|
العروبة النازفة
نشر بتاريخ: 05/07/2015 ( آخر تحديث: 05/07/2015 الساعة: 13:36 )
الكاتب: تحسين يقين
حزن مغلف بغضب ورثاء وتأمل وبعض أمل!
لعلنا نحتاج إلى الكثير منه. لعلنا إلى الفعل أكثر احتياجا. الهم القومي العام هو همّ شخصي لكل عربي، ولا حاجة للإثبات، وهذا الوجع قريب، ويتنقل كالداء بيننا، كأس حسرات يتجرعها العرب، من بلد إلى آخر، وحتى نخلص علينا كأفراد وجماعات أن نعتبر ما يصيبنا قوميا هو كذلك شخصيا، فنبدأ من بيوتنا عملية اجتثاث لما نما بين ظهرينا من آفات فكرية أوصلت جزءا من أبنائنا للتورط بدمنا! من أين سنتلقاها المرة القادمة، فالحبل على الجرار، والضرب في الجسد العربي واحد، فهل سنملك ما نفعل غير التضامن الشعوري بيننا؟ بلاد العرب عزيزة علينا وغالية، هي بلادنا، وأهلها أشقاؤنا، وأية طعنة تصيب جسد بلد عربي تصيب باقي البلاد، فالخلاص واحد، والطريق واحد، لأن المصير واحد. منذ أن تراجع الاهتمام بالبعد القومي، تهشمت أقطارنا، وصرنا نطلب الخلاص بالوحدة الوطنية الداخلية لكل قطر، متناسين أن ما تتعرض له أقطارنا سببه التفتت القومي، فهلا عدنا لنلوذ بالحلقة القومية الأقوى من كل الحلقات؟ مصر! مصر التي قيل فيها أنها بلد الأمان، من تسول له يده بسلبها ما أعطى الله! ليست الأخيرة، وهذه هي المأساة اليوم وغدا، ما أجرم المصريون لتعبث يد خبيثة تخرب المشهد الاجتماعي والوطني، في أيام اجتماع الأسر في هذا الشهر الفضيل؟ مصر المحبة للحياة منذ كانت الحياة، كانت كذلك طوال أيامها، فانعكست طيبة المصريين على طيبة المواقف، فقدمت للعروبة ما قدمت وهي محبة، معتبرة أمننا الوطني أمنا قوميا لها، فمن يقدم على إرهاب شعبها وجنودها؟ أهم فعلا من بين ظهراني المصريين والعرب؟ أهم فعلا بشر بقلوب وعقول؟ أهي النزاعات؟ أهي تصفية حسابات على أرض الحضارة؟ من هو عدو الشعب المصري؟ تونس الخضراء، اليانعة، المحبة للحياة والجمال، ماذا فعلت من شرور لينقض عليها أعداء البهجة والجمال، ليحيلوا فرحها إلى غم، وهي البلد المسالم، البلد القوميّ، التي احتضنت العمل القومي سنوات، والتي احتضنت العمل الوطني الفلسطيني، لتكون محطة العودة، وتقرير المصير، وهي البلد الحضاري المنفتح على البحر بما فيه من ثقافة تنفتح على الشرق والغرب والشمال والجنوب، ما صنعت لتتلقى الطعنات؟ وهل منفذ الطعن في خاصرة الوطن التونسي الجميل يعرف ما يصنع من شر وجريمة؟ هل يدرك مدى قبح جريمته؟ ومن هو عدو الشعب التونسي؟ الكويت التي أعطت ما استطاعت ولم تبخل دولة وشعبا كريما، أيكون جزاؤها الضرب في الظهر؟ فمن الذي سولت له يده وعقله ليختار إرهاب الكويتيين وهم في صلاة روحية؟ ألم تشفع لهم وقفتهم بين أيدي الله! البلد المتزن والمعطاء، ما رأينا منها غير الخير والبركة والحب، ما رأينا كرها أو حقدا، بل فعلا كريما ودودا، ليس لأبناء العروبة فقط، بل لبلاد الله في كل مكان، فكل بلد احتاج ليد إنسان كانت اليد الكويتية تتواجد. هم مغيثو الملهوف فعلا، منذ كانوا، وكرمهم جميل لا انتظار مكافأة، فقط هو فعل إنساني نبيل، استحق على مدى العامين السابقين أن يتوّج البلد الإنساني عربيا وعالميا، ولم يكن ذلك ليحدث لولا ما قدم الكويتيون لأنفسهم، فمن هو عدو الشعب الكويتي؟ من الكويت إلى مصر إلى تونس، ما الدلالة التي يمكن قراءتها؟ واحدة، أن الوطن واحد والمصير واحد، ضرب للكويت على الخليج العربي وضرب مصر قلب الشرق العربي وتونس المغرب العربي، ضرب لجسد الأمة الواحدة وروحها، على طريق ضرب مستقبلها المشترك. العدو واحد وإن اختلفت الجنسيات والمنطلقات الفكرية الحاضنة للإرهاب، أكان من الخارج أو من الداخل، جبان من الخارج ونذل من الداخل، كلاهما أعداء للإنسانية وللقومية، لنا، لي ولك. ولن يقتصر الإرهاب على بلد دون سواها، بلد ستنتقل العدوى، إنه طاعون يصعب الخلاص والشفاء منها. فهل ستكون المواقف العربية على قدر العدوان؟ هل سنشهد تضامنا عربيا يعيدنا إلى العمل العربي المشترك من أجلنا جميعا، حتى نبقى؟ العروبة النازفة؟ نزيف الدم هو تتويج لنزيف الفكر والثقافة والموارد، نزيف الحاضر والمستقبل، والذي سيمتد إلى الماضي، ليعيث في قراءته ويشوهه، لنصبح بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل. نحن أكثر احتياجا لكل قطرة دم عربية، لكل يد تبني، لكل روح ترتقي بشعبها وأمتها، لكل ما يشحن حاضرنا بطاقة مستقبلية. الجبهة الداخلية هي حصننا القومي، وبيت قصيدها التضامن والعمل القومي، إعلاميا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا، وكل ما يعزز تحقيق الهدف يعدّ من مفاتيح الحماية. اليد التي تضرب عربيا، لن تتردد في ضرب أي عربي آخر، فهل سندرك ذلك مجتمعين؟ ومتى سندرك من أعماقنا أن ضعف بلد عربي هو ضعف للبلاد الأخرى؟ متى سنخلص من تكرار أسئلة القومية العربية؟ ما معنى النزف والنزيف؟ إذا لم يتوقف النزيف تنتهي الروح! إن استمرار النزيف العربي والذي يمثله رمزيا ودمويا نزيف العمليات الإرهابية، لا يعني إلا النهاية! نزيف أحمر ينضاف لنزيف اقتصادي هائل هو خسائر الدول العربية التي ستجعل دولنا مدينة، ومرتهنة للدول الكبرى، تبيح وتبرر التدخل الأجنبي ماليا وسياسيا. نزيف يقضي على الوفرة المالية حتى لدى الدول ذات الوفرة، للقضاء على أي مستقبل للتنمية العربية، للبقاء في الماضي، وليس أي ماض بل يتم اختياره على هوى المخربين، يعيدنا إلى الوراء سنينا بل عقودا، في ظل جري العالم وركضه بل طيرانه نحو المستقبل! ونحن هنا في ظل النزيف سيسهل علينا الاستسلام والتبعية وقبول صدقات العالم وتبرعاته التي تبقي علينا مجرد أحياء، في حياة غير حية، هي أقرب إلى الموت. العروبة النازفة! نزيف يقضي على الثقافة المستقبلية التي تلزمنا ونحن ماضون نحو المستقبل، نزيف في الفكر والفن والتربية والتعليم، يغيث في بلادنا فسادا، يستبدل ما تبقى من تنوير إلى جهل، يثير الخوف، فهل كان الإرهاب إلا تخويفا؟ فإذا تحقق هدف الخوف، فأي فعل سيقوم به الخائفون غير الموت من الخوف! نزيف روحي، في ظل تعدد المرجعيات البشرية والسياسية للدين، سيطول بحث الإنسان العربي عن الفطرة الدينية السليمة التي عشنا فيها فترات خصبة من تاريخنا، لإدخالنا وإعادتنا إلى حقب النزاع والشقاق التي أيضا عشناها من قبل، فلم يكن تاريخنا مشرقا كله كما نتصور، لذلك علينا أخلاقيا ألا نعود إلى تلك الحقب السوداء التي احتفلنا فيها وتعاركنا على ما يستحق التنازع! العروبة حين تنزف من جانب، يعني ذلك نزيفها من كل الجوانب، فهل نحن ندرك ذلك فعلا؟ حزن مغلف بغضب ينبغي أن يواكبه تأمل وتفكير بالخلاص القومي، وعدم الارتهان للانفعال الشعوري فقط. نحتاج الى الفعل الآن وغدا. نحتاج إليه جميعا. ما العمل؟ حسنا، إن الخلاص الوطني والقومي يسيران جنبا إلى جنب، يتكاملان ولا يتناقضان. للعقلاء في كل وطن أن يلتقوا لتكوين حكومات خلاص وطني، لوقف الفتنة والتي هي مرتع الاصطياد في المياه العكرة، إنها الأرض الخصبة للإرهاب. الخلاص الوطني إن يتم سيكون مفتاح الخلاص الحقيقي، ومن سيبادر إليه هو الوطني الحقيقي، وليس عيبا أن نلتقي، وليس شرطا أن نلتقي فكريا، لندع الاختلافات قليلا كذلك والشعور، في سبيل هدف سام، هو قطع الطريق على الفتنة التي لا تقف عند التفرقة بل تمتد نحو الفناء. كذلك يكون الخلاص القومي حين نؤمن بأننا معا، مصير واحد، وهذا ما يحتاج تكوين عمل دبلوماسي عربي نطلق عليه دبلوماسية الخلاص لتخلصنا من تناقضاتنا ونزاعاتنا، كما نحتاج إلى إعلام الخلاص وتربية الخلاص القومي، يتوج بمعل اقتصادي يقوم على منطلق الخلاص القومي. تلك هي طريق الخلاص لمن أراد أن يخلص ويخلّص! وكل واحد منا، فردا مواطنا او جماعة حزبا، بلدا دولة، تختار، لها مطلق الحرية في الاختيار، لكن عليها تحمل مسؤولية اختيارها الحرّ. لا يكفي أن نقول عاش العرب، أو حفظ الله بلادنا ما لم نقم بذلك نحن. فعل هو ما نريد. وما نريد غير الفعل. |