وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نركب البحر ونخشى من الغرق

نشر بتاريخ: 27/06/2015 ( آخر تحديث: 27/06/2015 الساعة: 22:25 )
نركب البحر ونخشى من الغرق
الكاتب: جواد بولس


قد يبدو قرار النائب باسل غطاس الانضمام إلى إحدى سفن أسطول كسر الحصار عن غزة، طبيعيّا، ولا يعدو كونه خيارًا طوعيّا فرديًا، وممارسةَ حق مكفول وفق جميع الأعراف والقوانين الوضعية والدولية، لكنني، ولأسباب سأسوقها لاحقًا، أرى أن هذه المشاركة تستثير بعض التساؤلات، وتستوجب تقييمها بأدوات تفكيك موضوعية ومحاولات تحليل لا تتأثر بما قد تستحوذه، بشكل شبه غرائزي عند البعض، من تعاطف سيبقى، برأيي، شعبيًا وينتشي، دومًا، على إغواء البرق في ليل شرق محلولك، ويطرب على هزيم رعد سماواتنا التي أدمنت استنشاق سحب من أبخرة مدعوشة ومنفّطة.
للدكتور باسل غطاس كامل الحق بأن يشارك في كل نشاط يختاره ويستهويه، تمامًا كما لكل البشر، فحقوقهم الأساسية في الحركة والتعبير عن الرأي والموقف وغيرها، يجب أن تبقى مصونة، مهما كانت خلافيةً أو غير مرغوبة لدى فئات أخرى، صديقةً كانت أم عدوة.

والتضامن مع غزة المحاصرة وأهلها، الضحايا المباشرين لاعتداءات جيش الاحتلال الاسرائيلي ولألعاب المصالح الكبيرة، واجب كل حر في العالم، ومن باب أولى من الأخوة وابن العم والقريب/الشريك في الفاجعة والملح وفي الأمل وعشق البحر وسلاطينه!

والتهديد الإسرائيلي باعتراض سفن الأسطول المبحر في اتجاه شواطيء غزة مقيت ومرفوض وهو يندرج في سياق ما تجيده آلة الحرب الاسرائيلية المحرّكة دائمًا بعنجهية تفوق أحلام الاسكندر وسطوة تبز سيل جنكيز الأهوج الغاشم.
ويبقى للقيادة شؤونها وطعمها المختلف،

فما أن أعلن النائب في القائمة المشتركة، باسل غطاس، عن عزمه الاشتراك في أسطول كسر الحصار الثالث، حتى بدأت تتدافع نباحات المحرضين من جوقات اليمين الفاشي والتي تتربص في العتمة وتنقضّ على كل جرح عربي وعصب مكشوف، وصار نباحها يستجلب النباح والعواء، فكبرت الجوقة وطفقت تهاجم كل بني عرب، وتعضّ بأنيابها وتدمي جسد أقلية عربية ما انفكت تداري جراح هجمات شرسة سابقة، وتستبشر العافية بظل وعد وأمل، بعد انتهائها من معركة انتخابات خاضها قادتها موحدّين في قائمة نوّرت وينتظر الناس إيناع أزاهيرها والجنى.
مع اشتداد حملة التحريض اليميني على النائب غطاس، اجتمعت القائمة المشتركة في الكنيست وقامت ببحث تلك الهجمة، وذلك كما جاء في بيان صدر عن ذلك الاجتماع، وفيه أكّدت القائمة أن الجريمة الكبرى هي الحصار الإسرائيلي لغزة، وحيّت جمهور المشاركين في الأسطول، وعبّرت عن دعمها ومساندتها لمشاركة النائب عن القائمة المشتركة في هذه الفعّالية، ودانت موجة التحريض، وقالت إن الحملة المسعورة هي محاولة لكسر شوكة النضال ضد الاحتلال.
أمّا رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، فبارك خطوة زميله غطاس لأن "من حقنا إنهاء الحصار ونعتبر كل خطوة من أجل إنهاء هذه الجريمة نضالًا عادلًا".
والقيادة فن وحكمة، ورأسها: الشجاعة واحترام العباد،

فمن يقرأ ذلك البيان يقف مشدوهًا مما غاب عنه وما تستر عليه وسكت. فالقاريء العادي يستنتج أن النائب غطاس قد قرر، من غير الاستئناس برأي زملائه، الاشتراك في رحلة الأسطول، واستدعى موقف المشتركة ومظلّتها، بعدما هاجت الأنواء وماجت السفن، فهو بهذا التصرف حشر، عمليًا، زملاءه وتركهم أمام خيارين: إما الإعراض والصمت، وإما التنادي والدعم، وعليه وأمام هجمة اليمين، صار دعم نواب المشتركة ومساندتهم لمشاركة زميلهم، تحصيل حاصل ونتيجة محتومة، وصار زميلهم يمثل القائمة كلّها!

