نشر بتاريخ: 15/06/2015 ( آخر تحديث: 16/06/2015 الساعة: 12:46 )
بيت لحم - خاص معا - حظيت المرأة الفلسطينية بمكانة مرموقة وكان يضفى على صورتها نوع من القدسية لارتباطها بالأرض، فكانت بمثابة اسطورة وطنية، ومع التطور الهائل في وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، أصبحت أكثر عرضة للاستغلال كبقية السلع والخدمات يتاجر في عرضها وتمتهن كرامتها وتستغل انوثتها لتحصيل المال أو لتقديمها للرجل للترفيه والمتعة.
رأى استاذ الاعلام في جامعة القدس د.أحمد رفيق عوض في حديث لـ معا أن معظم الإعلانات التي تحمل صورة المرأة يتم استخدامها لتعزيز مفهوم "المرأة السلعة" وتحمل في طياتها ثقافة "جسد المرأة" لاقناع المستهلك بالسلعة، فمن التركيز على الجسد وجمالياته يتم التركيز على وضعية المرأة حيث تلعب الايماءات الصادرة منها دورا بارزا في جذب المتلقي، أما فيما يتعلق بالألوان فيعتبر عوض أنها من اعقد الأمور لاحتوائها على ايحاءات مختلفة، وأن كل فرد له تجربته الخاصة بالألوان، والناس بطبيعتهم يأوّلون الألوان بطريقتهم وتفسيراتهم الشخصية، ومن هنا تكمن خطورة الاعلان في أنه يربط كل شيء بفكرة الصياد والمتملك والقادر على الاستحواذ فالاعلان التجاري يخاطب أسوأ ما في المتلقي "عدوانيته، توحشه، رغبته في الاستئثار والاستحواذ والتملك" والمرأة هنا لا تلعب دور المسوق بل دور المحتل والمستحوذ فهي لا تسعى الى الجسد فحسب بل الى ما وراء الجسد.
من جهتها اعتبرت السيدة ايناس ادعيس لـ معا من واقع تجربتها كأم وزوجة أن هذه الاعلانات تؤثر بشكل سلبي على الأسرة على الصعيدين الاجتماعي والنفسي حيث تبدأ هذه المشاهد في تحريك غريزتهم الجنسية ويبدأ الطفل في اثارة مجموعة من التساؤلات التي قد تكون محرجة للوالدين، وبالتالي تحدث تضاربا نفسيا وانفعاليا عند الطفل وتدخله في مرحلة من التناقضات والصراعات الداخلية وتحرك فيه النوازع الفطرية التي تلهيه عن حاجاته واهتماماته الأساسية كطفل ويبدأ بالمقارنة بين المرأة التي يراها على الشاشة وبين امه وشقيقته، وكذلك الزوج قد يدفعه الاعلان للمقارنة بين المرأة بالاعلان وبين زوجته.
واعتبر استاذ الاعلام في جامعة بيرزيت د.وليد الشرفا في حديثه لـ معا ان النظرية التي تفسر ظهور المرأة بهذا الشكل المبتذل في الاعلان التجاري يرجع الى نظرية "المصلحة" التي تبحث دائما عن حالة غواية، يحاول المعلن "صاحب المصلحة" نقلها على امتدادها الى لقطات متوترة تقيم علاقات تجزيئية تتراوح بين ظهور المرأة مع جسدها في شقين الأول تظهر من خلاله كوحدة متكاملة وهذا يلاحظ في الاعلانات التي تتحدث عن الأم والأخت والعائلة وتبرز المرأة خلالها بالمستهلك والمنتج لفضاء واحد هو المطبخ، أما الشق الثاني يقوم على تجزيء جسد المرأة وتحضر أعضاء جسدها الأنثوي وتصبح أداة لنقل الغواية الى المتلقي مثل اعلانات العطور والشامبوهات والملابس.
أما من حيث التأثير على الفتيات وخاصة المراهقات منهن، تقول السيدة نعيمة موسى لـ معا أن معظم الاعلانات التي تظهر فجأة على شاشة التلفاز ومن دون سابق انذار تجعل المراهقة تقارن ذاتها وجسدها مع جسد تلك المرأة التي على الشاشة وتحاول تقليدها من حيث طبيعة اللباس والمواد التي تستخدمها من تجميل وعطور وشامبو، وقد تلجأ الى التشكيك بالقيم والمثل التي تعلمتها من الأسرة والمجتمع والمدرسة والانحراف الى عالم يصوره لها التلفاز بأنه أكثر حرية وانفتاحا وجمالا.
من جهته اعتبر أستاذ الاعلام د.نشأت الأقطش في حديث لـ معا أن هناك نقص في أدبيات الصحافة المحلية التي تهدف الى ترسيخ صورة الجسد وثقافته، وأظهار مدى تأثير هذه الصورة على ثقافة المتلقي للاعلان التجاري، الذي يستخدم الاغراء والترويج اما بالجنس أو بالتخويف، ففي الشق الأول يلعب المعلن على وتر المشاعر المكبوتة وفي الشق الثاني يلعب على وتر تخويف المتلقي كتخويف الأم مثلا على طفلها وصحته ان لم تستخدم منتوجا معينا
وأشار الأقطش الى خطورة هذا التواجد النسائي المفرط في الاعلانات التجارية باعتباره عملا استفزازيا غير مبرر حتى من الوجهة الاقتصادية ويساهم في تهميش المرأة واهدار كرامتها ودعم النظرة التقليدية لدورها في الحياة العامة، وانتقاص قيمتها كانسان فاعل، فضلا عن ترسيخ مفهوم أن المرأة قد صارت رمزا للجسد والاغراء الجنسي والمعايير الاستهلاكية. ولا شك أن الغالبية العظمى من الاعلانات تعتبر معاداة صريحة لكرامة المرأة وحريتها واستقلالها، فالمرأة تظهر في الاعلان مجرد جسد تحركه أصابع المنفعة من أجل الترويج للسلعة الاستهلاكية بواسطة دغدغة مشاعر المشاهدين واللعب على غرائزهم المكبوتة.
علاج ظاهرة انتشار النساء في الاعلانات التجارية يجب أن يتم من خلال تشريعات جادة أو قرارات من جانب مسؤولي الاعلام من أجل منع ظهور النساء في الاعلانات بهذه الصورة المبتذلة، ولهذه اللحظة لا يوجد قانون يجرم ولكن هناك أخلاقيات أتفق حولها المعلنون وجميعها ينص على تجريم ظهور المرأة بصورة مبتذلة وغير لائقة.
تقرير: سراب عوض