|
كل شيء يذكرنا بالحرب
نشر بتاريخ: 24/06/2015 ( آخر تحديث: 24/06/2015 الساعة: 14:26 )
الكاتب: هداية شمعون
كل شيء يذكرنا بالحرب. ابتسامة بعضهم العابسة لأنها مولودة رغما عن الوقت والزمن والذاكرة... بقايا عام بأكمله أكلته الريح أمام أعيننا.. الغضب اليومي كلما مررت بطريقك للعمل وأكوام الحجارة لازالت تسد طريقك فتذكرك ألف مرة أنه كان هنالك بيتا تصدح فيه أصوات الضحكات وغابت برحيلهم..
كل شيء يذكرك بأن عاما بأكمله قد اسقط من عمرك الزمني، وبقيت وحيدا لواحد وخمسين يوما إلا من ألمك وقهرك.. المؤلم حقا أن الغياب فرض سطوته فغاب الأهل عن الدار وغابت الدار عن الأهل.. مررت بعائشة وأنهكني حالها بعدما احترق جسدها النحيف ثلاثة سنوات بجسد محترق ووجه محترق ترتدي الماسك وتخلعه، تعلن غضبها مرارا، تتمرد تخلع الماسك وتبكي بحرقة، عائشة وبيتها المحترق والدمار الذي يخيم على مطلع نهارها كل يوم، ارتادت بيتها بضعة مؤسسات عدة مرات لعلاج طبيعي، عدة أيام من عام بأكمله كيف ستقضي هذه الأيام على خوفها.. على رعبها.. على رائحة جلدها المحترق..!! عائشة تذكرني بالحرب التي مضت وأصواتكم من بين الفرحة واستقبال شهر رمضان بلهفة وحنين تجدهم في كل لقاء للأصدقاء أو العائلة كنا هنا، حدث في هذا اليوم، هربنا من هنا، وركضنا هناك، نجونا نعم نجونا جسدا، وارهقنا روحا.. خليل جارنا لا يفتأ يذكر أخيه الشهيد كيف ينساه وقد سقط أمامه مضرا بدمائه أمام باب البيت يوم الجمعة السوداء!! تارة يضع صورة الصغير قرب البحر وأخرى في المدرسة وأخرى في الشارع حيث استشهد!! كيف يمكنه أن ينسى أنه فقده قطعة من روحه، البيت لم يعد كما كان.. نجا أبوه وأخوه لكن الصغير لم ينجو!! لازالت أبواب الخوف تطبق بأنفاسها على روح غزة الصبية الجميلة رغم اتساع البحر ورغم زرقة السماء ورغم الألوان المتلألئة وإيمان الناس بالحياة وبالحب إلا أن رائحة الخوف لا يمكن الكذب حيالها.. كبش فداء نحن وأسرى مهاترات وغنج حزبي سقيم.. الاحتلال هو الاحتلال كلنا يعرف معنى أن تكون محاصرا مضرجا بدمك والاحتلال يقطع تارة قدميك وتارة رأسك وتارة صوتك فيما أبناء جلدتك يتصارعون على مقعد وحقيبة وراتب..!! سخافة أولى الأمر تهدر أرواحنا أكثر مما تهدرها صواريخ الاحتلال!!.. كل يوم جديد يحمل فينا أملا وألما.. الألم ليس أن يقطع أحدهم رأسك بل الألم هو أن يتفرج على انهيار جسدك النحيل ويلتقط صورة وأنت في رمق أخير.. كلما كثر التعاطف معك كلما أمسكوا بتلابيب أنفاسك وباتوا قاتلا آخر يساومك على تضامنه معك وكأنك كنت في وعيك.. انت دائما أسيرا للمعتقل، أسيرا للسياسة، أسيرا للتضامن، لذا تعلم درسا قاسيا ألا تجعل الآخرين يذرفون الدمع عليك، لا تثير عاطفتهم ناحيتك كي تحافظ على مشاعرهم لا تجعلهم يبكوك.. ارحل بصمت واهمس للملائكة أو للشياطين لا تخاطب انسيا من بني جلدتك.. الحرب معلما في قلب كل غزي، ويرقة ترقد في روح كل صغير وكبير، ذهبت الحرب وأخذت معها الكثيرين أحبهم الله فاختارهم، لكن الذين لم يحبهم ظلوا يكتبون ويبكون ويحلمون ويحاولون ان يقاوموا قسوة الذكريات.. |