|
عام على العدوان.. عامٌ من وجع
نشر بتاريخ: 09/07/2015 ( آخر تحديث: 09/07/2015 الساعة: 11:43 )
الكاتب: هبة الوعري
اختنق قلمي كثيراً وتحشرجت الكلمات في حلقي وأنا أكتب هذا المقال؛ بعد أن طافت بي الذكريات إلى الأيام الصعبة من العدوان الإسرائيلي صيف العام الماضي وفصول الموت والرعب التي عايشتها غزة واختلاط الأشلاء بالأسماء، فآثار الحرب البشعة لازالت محفورة بدواخلنا جميعاً بقسوة أيامها ولياليها وحتى دقائقها وثوانيها..
عام مضى على العدوان الإسرائيلي الأشرس على قطاعنا الحبيب حيث تمر ذكراه الأولى هذه الأيام، عام على الذكرى الأليمة التي حملت لنا أقسى وأبشع الصور والمشاهد المروعة التي لن ننساها طوال سنين حياتنا.. عام مضى ولازالت غزة حبلى بالأوجاع والآهات والمآسي من جرحى يئنون ويرجون الشفاء من الله ونزوح وهجرة جديدة أعادت للأذهان هجرة 48 وركام ودمار حتى يومنا هذا فلم تسلم البيوت ولا المدارس ولا المساجد ولا المقرات الحكومية ولا المشافي ولا الأبراج السكنية وحتى مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة من القصف الذي زلزل غزة بأكملها خلال واحد وخمسين يوماً متواصلة قضيناها بالتحلي بالصبر والصمود والتحمل. كل بيت ودع شهداء حيث أزهقت أرواح 2142 مواطن وانضم حوالي 11100 إلى صفوف المعاقين وكل بيت طالته آلة الحرب الإسرائيلية حيث أخرج الاحتلال بعدوانه المسعور براً وبحراً وجواً على قطاع غزة 89 عائلة من السجل المدني بعد أن أباد أسر بأكملها وقُصفت منازلهم فوق رؤوسهم وهم آمنين لتصعد أرواحهم إلى بارئها. كل شيء يذكرني بالحرب فلم تخلو منطقة في قطاع غزة إلا وأصابتها آلة العدوان خاصة مشاهد الدمار والخراب في كل شارع وتأخر إعادة الإعمار فعندما أخرج في صباح كل يوم إلى عملي أرى الركام هنا وهناك فركام بيت جارنا المسيحي موجود حتى اليوم حيث قصفت طائرات الاحتلال منزله بصاروخ إرشادي تلاه صارخ أف 16، أذكر حينها فجعة الموقف وأنا أشاهد من نافذة منزلي انتشال الجثث بصعوبة بعد أن سقطت وتناثر كافة الألواح الزجاجية لنوافذ منزلي في البيت حيث انتشلت الطواقم الطبية والدفاع المدني جثة زوجته من تحت الأنقاض وجثة أخرى لشاب كان يسير على الطريق، كما وعُثر على العجوز صاحب المنزل ملقى على الرصيف من شدة الانفجار حي ولكنه فقد قدميه وأصبح مقعد على كرسي متحرك، فمنزلهم الصغير كان أمامه حديقة كبيرة مزروع فيها كافة أنواع الزهور والأشجار الجميلة، كنت أشاهده كل صباح هو وزوجته يسقيان الأزهار والورود في حديقة منزلهم باهتمام وعناية ثم يذهبان لتناول الإفطار في شرفة منزلهم الممتلئة بأزهار الزينة، ولكن صاروخ حاقد قضى على كل الأحلام والأماني وأصبح العجوز وحيداً بعد موت شريكة حياته. أيضاً على بعد عدة أمتار من منزلي أشاهد يومياً ركام المسجد الذي دُمر بالكامل ومع هذا لم ييأس أهالي الحي فقد أقاموا خيمة كبيرة أمام الركام للصلاة بداخلها، وعُدت أسمع من جديد صوت المؤذن يصدح عالياً.. فالله أكبر على كل المعتدين. كما يوجد بجانب المسجد ركام هائل لمصنع كبير لمواد تنظيف حيث تنبعث رائحة كريهة عن كافة هذه المواد بداخله فبعدما قصفته طائرات الاحتلال احترقت هذه المواد وتفاعلت مع بعضها البعض ولازالت الآثار باقية على الرصيف والشارع أذكر يومها تلبدت السماء