|
فولتير والعرب!
نشر بتاريخ: 02/06/2015 ( آخر تحديث: 02/06/2015 الساعة: 12:07 )
الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب
فولتير مفكر فرنسى صاحب رسالة :مقالة فى التسامح، ومقولته المشهورة :قد أختلف معك فى الرأى ،لكنى مستعد لدفع حياتى ثمنا من أجل ان تدلى برايك. وهو عاش فى فترة الظلام الكنسى ، وطغيان هذه المؤسسة ومحاربتها لكل أشكال الإصلاح، مستخدمة سلاح الدين، والتفتيش، وصكوك الغفران، وفوضت نفسها أنها المسؤولة عن دخول الناس الجنة او حرمانهم منها.جاء فى زمن السلطة المطلقة للكنيسة التى وقفت فى وجه أى شكل من أشكال الدعوة للإصلاح السياسى وأساسه التنوير العقلى ، وإتاحة البيئة الحاضنة لهذا العقل لكى يفكر ويبدع ، وينتقد. ملخص مقالته هى الدعوة للحرية الفكرية ، وحرية العقل، وهى الطريق للحرية السياسية الشاملة ، وهى ألأساس لأى إصلاح سياسى حقيقى يقوم على الإنسان نفسه.
هى الفترة الظلماء من تاريخ أوروبا السياسى ، فكان لا بد من دور حاسم ومباشر من قبل المفكرين والفلاسفة من أجل التنوير والحداثة لأنهم يملكون سلاح العقل، ويقومون بدورهم فى توضيح زيف هذه السلطة ، وهذا الحق الدينى ،ويوضحوا مخاطر العلاقة بين عدم التكافؤ والتوازن بين السلطتين الدينية والزمنية ، جاءت مقالة فولتير لتضع أسس ألعلاقة بين هاتين السلطتين، وتدعو للفصل بينهما، وليس المقصود الفصل العضوى أو حتى الفكرى ، فالإنسان هو القاسم المشترك فى أى دعوة للإصلاح والتنوير والحداثة ، والدين عاملا مهما وحاسما فى ضوابط السلوك البشرى، ولا شك يلعب الدين دورا فى تحديد توجهات هذا السلوك، ولكن المقصود هو السلطة الدينية وجدواها، وعلاقتها بامور تتعلق بالعقل البشرى نفسه، وتتعلق بالحكم وهو شأن إنسانى يقوم على مفهوم المواطنة الواحدة.والفصل لا يهدف إلى إقصاء دور الدين. لقد كان هدف المقالة أبعد من حدود العلاقة بين السلطتين الدينية والمدنية ، هدفها ألأساس الدعوة لإحياء قيم التسامح، ونبذ التعصب الأعمى الذى لا يرى إلا الظلام والفكر الواحد وسط النور الفكرى.ولا يري إلا مسارا فكريا واحدا مما يعطل معه وظيفة العقل التى تباهى الخالق به، والقيام بدوره فى التأمل والإبداع ووضع الحلول لكل ما يتعلق بالحياة فى جانبها البشرى ، وبهذا الحجر للعقل تناقض وتعطيلا لأسمى الأهداف الألهية ، فكيف للإنسان ان يعمر الأرض، وهى وظيفة الإنسان على ألأرض، وعقله مقيد بهذا التعصب، ومنع اى دور للإجتهاد العقلى. وفى هذه الدائرة قد تلتقى أنظمة الحكم الدينية وأنظمة الحكم السلطوية الإستبدادية ، فكلاهما يقعان فى دائرة أنظمة الحكم الشمولية. القاسم المشترك بينهما هو الحجر على العقل البشرى ، وعدم منحه حق التفكير، وتحويل الإنسان إلى مجرد رعية منقادة ،تتلقى الأوامر والنواهى مما يعتقد انه يملك الحقيقة كلها . فى الحالة الأولى الكنيسة كانت تعتقد انها تملك الحقيقة البشرية كلها ، والشئ نفسه بالنسبة للحاكم فى النظم الإستبدادية هو من يملك الحقيقة كلها.وبالتالى ليس هناك حق فى النقد والإنتقاد، وليس هناك حق فى المعارضة ، فالحكم او من يمثل الحقيقة الدينية معصوم عن الخطأ ، والنتيجة الحتمية لا مجال للحديث فى أمور تتعلق بالحريات والحقوق، والمساواة المدنية ، وكأن الإنسان وظيفته فقط ان يأكل ، ومن ثم يتحول إلى عالم المخلوقات ألأخرى المعطل عقلها ، ولا تحيا إلا لتأكل وتشرب وتتصارع وتتقاتل. وتتفق هذه النظم فى الإعتماد على القمع الفكرى ، والتخوين ، والتكفير، والقمع الجسدى ، وكلها أساليب تتنافى مع الفطرة البشرية ألأولى. وهذه الحالة السياسية هى التى تقف وراء التراجع والتخلف بكل أشكاله التى عاشته وتعيشه المنطقة ، وهى التى تفسر لنا ايضا حالة التعثر والتراجع فى ثورة التحولات العربية التى توسم فيها الجميع المخرج من حالة الإنسداد الفكرى والسياسى التى تعانى منها دول المنطقة وشعوبها. وعادت هذه التحولات لتضع الجميع فى قلب زجاجة صغيرة وغير قادرين على التحرر من عنق الزجاجة لمرحلة الإنطلاق والإصلاح الفكرى والعقلى. بل ما يسود الآن من عنف ، وتعصب وقمع فكرى وعقلى ، ومنع الإقتراب من الحقيقة التى ما زالت حكرا على فئة معينة يعيدنا للحالة ألأوروبية ، ولكن بدرجات أشد قسوة وظلما. والسؤال أين المخرج؟ وكيف ؟ وآليات الخروج ؟ وكلها تساؤلات مشروعة ومطروحة ، ولقد كتب فيها الكثير، ولكنها ما زالت تحتاج إلى المزيد من النقاش والحوار الفكرى بين كافة النخب والعقول العربية. التشخيص قد يكون سهلا ، ولكن التغيير ليس سهلا ، فالتغيير الشامل يحتاج إلى تضافر عوامل كثيرة ، ويحتاج إلى رؤية شاملة وواضحة ، وتفهما للبيئة التى نعيش فى كنفها ، وتفهما لكل العوامل التى يتشكل منها العقل البشرى فى حالتنا الخاصة ، وقد تختلف حالة أوروبا عن الحالة العربية ، لكن تبقى القواسم والملامح واحدة من منطلق واحد ومشترك وهو ان النموذج الإنسانى واحد فى كل التجارب البشرية والتاريخية .فهل نحن فى حاجة إلى فولتير عربى ؟ ما نحتاجه هو الفكر والثقافة التى دعا لها فولتير وهذا هو طريق الإصلاح والتنوير والحداثة. |