يكشف ما جرى خللًا بنيويًا خطيرًا في طريقة اتخاذ القرارات في المشتركة ويضع علامات سؤال جدّية حول مسؤولية النائب الفرد أمام القائمة والمجموع، ومايمثله هذا المجموع من مصالح للأقلية العربية في البلاد؛ فإذا أصبح النائب غطاس يمثل، بقراره الفردي، موقف المشتركة، فلماذا لم يُبحث هذا القرار قبل إعلانه مستقلًا، علمًا بأن أغلب أعضاء القائمة لم يعرفوا بنيّته وقراره، وبعضهم دعي، مثله، للمشاركة ولم يستجب؟ وإذا كانت المشاركة في الأسطول فعلًا نضاليًا عادلًا، كما جاء في بيان القائمة، فلماذا تقاعس باقي أعضاء المشتركة، ولم يشاركوا في صنع ذلك النصر والفعل النضالي العادل؟
بعيدًا عمّا تشي به آلية العمل في القائمة المشتركة والتي تقترب بخطى حثيثة، لتصير قائمة تسيير أفعال تعتمد الجرجرة أوالانجرار، يبقى تفضيل عدم مناقشة خطوة فردية هنا أو قرار هناك، واقعًا مقلقًا وغير مطمئن، لا سيما عندما تتبنى القائمة مجموعة ذلك القرار الفردي، وتستهجن بعده انفلات اليمين عليهم، فليس من الغريب أن ينفلت اليمين، في كل مناسبة ومن دون مناسبة، بل العجيب أن لا يشكل هذا المعطى خلفية تؤخذ في حسابات النواب عند اتخاذهم لهذا القرار أو قيامهم بذاك النشاط.
وللتأكيد أوضح، انني لا أقترح، بالطبع، أن يسقف نشاط أقليتنا بميزان حساسية قطعان اليمين ومَن دونهم، بل أقترح أن يبقى الجواب على سؤالنا التالي هو المسطرة وكفة الترجيح: فما هي الفائدة الوطنية المتوقعة والممكنة والمكتسبة فعلًا لأبناء الأقلية العربية في إسرائيل، من هذه الوسيلة النضالية أو الخطوة تلك،لاسيما في معطيات وشروط معيشتنا المتغيرة للأخطر؟ فهذه المعطيات والشروط هي العوامل الأوضح لإجازة الفعل النضالي أو رفضه.
لقد تبنت المشتركة قرار النائب غطاس الفردي بعد أن غُيّبت عنه في البداية، وبذلك أصبحت مشاركته تمثل كل الأعضاء ومئات الآلاف ممن دعموهم في الانتخابات، وعليه لم يعد قرار النائب يعنيه شخصيًا أو يعني حزبه فقط، ولذلك، يحق لنا أن نتساءل عن الفائدة المباشرة أو غير المباشرة التي سيجنيها ابن جلجولية وعكا والناصرة ورهط من هذه المشاركة؟ فاذا كان الهدف هو التضامن مع شعبنا الفلسطيني، وهذا واجب غير موسمي، وإذا كانت القضية أن نساهم مع تلك القوى العالمية في استجلاب الضوء على عتمة غزة وفك حصارها، فهناك عشرات الطرق والوسائل كي نفعل ذلك من مواقعنا، ومنها،مثلًا، أن يبادر قادة الأحزاب وهيئاتهم القيادية بتسيير قوافل دعم واحتجاج من مئات السيارات والحافلات ولتتجه تلك المواكب نحو غزة، على غرار تلك القوافل من المرابطين والمجاهدين المناصرين للأقصى، وساعتها فليقمع القامع، وليشهد العالم علينا وعلى غزة وعلى كل حر مناضل أصيل.

لن يختلف وطنيان على ضرورة التضامن ومساندة غزة وأخواتها، ولكن على القائد الحكيم، أن يسأل، قبل اقتحام الموج والأهوال، هل سيجني مَن بأصواتهم صار هو قائدًا أي منفعة وطنية أو فائدة مدنية؟ ولأننا نعيش في مكان وزمان يحددان هوامش نضالاتنا ووسائل كفاحاتنا، علينا أن نختار من الخيارات ما هو صحيح ومجد وليس ما هو عادل فقط، فما نفع تضحيتنا إن أضافت ريشة على صدر شعبنا، وصارت قشة قد تقصم ظهر بعيرنا.

لربما استشعر أيمن عودة هذه المفارقة حين وصف خطوة زميله بالعادلة فقط، فهو، كأسلافه من العرب، يجب أن يعرف أنه، إذا رغبت "الملوك"عن الحكمة والإنصاف، فسترغب الرعية، حتمًا، عن الطاعة والإصغاء.