بالغيوم السوداء من شدة الانفجارات التي حدثت بداخله من شدة القصف. قبل يومين ذهبت لزيارة إحدى قريباتي في منزلها الملاصق لبرج الظافر (4) هذا البرج الضخم المكون من 14 طابق سوي بالأرض تماماً وقفت برهة من الوقت وأنا أنظر إلى مكانه وأنا شاردة في ذهني فقد سقط هذا البرج وانهار مثل ألعاب الفيديو والكرتون. حقاً كل شي يذكرني بالحرب, وكل شارع يذكرني بالحرب وكل يوم يذكرني بالحرب خلال سويعات النهار القليلة التي أخرجها من منزلي إلى العمل حتى العودة مرة أخرى إلى المنزل أستذكر بها كل شيء مؤلم عن العدوان كل شيء..... وحتى جارتي أم محمد فكلما أراها تفيض أدمُعِي وجعاً عليها فحسرة قلبها على ابنها الشهيد تجعل كل حديثها دوماً عن أجمل الذكريات التي جمعتها معه وكيف تلقت خبر استشهاده فمحمد ابنها الوحيد أنجبته بعد 14 عاماً من الزواج ذهب إلى المسجد في ليلة القدر حتى يقوم الليل وحينها قُصف المسجد واستشهد هو ومن فيه. حيث تزامن العدوان الإسرائيلي الشرس العام الماضي مع بداية شهر رمضان المبارك شهر الرحمة والمغفرة، حيث ارتبطت ذكرى الحرب الأليمة بقدوم هذا الشهر الفضيل فمع قدوم شهر رمضان قبل اثنان وعشرون يوما استذكَر صغاري ذكرى الحرب وقالوا لي (ماما هي اجى رمضان امتى الحرب راح تيجي عشان نروح ننام في أأمن غرفة بيتنا متل السنة الماضية)!! حتى الصغار أصبح الأمر عالق في ذهنهم أنه عند حلول شهر رمضان يجب أن يصاحبه عدوان!! من أكثر المشاهد المؤلمة التي أثرت فيّ حد الاختناق ولامست كل جوارحي بعد تدمير حي الشجاعية والتي شاهدتها عبر التلفاز خلال أيام الحرب وتحديداً خلال فترات التهدئة عندما وقف مسعف فوق ركام هذا الحي المدمر ويصرخ بأعلى صوته ويقول: (في حدا عايش)؟ على أمل أن يجد من يسعفه ولكن ..... حقاً كان مشهد تقشعر له الأبدان. وهنا أستذكر هول المشاهد البشعة وقت نزوح أهالي حي الشجاعية وإبادة المئات من أهالي الحي ومشاهد الألم هناك، فقد بكى كل شي بداخلي قبل عيوني من هول المشاهد حيث أُبيد هذا الحي عن بكرة أبيه وقتل فيه أطفال ونساء وشيوخ كانوا آمنين في ليلة من الأجدر أن تؤرخ مآسيها وعدد الشهداء فيها في موسوعة جينيس للأرقام القياسية. من أكثر المنشورات المؤثرة والمعبرة التي شاهدناها جميعاً وتداولها نشطاء الفيس بوك والتي لازالت عالقة في أذهاننا بعد مرور عام على العدوان منها: (أمواتنا الراحلون رمضانكم في الجنة أجمل، تكبيرات المواطنين داخل المسجد الأقصى المبارك بعد سقوط صواريخ المقاومة داخل القدس لأول مرة، في غزة أكثر ما يشتهيه الأب أن يدفن ابنه كاملاً، الناس بتشتري ملابس العيد وغزة تشتري كل دقيقة كفن لشهيد، وأصبحت غزة المدينة التي لا تنام وراحت عليكي يا نيويورك، عرسان زفوا في يوم واحد إلى حور العين، إخلاء مطار بن غوريون، بنك الأهداف الاسرئيلية، الزنانة مش ضايل إلا إنها تيجي تتمشى عنا بالبيت، إقامة الأفراح في مراكز الايواء).... حقاً من يقرأ هذه العبارات والجمل يستذكر تلقائياً الحرب بكل حذافيرها. الشجاعية, المنصورة, بغداد, المنطار, النزاز, الشعف, خانيونس, الزنة, خزاعة, حي البرازيل, رفح, ستبقى أسماء المدن والأحياء والشوارع المنكوبة محفورة في أذهاننا للأبد وسيؤرخ التاريخ المجازر والدماء التي أريقت على أرضها كما أرخ من قبل مجازر صبرا وشاتيلا. |