نشر بتاريخ: 20/06/2015 ( آخر تحديث: 20/06/2015 الساعة: 12:36 )
هنالك سلاح تراه إسرائيل أمضى وأفعل من الـ اف-16 والتدمير الشامل والاغتيالات، وهذا السلاح المسمى بالتسهيلات اكتشفته إسرائيل مبكراً، إلا أنها كانت تقتصد في استخدامه كلما انتعشت المقاومة الفلسطينية وبدأت تلحق الأذى في إسرائيل، ويبدو أن هذا السلاح يعود إلى الخدمة في أيامنا هذه، وأفضل مناسبة تراها إسرائيل لترتيب نتائج سريعة عليه هو شهر رمضان المبارك.
ومن سمع زعماء إسرائيل وهم يتحدثون عن هذا الشهر الفضيل ومدى احترامهم له ولأهله، يظن إن كان مجرد عابر سبيل، أن نوراً قذف في قلوب الإسرائيليين، وأن احترام الشهر الفضيل صار ثقافة متأصلة يتعين على الفلسطينيين والمسلمين عموماً، تقديم أسمى ايات الشكر والعرفان بهذه المكارم وهذه الهبات.
وبعد الإعلان عن سلسلة التسهيلات والتي توصف عادة بغير المسبوقة، بدأت عملية تسويق واسعة النطاق شملت العالم بأسره مع تركيز خاص على الأوروبيين الذين كانوا أصحاب الصوت الأعلى في انتقاد السياسات الإسرائيلية الخانقة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
ولا شك في أن هنالك من سيشتري هذه البضاعة ويعتبر سلسلة التسهيلات بمثابة رسالة حسن نية تصلح لأن يبنى عليها سياسياً باتجاه إحياء المفاوضات كهدف بحد ذاته خصوصاً بعد أن أغلقت الولايات المتحدة أبوابها تحت عنوان لن نتدخل إلا إذا تفاهم الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، وأمريكا تعرف أكثر من غيرها استحالة تفاهم الطرفين.
وإذا كان سلاح التسهيلات يسوق خارجياً على أنه تعبير عن حسن النية ونفي للتهمة التقليدية بالتشدد الذي يتميز به اليمين الحاكم في إسرائيل، فاإها تسوق أمنياً وخصوصاً تجاه غزة وفق معادلة جديدة أفصح عنها ساسة إسرائيليون كبار مفادها، كلما توقفت الصوارخ من غزة تتدفق الشاحنات من المعابر، وكلما اقتربت حماس من التماهي مع الضفة في مسألة التنسيق الأمني تتطور التسهيلات لتصل حد الحديث الجدي عن ميناء ومطارـ ويبدو أن السياسة الإسرائيلية تجاه غزة قد حسمت في هذا الاتجاه، وهنالك دول عربية وإسلامية وأوروبية لا تدعم فقط وإنما تشارك بصورة فعالة في تكريس هذه السياسة وتأمين إدامة طويلة الأمد لنتائجها وأفضل اسم تجري تحته هذه اللعبة الكبيرة هو التهدية الشاملة لخمس أو عشر سنوات على الأقل.
ومع أن مصادر عديدة من حماس تحدثت بتفاؤل عن هذا الذي يجري، إلا أنه لن يكون مضمون النتائج، فهنالك من داخل حماس من يقاوم الفكرة ويضمر خططاً لاحباطها، وهنالك من خارج حماس من يملك قدرات فعالة لتخريب هذه الصيغة من داخل غزة.
قد تكسب إسرائيل جراء سلاح التسهيلات الذي يعمل الآن بعض هدوء وبعض مزايا، إلا أن طريقاً كهذا لن يفضي إلى أي نوع من استقرار العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ذلك ان التجربة سجلت أكثر من فشل للتسهيلات المعزولة عن الحل السياسي المقنع للفلسطينيين، فالفلسطينيون جميعا يعتبرون حرية الانتقال للصلاة في الأقصى والقيامة حقاً بديهياً لهم ولا يقايضون هذا الحق بالتسهيلات، ويعتبرون جلاء الاحتلال والاستيطان عن اراضيهم هدفا وطنيا لا تنازل عنه حتى لو امطر الاحتلال سمناً وعسلاً.
إن اسرائيل عرفت طرقاً كثيرة وطويلة لاخضاع الشعب الفلسطيني بيد أن أقصرها ما يزال مستبعداً، والمقصود هنا بديهة إنهاء الاحتلال، ساعتئذ لا لزوم للمراوحة بين الأف 16 وشاحنات التموين، فمثل هذه السياسة لا تجلب إلا الكوارث إن لم تكن عاجلة فمؤجلة.
نشرت على i24