نشر بتاريخ: 23/05/2015 ( آخر تحديث: 26/05/2015 الساعة: 17:15 )
بيت لحم- معا-دأب الجيش الإسرائيلي على التحقيق مع نفسه دون إدخال جهات قضائية أو تحقيقيه مستقلة أو كما يسميها " جهات خارجية " والمقصود هنا من خارج إطار المؤسسة العسكرية الأمر الذي أثار الكثير من اللغط والشكوك حول جدية هذه التحقيقات وصدق وموضوعية نتائجها الأمر الذي تجلى على شكل انتقادات حادة وجهتها المنظمات الحقوقية الدولية والإسرائيلية على جحد السواء .
وكان اخر الانتقادات وأشدها ما أوردته صحيفة " الغارديان " البريطانية " يوم 14/4/ 2009 على لسان ثلاثة من القضاة يعملون ضمن قوام لجنة " غولديستون" للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والذين وصفوا التحقيقات التي تجريها إسرائيل عبر مؤسستها العسكرية غير كافية وعاجزة عن استجلاء حقائق الأمور بالدقة المطلوبة
ولان موضوعنا لا يرتبط مباشرة بجدية وموضوعية التحقيقات العسكرية الإسرائيلية بل يتعلق بشكل اكبر بتركيبة منظومة التحقيقات محاولين إلقاء مزيد من الضوء على هذه المنظومة وتعميق المعرفة بها وبأساليب عملها قدر الأماكن عبر عجالة مختصرة ومركزة .
أنواع التحقيقات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية:
هناك نوعان من التحقيق أو نوعان رئيسيان من التحقيقات التي تجري داخل الجيش الإسرائيلي هما :
1- التحقيق عبر لجان "تحقيق خاصة " تبحث حالات معنية مثل أسباب فشل عملية عسكرية محددة أو أية قضية داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية .
2- التحقيق من قبل الشرطة العسكرية .
وتختص تحقيقات الشرطة العسكرية ضمن مجالين رئيسيين هما :
1- التحقيق مع الجنود والضباط حول مخالفات جنائية عادية مثل السرقات أو تعاطي المخدرات أو الهروب من الخدمة وغيرها.
2- التحقيق في شكاوى الفلسطينيين أو المدنيين المتعلقة بتصرفات الجنود والضباط خاصة في الأراضي المحتلة.
وفيما يتعلق بالفلسطينيين ضحايا الاحتلال تجري الشرطة الإسرائيلية تحقيقاتها بعد تلقيها شكاوى يصل معظمها عبر منظمات حقوقية إسرائيلية مثل منظمات " بتسيلم ، عدالة ، يش دين ، يش غفول" وغيرها من المنظمات الحقوقية الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان .
وتؤشر حقيقة تلقي شكاوى المواطنين الفلسطينيين عبر المنظمات الحقوقية إلى غياب آلية محددة يمكن للمواطن الفلسطينيين الخاضع للاحتلال تقديم شكوى ضد جنود الاحتلال إلى الشرطة العسكرية بسهولة ويسر فالمواطن الفلسطيني عموما يجهل آليات أساليب تقديم الشكاوى حتى لو أراد ذلك فلا يعلم من أين يبدأ والى أين يتوجه في مثل هذه الحالات وذلك لغياب أية جهود إسرائيلية تهدف إلى " إطلاع " الفلسطينيين على آلية تقديم الشكاوى ضد جنود الاحتلال وكان الجيش الإسرائيلي أوجد هذا الخيار نظريا لإرضاء جوانب قانونية ليس إلا فيما يتحدث الواقع اليومي عن غياب هذه المنظومة عن متناول يد الفلسطينيين الذين يقفون عاجزين أمام قوات الاحتلال باستثناء حالات رصدتها منظمات حقوقية وتولت أمر متابعتها قضائيا.
ووضع الجيش الاسرائيلي الكثير من المعيقات التي تحول بشكل شبه مطلق بين الفلسطينيين ضحايا الاحتلال واجهزة " التحقيق العسكرية " ما يبقى شكواهم حبيسة صدورهم .
