|
العيد المقنّع...
نشر بتاريخ: 18/07/2015 ( آخر تحديث: 18/07/2015 الساعة: 07:21 )
الكاتب: عيسى قراقع
لا أريد ان ارى بيت لحم، المدينة الذهبية المضيئة والمشعة تحترق، ولا اريد ان ارى اليسوع تشتعل فيه النار مرة أخرى، لا اريد لشوارع مدينتي ان تمتليء بالدم والغبار ورائحة الدخان في صباح العيد المبارك.
لا اريد لشهر رمضان ان يتحول الى شهر للثار العائلي، والغضب الاجتماعي، ولحوادث السير الجنونية التي ادت الى سقوط القتلى، وقبل ساعات من موعد آذان الافطار ونزول الملائكة. لا اريد لمدينتي الكبيرة ان تصير صغيرة، محاصرة بين الثقافة القبلية ومستوطنات وحواجز الاحتلال، تضيق وتضيق حتى يلفظ البشر الانفاس، او يندفعون الى الجنون في هذا القفص المحاط بالذئاب. لا اريد ان اسمع خبرا اسود يأتي من السجن، عن سقوط اسير مريض بالسرطان او مضرب عن الطعام ، وتتحول ساحة البيت الى نواح خافت، ويوم العيد الى جنازة بلا حدود. لا اريد ان اظل مكبلا بالاصفاد، ارى الاطفال يعدمون بالرصاص، والاشجار تموت في الحقول، والقدس تمتليء بالعباد، ولكن بلا صلاة. لا اريد ان تكون خطواتنا في الحياة ثقيلة، مرتجفة، حائرة بين ان نكون اسيادا حينا، وعبيدا حينا آخر، أريد ان نبتعد عن القشور، والكلام لأجل الكلام، ونلمس الواقع بأصابعنا، ونشم رائحة الطين في اجسادنا، اقدامنا في الارض، نقول للبحر مرحبا، وللشقاء كيف حالك. لا أريد ان يستمر سقوط العمال عن سقالات العمل، والمرضى بسبب الاخطاء الطبية، والفقراء الذين يتم اصطيادهم باكرا وهم يتسللون عبر الجدار الى داخل اسرائيل، لأجل لقمة العيش او الموت او السجن. لا أريد ان ارى موائد ضخمة تطفح بالطعام الكثير، وهناك في تلك الناحية، قرب الحارة، وتحت عيني، اناس لايملكون رغيف الخبز، او زيارة مسؤول كبير، أو تحية تشفي الجوع. لا اريد ان ارى في شوارع مدينتي هذه(الفنطزات) من المرافقين والحراس والوشوشات والضجيج، البعيدة عن البساطة والثقة ونقاوة القلب، وجمال الضحكة التي تشبه القرنفله. لا اريد ان نغني خارج غلاف القلب واسوار القدس، للشهداء والاسرى، ونطمرهم بالشعارات والموسيقى الحماسية، علينا ان نتوحد في الذات معهم روحا و كلمة، وان لا نقع في فخ العدمية، والطقوس الخالية من الحب. لا اريد ان يبقى الآلاف داخل السجون، حسرات ومؤبدات، بل ان يدق الجميع الجدران، ويقلعوا الخوف من انفسهم، لأسمع اجراس الحرية عالية عالية، طوفان وطوفان. لا اريد ان نكون مستهلكين، ادوات تجميل لهذا المحتل البشع، سوق رخيصة لجيشه ومصانعه ووكالاته وشركاته، ينحرنا، يشرب من ماء اجسادنا، يتضخم فوقنا وتحتنا، ونحن صامتين. لا اريد لهذا الموت ان يتبخر، وان يفلت الجناة والمتطرفون، جنرالات الحرب الذين حولونا الى ضحايا دائمين في التاريخ الحديث، اريد ان اراهم امامي في قفص المحكمة الدولية، عيناي تعرفهم، وصوتي الداخلي يذكرهم كثيرا كثيرا. لا أريد لهذه المراة ان يحاصرها السكين، ويسلخ احلامها هذا الرجل الصنمّي، الذي يعلن ذكورته على الماء والسماء، ولا يثق حتى بالبحر. لا اريد ان يبقى هذا الواقع مزدوجا، انا داخل الجدران، وحبيبتي خارج الجدران، وما هو اسوأ من ذلك، اننا الاثنين نحمل السجن في انفسنا. لا اريد ان نبلغ حدّ القتل، الحياة واسعة لنا، ونستطيع ان نقضي صيفا آخر، وشتاء آخر، متدفئين بغضبنا الاكبر ورجائنا المقدس، ولن نكون مهزومين، لأن هناك حب للمراة في العجين ، ودم في الشرايين. في هذا العيد المقنع، الطرق لا تزال تطير في بلدي حول تمثال المسيح المعذب، الضوء يتحول احيانا الى قناع تلبسه الاظافر، ننجو بالحظ كل دقيقة، ونسخر من الدلالة التي توصلنا الى الممكن، هو العيد، وهي حبيبتي ، وردة ترتل الضوء والحب في ثلاثين يوما، وثلاثين ليلة من الصيام والصلاة والدهشة والمعاندة. فلسطين، ايتها الام المقدسة، الى متى تمضين في مسافات من أسئلة، ليل ام نهار، عيد ام حيرة، غابات قتلى، اوجاع خلف الابواب، رجاء أجراس، صراخ مئذنة، رجال يسافرون الى أقاصي احلامهم، نساء يدخلن ملكوت المخيلة، اطفال على البحر يصطادون الموج، قولي: هل يمكن ابتكار طريقة لتحرير المعنى من ظلال الراحلين؟ فلسطين ، فلسطين ، يقولون ان البؤس فيك يفوق كل الوصف، ويقولون ان الموت في شوارعك مجاني، وان غالبية شعبك اسرى او شهداء او لاجئين، لكننا نحملك على ظهورنا، من منفى الى منفى، ومن سجن الى سجن، ندخل الكنيسة، نخرج من الجامع، ونكون راضين مطمئنين. غدا... سيزبد موج اليقين في مضايق الروح نبحث عن الحياة خذي بيدنا ايتها الريح |