وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حاجز الذّلّ

نشر بتاريخ: 02/06/2015 ( آخر تحديث: 02/06/2015 الساعة: 14:47 )
حاجز الذّلّ
الكاتب: عطا الله شاهين
يصطف المواطنون في طابور طويل تحت أشعة الشمس الحارقة لعبور حاجز مقيت .. يسير الطابور ببطء شديد.. النساء والرجال يقفون معا.. وأطفال يبكون من الجو القائظ .. تقف في الطابور امرأة عجوز تناهز الثمانين عاما.. يأتي دورها للعبور عبر بوابة حديدية أشبه بمعّاطة دجاج.. ومن ثم تدخل في بوابة أخرى .. يسمح لها الجندي بالدخول عبر بوابة الكترونية .. تدخل المرأة منهكة.. وبمجرد مرورها تبدأ البوابة بالرنين لأنها ترن على أي شيء معدني.. يزجرها الجندي الجالس في غرفة محصنة بزجاج مقاوم للرصاص ويقول لها اخلعي نعليّك.. فتقوم المرأة المسنّة بخلع حذائها .. ورميه في جهاز التفتيش.. فتعاود الكرّة وتمر من بوابة الجحيم كما تسميها.. ولكن رنين الجهاز يعمل صوتا.. فيعيدها الجندي مرة أخرى .. المرأة تصرخ على الجندي لم يبق عليّ سوى ثوبي الممزق هل تريد مني أن أخلعه..

الواقفون في الطابور يبدؤون بالتذمر والصراخ ، لأن هذا يأخذ وقتا كثيرا منهم ، وهم في عجلة من أمرهم .. فتصرخ المرأة العجوز على الجندي السّمج ، وتقول له : لن أمرُّ بعد الآن من حاجز أذلّني كثيرا.. وتعود المرأة إلى بيتها حزينة ، وتتوسّد وسادتها.. وتنام منهكة من مشوار ووقوف في طابور طويل.. وتحلم في منامٍ أزعجها بأن أجلها آتٍ وستمر روحها من الحاجز رغما عن أنف الجندي الوقح .. وحين تمر من جانبه ستوبخه بكلمات قاسية تجعله يندم ما دام هو يرزق حيا.. وستقول له : لن تمنعني بعد الآن من عبور وطني .. فأنا هنا باقية رغم أنني ميّتة.. عجوز مسنة تذللت لجندي وهي تستعد للانتقال إلى رمسها، الذي ينتظرها بعد حين ..

على حاجز الذّلّ يرى المرء العجائب ، ويصيب الناس الإحباط بشكل مستمر، ولكن لقمة العيش صعبة جدا، ويضطر الكثير من المواطنين للعبور عبر حاجز يتعمّد الجنود فيه بإذلال الناس ، والتلذذ باهانتهم ، كمشهد سينمائي لا ينتهي ... وهكذا مسلسل العذاب مستمر ...
ما أصعب أن ترى امرأة عجوز تتعرى على حاجز وتبقى صامتا.. فمشهد العجوز وهي تخلع ثيابها يكون حزينا وقاتلا ، ولكن ماذا على المرء أن يفعل؟ .. فقط يصرخ .. أو يضرب حجارة بانفعال.. فيُغلق الحاجز طوال اليوم .. وتعود إلى بيتكِ دون كسرة خبز لأطفالك ، الذين ينتظرونك بلهفة ، بعد غيابك عنهم .. فالمشهد اليومي للإذلال لم يبرح مكانه ، ومعاناة الناس مستمرة على حاجز يسكرُ جنوده من عذابات الناس.