وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

جنين- ندوة بمناسبة الذكرى 85 لهبة البراق و"الثلاثاء الحمراء"

نشر بتاريخ: 17/06/2015 ( آخر تحديث: 17/06/2015 الساعة: 17:11 )

جنين - معا - نظمت محافظة جنين ووزارة الإعلام اليوم، ندوة لمناسبة الذكرى 85 لهبة البراق والشهداء: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، الذين أعدمهم الاحتلال البريطاني في سجن القلعة بعكا، والتي عرفت بـــ"الثلاثاء الحمراء".


واستعرض رئيس قسم التاريخ بجامعة النجاح الوطنية د.أمين أبو بكر، الأسباب المباشرة وغير المباشرة لهبة البراق، والظروف التي سادت فلسطين قبلها وبخاصة المتصلة بتسريب الأراضي للحركة الصهيوينة، وحكاية إعدام الشهداء الثلاثة، مستعيناً بسجلات المحاكم الشرعية، والروايات الشفوية، والرحلات، والمقابلات ، والمصادر الرسمية وغير الرسمية.


وقال إن صفد التي انحدر منها الشهيد حجازي، كانت تتبع إدارياً لعكا، فيما اختار الاحتلال سجن القلعة فيها، الذي أعاد أحمد باشا الجزار ترميمه، لما كان له من حضور مرعب، إضافة لسجن صرفند، وما تردده حولهما أن الداخل إليه مفقود والخارج منهما مولود، واحتجز فيهما الذين انخرطوا في ثورة البراق، وجمعهم من مناطق فلسطين المختلفة، وأصدر بحقهم أحكاماً قاسياً وصلت إلى الإعدام أو السجن المؤبد.


وتتبع أبو بكر أحوال فلسطين التي سبقت الانتداب البريطاني بين عامي 1917و1918، وما عاناه المواطنون من حالة حرب، وانتشار أسراب الجراد، والمجاعة، والتجنيد الإجباري، إذ تراجع سكان القدس من 110 آلاف إلى 50 ألف، في وقت وصل عدد الضحايا في بلاد الشام مليون ونصف.


وتابع: في عام 1921 نفذت أكبر صفقة بيع أراض لليهود في فلسطين، عقدها الإقطاعي اللبناني سرسق باشا، بنحو 90 ألف دونم، وبثمن بخس، وتحديداً في سهل مرج ابن عامر وعكا، تلتها صفقات أخرى في المنطقة الممتدة بين حيفا وطبريا، أعقب ذلك عمليات تهجير عام 1929 للمواطنين الفلسطينين( نحو 7000 عائلة) من 25 قرية كخنيفس والغوارنة وياجور والشيخ بريك والحارثية وجباتا، وأقيمت وقتها مخيمات في حيفا ودرعا بسوريا، وتحول سكانها لاحقاً لأحد أبرز المساهمين في ثورة عز الدين القسام.


وقال أبو بكر، إن هبة البراق كانت النواة لثورة عام 1936، وبخاصة أن اليهود الذين كانوا يطالبون من الدولة العثمانية السماح بزيارة حائط البراق، أخذوا يطالبون بأمور سيادية كبلدية القدس، واخذوا يشنون هجمات ضد الفلسطينيين، كما حدث في أبو كبير بيافا وصفد والقدس، مثلما طالب اليهود حكماً ذاتياً لهم عام 1910 ، وليصحبوا حكومة داخل حكومة الانتداب.


وتحدث عن نشاط الحركة الصهيونية في القدس، الذين طالبوا بممر إلى حائط البراق، وكانوا يدفعون 50 دينار ذهب سنويًا، لتأسيس أول مستوطنة واسمها مونتفيري أو الموسوية عام 1856، ليرتفع العدد حتى عام 1918 إلى 35 مستوطنة في فلسطين.


وأستعرض أبو بكر وثائق عن الشهداء والمعتقلين والمنفين خلال هبة البراق، وأخرى تتبعت واقع الصراع على الأرض بين المواطنين واليهود، والمحاكمات التي جرت، وكانت تتكرر في بعض الأحيان 15 مرة، إلا أن سلطات الانتداب لم تفعل شيئاً، وشاعت مقولة عن الفلسطينين( ليس لنا محام إلا الله)، للتدليل على انحياز البريطانيين الأعمى للحركة الصهيونية.


وكان فؤاد حسن حجازي (مواليد عام 1904) أول الشهداء الثلاثة الذين أعدمتهم سلطات الانتداب في سجن عكا عقب ثورة البراق وأصغرهم سنا. وقد لد في صفد وتلقى فيها دراسته الابتدائية ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت. وعرف منذ صغره بشجاعته وجرأته وحبه لوطنه.