وإمعان في التعقيد وفي حال نجح الفلسطينيون بجهوده الخاصة أو عبر مساعدة منظمات حقوقية بإيصال الشكاوى لا يتم التعامل معها فورا من قبل " الشرطة العسكرية " بل تخضع في البداية إلى تقييم لجنة تحقيق ميداني يقيمها قائد الموقع حيث جرت أحداث القضية على أن ترفع نتائجها إلى قائد المنطقة هو من يقرر مدى الحاجة لتحويل القضية إلى الشرطة العسكرية أم لا لكن المعطيات الإحصائية التي بحوزة المنظمات الحقوقية تؤكد أن غالبية القضايا يجري إغلاقها تحت سقف لجنة التحقيق الميداني ولا تصل مطلقا للشرطة العسكرية.
وواجهت هذه الطريقة انتقادات حادة أجبرت " النائب العسكري العام " على إصدار ما بات يعرف بـ "تعليمات مشددة تتعلق بالتحقيق في مقتل المواطنين الفلسطينيين" يلتزم الجيش بموجب هذه التعليمات بتحويل جميع قضايا القتل فورا للشرطة العسكرية للتحقيق فيها وذلك على ضوء ما اسماه الجيش والنائب العام بحالة الهدوء النسبي التي تعيشها الضفة الغربية والتي تسمح بتحويل هذه القضايا للتحقيق في الشرطة العسكرية وقد دخلت " التعليمات المشددة " حيز التنفيذ مطلع عام 2010 .
واعترف قائد الشرطة العسكرية الإسرائيلية "مئير اوحنا " اعترف يوم 14/4/2011 أمام لجنة "تريكل" المتخصصة بالتحقيق في قضية أسطول الحرية إلى جانب فحص آليات التحقيق بان غالبية الشكاوى الفلسطينية يجري إغلاقها دون تقديم لوائح اتهام ضد الجنود أو الضباط أو حتى دون إخضاعهم لمحكمة تأديبية .
واعترف العقيد " مئير " بان 6/9% فقط من مجموع الشكاوى الفلسطينية تنتهي بتقديم لوائح اتهام دون أن يذكر نسبة القضايا التي تنتهي بالحكم على الجندي أو الضابط المعني .
ورفض "مئير" فكرة مرافقة رجال الشرطة العسكرية لقوات الاحتلال أثناء العمليات التي تنفذها في الأراضي الفلسطينية وذلك " ضبط" سلوكها ووقف مخالفاتها وذلك رغم اعترافه بارتفاع عدد الشكاوى الفلسطينية حيث سجلت الشرطة العسكرية منذ مطلع عام 2011 فتح " 50 " ملف جنائي .
اهم القضايا التي حققت فيها الشرطة والنيابة العسكرية :
من اهم القضايا التي حققت فيها الشرطة العسكرية الإسرائيلية كانت جريمة قتل عائلة "حجو " من قطاع غزة التي فقدت في اليوم الثالث مما عرف بالعملية البرية التي شنتها إسرائيل على غزة والذي صادف يوم 15/1/2009 أربعة من أفرادها بينهم طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات فقط وأصيب 9 آخرين بينهم طفلة في الشهر السابع من عمرها برصاص الجنود.
ووفقا لصحيفة هارتس التي أودرت النبأ يوم 12/4 /2011 ينوي النائب العسكري الإسرائيلي إغلاق الملف دون توجيه اتهامات مدعيا بان الجنود لم يخالفوا التعليمات خلال إطلاقهم النار باتجاه العائلة رغم حمل أفرادها العلم الأبيض بشكل واضح جدا وموثق بالصور وضمن تقرير غولديستون .
وهناك المئات من الأمثلة التي تؤكد عقم التحقيقات الإسرائيلية الخاصة بمقتل أو الاعتداء على الفلسطينيين وهذا ما أكدته اليوم "235/2015" تقارير صدرت عن منظمة " يش دين " ومنظمة " بتسيلم " .
