|
دراسة فلسطينية : 14% من الشباب الفلسطيني يفكرون بالانتحار
نشر بتاريخ: 14/07/2015 ( آخر تحديث: 14/07/2015 الساعة: 11:54 )
الكاتب: نسرين عيسى جرادات
يمثل الانتحار قمة التراجيديا الإنسانية على مسرح الحياة، حيث يكون فيها بطل المشهد هو القاتل والقتيل في الوقت ذاته ، وأصعب اللحظات هي لحظة تنفيذ قرار الانتحار، تلك اللحظة التي تمثل ذروة المأساة الإنسانية ، حين يختار الإنسان بإرادته الحرة أن يودع الحياة بعدما فقد كل أمل فيها، في حين المجتمعات الإنسانية ترفض خيار الانتحار كحل لازمة الوجود الإنساني ...
لقد شهدت فلسطين مؤخرا ارتفاعا ملحوظا في حالات الانتحار مقارنة بأعوام سابقة ، والشباب هم الفئة الأكبر من بين الذين يقدمون على الانتحار ، فمنذ بداية العام 2015 وفقا لمؤشرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغ عدد محاولات الانتحار حوالي 312 حالة ، من بينها 8 حالات كان مصيرهم النتيجة الحتمية للانتحار وهي الموت الفعلي ، وهذا نتيجة لشباب حاصرتهم ضغوط الحياة فوضعوا حدا لإنهاء ماساتهم ومعاناتهم ، وعليه باتت ظاهرة الانتحار تكشف عن وجه جديد للموت ، وباتت تشكل خطرا على مجتمع له خصوصيته المختلفة عن باقي المجتمعات الأخرى . وفي دراسة بحثية أعددتها تعتبر من الدراسات الأولية التي تكشف عن مستوى انتشار الأفكار الانتحارية بين الشباب الفلسطيني في مختلف محافظات الضفة الغربية، و تبين من خلالها وجود عدة مؤشرات هامة منبئة في تكوين التفكير الانتحاري ، أن الشباب الذين فكروا بالانتحار بلغت نسبتهم 13.9 % ،بينما بلغت نسبة الأشخاص الذين لديهم خطة واحدة على الأقل للانتحار 10.6 % ،و التحدث مع احد الأشخاص حول محاولة الانتحار جاءت بنسبة 7.8 % ،ونسبة لا تقل عن 10.2 % لديهم خطة جدية للتفكير بالانتحار في المستقبل، وأكدت الدراسة علاقة التفكير بالانتحار بالعديد من الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب اللذان يعتبران من عوامل الخطر المنبأة بتشكيل التفكير الانتحاري ، وتبين أن نسبة لا تقل عن 49 % لديهم قلق و نسبة 44.6 % يعانون من الاكتئاب . إن وجود خطة واحدة على الأقل للانتحار ، ومحاولة سابقة أو أكثر يعد مؤشرا خطيرا ، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن ما يقارب 80 % من الذين نجوا من الانتحار ، قاموا بمحاولات سابقة وهذا ما يسمى بإنذار احتمال الانتحار إذا ما أصيب بصدمة شديدة أو بدت عليه أعراض عدم الارتياح والضجر واليأس ، يعود لكثرة الضغوط الحياتية والمعاناة ، وعدم قدرة الفرد على مواجهة متطلبات الحياة ، وبالتالي انهيار القدرة على التعامل مع هذه الضغوط وانهيار التوازن النفسي . إن طبيعة المجتمع الفلسطيني المتمثلة بكونه مجتمعا يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي جعلته عرضة للعديد من الضغوط النفسية والاجتماعية والسياسية ، مما انعكس سلبا على أفراد الشعب الفلسطيني الذين أصبحوا يعانون من العديد من الاضطرابات النفسية المتعددة، ولا سيما الأسباب السياسية هي احد العوامل الرئيسية التي تساهم في حدوث الاضطرابات عند الشباب الأمر الذي يساهم بشكل أو بآخر في خلق أفكارا تهدد مصير الفرد وإنهاء حياته . فالشباب الفلسطيني في حالة تحدي وصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يضع العديد من العراقيل والصعوبات ، مداهمة واعتقال ومطاردة من جهة، وصعوبة في مواجهة متطلبات الحياة من جهة أخرى . و عند النظر في الدوافع الحقيقية للتفكير في الانتحار نجد أنها أيضا تعود لدوافع عاطفية ونفسية ومادية، أدت إلى شيوع تلك الأفكار للتخلص من الحياة ، والتغييرات الاقتصادية التي تتمثل في غلاء الأسعار ، وانتشار البطالة وتدني الأجور ، مما سبب صعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية للعيش ، ناهيك عن عدم الاستقرار النفسي للشباب، والمشاكل العائلية وغياب الرعاية الأبوية والفقدان ، فيعتبره الملاذ الوحيد للتخلص من الضغوط الصعبة وعدم القدرة على مواجهتها . وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نسبة الشباب في المجتمع الفلسطيني ضمن الفئة العمرية ( 15 – 29 ) سنة بلغت حوالي 30% ، وهذا يعني أن المجتمع الفلسطيني مجمع فتي ، فلابد من إبراز دور الشباب واستغلال طاقاتهم بشكل ايجابي ، لمواجهة متطلبات الحياة والصمود أمام احتلال غاشم ، بحيث تعمل بشكل شمولي لتطوير وتحقيق آمال وطموحات شباب بات يحارب من اجل البقاء واثبات الذات في ظل إمكانيات محدودة . فالانتحار بات قضية تؤرق العالم في الوقت الحالي ، والشباب بحاجة إلى توعية ، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في فلسطين عززت بشكل أو بآخر حالة الإحباط والتهميش ، وتمرد الشباب لقلب طاولة الواقع وتغييره ، للتخلص من الآم وضغوط وهموم ترهقهم . ولحماية الشباب الفلسطيني، يتوجب على مؤسسات المجتمع المحلي الرسمية وغير الرسمية تكثيف الجهود لنشر الوعي بخطورة السلسة الانتحارية ، وتوفير شبكة دعم وحماية للشباب وتوفير البرامج والخدمات الإرشادية والنفسية لتوعية جيل فتي لمواجهة مشاكل الحياة وتحدياتها بطرق سليمة . |