أما محمد خليل جمجوم (ولد عام1902) فكان يتقدم المظاهرات التي تقوم في أرجاء مدينة الخليل احتجاجا على شراء أراضي العرب أو اغتصابها. وحينما أبلغهم الجلاد موعد تنفيذ الحكم بدأ محمد جمجوم ورفيقاه بإنشاد نشيد: "يا ظلام السجن خيم"، ثم استقبلوا زائريهم قبل إعدامهم بساعة وأخذوا بتعزيتهم وتشجيعهم وهم وقوف بملابس السجن الحمراء. وفي الساعة التاسعة من اليوم نفسه، نفذ حكم الإعدام شنقا به، وكان ثاني القافلة الثلاثية رغم أنه كان مقررا أن يكون ثالثهما، فقد حطم قيده وزاحم رفيقه عطا الزير على الدور الثاني.


بينما أبصر عطا أحمد الزير، النور عام(1895) في مدينة الخليل، وألم بالقراءة والكتابة، وكان يقرض الشعر أحيانا، وعمل في عدة مهن يدوية، واشتغل في الزراعة، وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسمانية، واشترك في المظاهرات التي شهدتها الخليل احتجاجا على هجرة اليهود إليها وإلى فلسطين. وفي ثورة البراق عام 1929 هب الزير مع غيره من سكان الخليل مدافعا عن أهله ووطنه، و يوم الثلاثاء 17/ 6/ 1930 الموعد الذي حدد لتنفيذ حكم الإعدام استقبل الشهداء زائريهم بملابس الإعدام الحمراء قبل ذلك بساعة. ثم طلب الحناء ليخضب بها يديه على عادة أهل الخليل في أعراسهم وأفراحهم، وقد طلب زميله ورفيقه محمد جمجوم أن يُشنق قبله، وفاز بأمنيته.


وعندما قاده جلاده إلى منصة الإعدام طلب أن تفك قيوده لأنه لا يخشى الموت، فرفض طلبه، وعندها حطم عطا الزير السلاسل بقوة عضلاته، وتقدم نحو المشنقة رافع رأسه مبتسما.


ومما كتبه في رسالته بلهجة فلاحية قبل يوم واحد من رحيله: "زغردي يما لو خبر موتي أجاك زغردي، لا تحزني يوم انشنق شو ما العدو يعمل روحي، أنا يما عن هالوطن ما بتفترق بكره بعود البطل ويضل في حداكِ حامل معو روحه ليقاتل عداكِ، لا تزعلي لو تندهي وينو عطا كل الشباب تردْ فتيان مثل الورد كلهم حماس، وجدْ لما بنادي الوطن بيجو ومالهم عدْ وفري دموع الحزن يما لا تلبسي الأسود، يوم العدا بأرض الوطن يوم أسود هدي شباب الوطن بتثور، كلهم عطا كلهم فؤاد ومحمد والشمس لما تهل لازم يزول الليل، يا معود فوق القبر يما ازرعي الزيتون حتى العنب يما والتين والليمون، طعمي شباب الحي لا تحرمي الجوعان، هدي وصية شاب جرب الحرمان اسمي عطا وأهل العطا كثار والجود لأرض الوطن واجب على الثوار جبال الوطن بتئن ولرجالها، بتحن حتى كروم العنب مشتاقة للثوار سلمي على الجيران سلمي على الحارةْ حمدان وعبد الحي وبنت العبد سارةْ، راجع أنا يما وحامل بشارَةْ، عمر الوطن يما ما بينسى ثوارَهْ، لما بطول الليل وبتزيد أسرارُه، وجرح الوطن بمتد وبتفيض أنهارُه، راجع بطلة فجر حامل معي انوارُه، حتى نضوي الوطن ويعودوا أحرارُه."


بدوره، قال ممثل المحافظ أحمد القسام إن الندوة جاءت لتسليط الضوء على جوانب هامة من مسيرة شعبنا، نظرًا لما تمثله الأرض من جوهر للصراع، وللاهتمام بالتاريخ الشفوي الذي يستعرض الكثير من الوقائع المرة.


من جانبه، قال مسير أعمال مكتب وزارة الإعلام في جنين عبد الباسط خلف، إن ذكرى جمجوم وحجازي والزير، تتقاطع مع رسالة الوزارة في التعبير عن المحطات الوطنية، التي تؤكد الثمن الباهظ الذي دفعه شعبنا في مسيرته نحو الحرية. وينقل رسالة التاريخ الشفوي للجيل الجديد.


وشارك في الندوة، التي عقدت في قاعة المحافظة، ممثلو مؤسسات رسمية وأهلية ونسوية وإعلاميون ومهتمون.