وجاء في التقرير بأنه وبعد فحص المنظمتين المذكورتين لنتائج مئات التحقيقات تبين أن منظومة التحقيقات القائمة في إسرائيل لا تتيح اجراء تحقيق جدي وفعال وان الإلية تعاني من إخفاقات هيكلية خطيرة تجعلها عاجزة عن إجراء أية تحقيقات مهنية.
ووفقا لتقرير المنظمتين الآلية القائمة حاليا غير مؤهلة للتحقيق في مسائل سياسية أو في انتهاكات للقانون من قبل أشخاص ذوي رتب عسكرية عالية في جيش الاحتلال لذلك فإنه من غير الممكن أن تؤدي هذه الآلية إلى محاكمة المسئولين عن هذه الانتهاكات.
واكدت المعطيات التي استند اليها التقرير ان قوات الاحتلال غير معنية بالتحقيق في انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبت بحق فلسطينيين من قبل جنودها وإن ما يعزز هذا الاستنتاج هو عدم تنفيذ توصيات لجنة "تيركل" بعد مضي عام ونصف على نشرها.
وتشير بيانات "بتسيلم" المتعلقة بـ" العمليات العسكرية الإسرائيلية " المتكررة ضد قطاع غزة في الماضي إلى فشل "آلية التحقيقات " في التحقيق بأحداث الحرب.
وتوضح المنظمة الحقوقية الإسرائيلية عبر عملية فحص للبيانات إن احتمالية محاسبة جندي تابع لقوات الاحتلال على خلفية شكوى تقدم بها مواطن فلسطيني لا تتعدى نسبة 1:4% وهذه هي النسبة التي ظهرت من خلال فحص مجمل الشكاوى التي وصلت للشرطة العسكرية الإسرائيلية في الفترة الواقعة بين 2010-2013 حيث انتهى 1:45 منها فقط لا غير بنوع من المحاسبة.
وأشارت منظمة " بتسيلم " إلى ثلاثة إخفاقات في آلية التحقيق المتبعة في الأحداث ذات السمة الحربية هي :
1- آلية التحقيقات غير معدة أو غير مؤهلة لاستكشاف الرتبة السياسية أو رتبة القيادة العليا للمسئولين عن مثل هذه السياسات والأوامر.
2- - المدعي العام العسكري الرئيسي يتصرف بازدواجية فهو الذي يقدم استشارة قانونية بشأن مشروعية الأوامر قبل وخلال الحرب وهو الذي يقرر في نهاية الحرب مقاضاة الذين انتهكوا القانون ونما يعني وجود تضارب مصالح واضح .
3- - تركز تحقيقات الشرطة العسكرية فقط على الجندي المتواجد على الأرض كما يحدث تأخير في فتح هذه التحقيقات والتحقيق العسكري يسمح للجنود " ترتيب " رواياتهم وفي الكثير من الحالات لا يصل المحققون إلى مكان الحادث.
وأخيرا أشارت منظمة " يش دين " هي الأخرى إلى إخفاقات هيكلية خطيرة شابت منظومة التحقيق العسكري الإسرائيلي خلال السنوات الماضية ما حولها إلى منظومة عاجزة عن إجراء تحقيقات جدية وتتميز بعدم الحرفية والجودة المنخفضة والمتمثلة بعدم القيام بأعمال التحقيق الأساسية إضافة للمماطلة والتأخير في فتح التحقيقات .
وتشير متابعة "يش دين" لآليات التحقيق والدعاوى العسكرية على مدى سنوات عديدة إلى أن منظومة التحقيقات الإسرائيلية تعاني من إخفافات هيكلية خطيرة، ما يجعل منها منظومة غير قادرة على إقامة تحقيقات جدية: عدم الحرفية والجودة المنخفضة لتحقيقات الشرطة العسكرية، والتي تتمثل في عدم القيام بأعمال التحقيق الأساسية، والمماطلة والتأخر في فتح التحقي
متابعة واعداد : فؤاد اللحام