وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رسالة من نوع أخر ....

نشر بتاريخ: 22/07/2015 ( آخر تحديث: 22/07/2015 الساعة: 15:26 )
رسالة من نوع أخر ....
الكاتب: يونس العموري
سيدي الرئيس الغائب المُغيب .... اعلم انك قد رحلت عن دنيانا، واعلم أن غيابك كان قسريا، فقد قتلوك وربما أيضا نكون قد قتلناك أيضا، فقد قتلناك يا سيدي أكثر من مرة، وبأكثر من أسلوب، وما زلنا نمعن بممارسة قتلك وذبحك من الوريد إلى الوريد، ونحن نمارس خرابنا ونطفو فوق مستنقعنا الآسن، ولعبة الموت تطاردنا في أزقة الحواري وشوارع الموت التي أضحت مسارح لتصفية حسابات الكبار، اعلم أن الخراب بات يطال البيت الذي شيدته أنت وهؤلاء الراحلين المترجلين نحو الموت القسري، وأعلم أن بيتك بات مهددا بالانهيار بفعل مقاولي السياسة وممارسي سمسرة الواقعية الجديدة، فقد أصبح القتل والتقتيل لبعضنا من عادتنا اليومية، وعرس الدم قد أضحى واحدا من شعائرنا، وسجالاتنا عقيمة، وهمومنا نشكوها للغير، وليلنا حالك بالسواد وطويل، وطردنا من بيتنا، وان أردنا العبور له لا مكان لمن مثلنا، صرنا نهون على كل الكبار في لعبة الموت، وصرنا وقودا رخيصا في صراعاتهم، على كل شيء من الممكن أن نختلف، وعلى ابسط الأمور نصوب بنادقنا اتجاه صدورنا، ونمارس لعبة الموت ونرقص على أوجاعنا وندعي نصرنا على الخصم في شوارع غزة ونابلس ورام الله والقدس تراقبنا وهي حزينة ثكلى تبكينا.

يا سيدي نساؤنا لم يعدن بالجميلات، ورجالنا يمارسون سطوتهم عليهن، فقد هان كل شيء، وماتت نخوتنا وشرفنا قد أُستباح، وأصبحنا نزود ذواتنا بأحقادنا ونتغذى من خلال هذا العقم في أطروحاتنا... فلسطين صارت كلمة للتجارة السياسية الرائجة هذه الأيام في سوق المزادات العربية والإقليمية، تُباع وتشترى وبأبخس أثمانها من قبل أبناءها الكبار المتربعين على عرش السطوة.... صرنا كالقطيع التائه بالبراري... غابت تلك القشعريرة عن جسومنا ونحن نلفظ اسم الوطن بفعل حجم الدم المُستباح بحوارينا، نصحو على ضجيج نزعاتهم وننام حالمين بتشكيل حكومة الوحدة... وتأتينا الكوابيس بمن يطاردنا لسدود ديونه التي أثقلت علينا الحياة... أصبحنا الشحاذين الذين نستجدي قوت اليوم وبأي الأثمان... نجوب كل العواصم عارضين بضائعنا للبيع من اجل رغيف اليوم.... ويعتلي الزعيم الفلاني ابن الفلاني أبو الفلاني المنصة وربما المنبر أيضا ليشبعنا خطبا وقولا بليغا وقد يكون جميلا ونعود للشوارع لنمارس الذبح والقتل... لم نعد نخجل من ضعفنا ومن شكوانا للغير... إخوة لنا نصفهم بالمتعنتين تارة وبالمتنازلين تارات أخرى... لغتنا صارت تخوينية وكأن كل واحد فينا يملك الوطن وشهادات حسن السيرة والسلوك والوطنية ليمنحها لمن يشاء ويصنفنا بالدرجات التقديرية....

سيدي الرئيس المُغيب .. غيابك قد طال ونحن كمن هم اليتامى المقهورين المأكولة أموالهم... والسائلين المحرومين ممن يتطلع على معاناتهم، قالوا لنا حينما أتينهم يكفيكم تسولا، ويكفيكم إمعانا بالشكوى، فقد سئمناكم وسئمنا همومكم، واثقلتم علينا رغدنا وحياتنا... إن تمردنا قالوا إننا نخرب الوطن... وان شكونا يقولون أننا نمارس اللهو السياسي ولا نعي دهاليز الفعل الدبلوماسي الحضاري... إن قلنا لا صرنا متعندين متصلبين وضد الواقعية الجديدة... وان قلنا نعم فنحن الخائنون للوطن ولمبادئه... وبكل العواصم صار لنا سفراء يتحدثون للفضائيات ويردحون لسفراء غيرهم يختلفون وإياهم... وكل هؤلاء السفراء يا سيدي ليسو لفلسطين وإنما لأحلاف محورية سائدة بالمنطقة... ومسكينتنا فلسطين تائه وسط كل هذه الأحلاف ومحوريتها...

وان طلبنا بسيادة القانون فالفلاني يعرف ببراعة كيف يلتف على كل قوانين العدالة الربانية منها وتلك الوضعية... وبقدرة ذكاءه ومعرفته بخبايا الأمور وتحالفات مصالحه يصبح هو القاضي ومن يصنع القوانين...

رجالك يا سيدي غادروا عرينك وأضحوا متراكضين لاهثين خلف كبار هنا أو هناك... متخاصمين متناحرين حتى في بيتك... لا يتفقوا على منهج فعلهم ولا على حتى لقاءهم وحوارهم... فكل له أجندته التي يفصلها وفقا لرغباته وحسابات دقيقة يجريها مع مصالحه ومدى جدواها.... ولا حسابات حقيقية تجرى في سبيل الوطن وقضاياه...

قتلناك يا سيدي وأمعنا بقتلك فنحن نعلم ونعرف كيف تم غيابك ولا نجرؤ على قول الحقيقة أو حتى المضي بالتحقيق بملابسات قتلك وأخمدنا خناجرنا في أغمادها ورحنا نتقاتل حول مغانمك... قتلناك يا سيدي ووصايك المعلقة كتعويذة قد دسناها ببساطير تخريبنا... وها نحن نأتيك بذكراك لنناجي الأب والأخ والخصم اللدود... اختلفنا معك ومع أساليبك وربما أيضا مع أطروحاتك ولكننا لم نختلف عليك وعلى ضميرك... واليوم ربما نتفق معهم ومع أطروحاتهم على مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم ولكننا حتما نختلف عليهم وعلى ضمائرهم........