وثيقة عن الوسائل الاقتصادية وعن المسؤولية المسيحية تجاه إسرائيل وفلسطين". هناك حاجة إلى مبادرات شجاعة وخلّاقة من قبل الكنائس "لتصبح خادمة أفضل للعدل في مجال الشؤون الاقتصادية عندما تخالف القانون الدولي في الأراضي المحتلة".

وأخيرا يلاحظ بيان كايروس فلسطين في الذكرى الخامسة (2014): "نحن نلتزم أن ندعم نداء الكايروس في مجتمعاتنا وكنائسنا، وهو نداء يردّد نداء المجتمع الفلسطيني المدني من أجل فرض المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات كوسيلة مناسبة غير عنيفة لمقاومة إبداعية، حتى يوضع حد للاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي". المقاطعة ليست لاسامية. تعاملوا مع اليهود، وشاركوا في المشاريع معهم، وأحبوهم، ولكن لا تدعموا عسكريًّا ولا اقتصاديًّا ولا سياسيًّا آلة دولة الأبارتهايد. لا نستيطع أن نقيم المشاريع في الأرض المقدسة لأن الأوضاع فيها غير طبيعية بصورة كلية.


لطفًا، قولوا لحكومتكم إن الكلام وحده لا يكفي. ولا يغيِّر شيئًا. الردّ المناسب في مواجهة الظلم هو اتخاذ خطوات عمليّة للمواجهة ولاستئصال الظلم. هذا ما طلبه رئيس ألمانيا السابق، ريتشارد فون فايزسيكر (Ritchard von Weizsāker) ، ورئيس الكيرختاج (Kirchentag)، في رسالة إلى الاتحاد الأوروبي وقَّع عليها العديد من رجال الدولة الأوروبيين عام 2010. قال: "احذروا اللاسامية، وكل أنواع التمييز العنصري. ولكن احذورا أيضا الجبن والصمت بسب تهديد هؤلاء الذين يؤيدون سياسة إسرائيل القمعية ويقولون، هم، إنكم لاساميون. أسألكم أن تصغوا جيدا إلى ما يقول كايروس فلسطين.


إخواتنا وأخوتنا في المسيح في الأرض المقدسة لا يستطيعون أن يستفيدوا من التصريحات "المتوازنة" للسينودس، والمتضمنة عبارات الشفقة والمودة للظالم والمظلوم على السواء. إنهم يطلبون عوننا ليستعيدوا حريتهم الجماعية. أناشدكم أنْ انضمُّوا إلى حركة كايروس فلسطين، وارفعوا صوتكم لتضامن علنيّ لتحرير فلسطين حتى تكون إسرائيل أيضًا حرّة. شكرا لكم. والله يبارككم جميعا. مع محبتي.


رئيس الأساقفة السابق، ديزموند توتو،
كيبتاون، جنوب أفريقيا