|
اللعبة الصفرية في الشرق الأوسط مع إسرائيل فقط
نشر بتاريخ: 26/07/2015 ( آخر تحديث: 26/07/2015 الساعة: 12:02 )
الكاتب: محمد عودة الأغا
ضمن نظريات العلاقات الدولية، تُعَرَّف نظرية اللعبة على أنها المنهج الذي يقوم بدراسة صناعة واتخاذ القرار ضمن العلاقات الدولية في المواقف التي يغلب عليها صفة الصراع أو التعاون، وتنقسم النظرية على أساس النتائج النهائية إلى نموذجين، الأول: هو اللعبة الصفرية، ومفادها: أن المكاسب التي يحققها الطرف "أ" تمثل الخسائر التي يفقدها أو يتكبدها الطرف "ب"، أي الربح المطلق أو شبه المطلق للطرف "أ" والخسارة المطلقة أو شبه المطلقة للطرف "ب".
أما النموذج الثاني لنظرية اللعبة فهو: اللعبة غير الصفرية حيث تكون الخيارات المطروحة أمام الطرفين "أ" و "ب" هي أن لا يُكَبِّد أحدهما الآخر خسائر مطلقة وأن لا يتوقع أحد الأطراف أقصى درجات المكاسب. إذاً، فالتمييز بين اللعبة الصفرية وغير الصفرية لا يعتمد على ما إذا كانت نتيجة اللعبة هي بقاء طرف أو زوال الطرف الآخر، ولكن التمييز يكون على أساس الفوز الشامل أو الجزئي بتحقيق الأهداف الموضوعة من خلال طرفي النزاع. إلا أن ذلك يبقى ضمن الإطار النظري في منطقة الشرق الأوسط –على الأقل-، وخصوصاً في إطار الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث ترى إسرائيل أن معركتها مع العرب هي معركة وجود. ولا أدل على ترتيب إسرائيل لأوراق لعبها على أساس صفري خصوصاً تجاه العرب، من سعيها المستمر لتطوير وحيازة السلاح النووي منذ احتلالها لأرض فلسطين، بل تعمل على ضمان عدم امتلاك أي من الدول الإقليمية لهذه التكنولوجيا حتى للأغراض السلمية في بعض الحالات. إن المتابع للأوضاع في الشرق الأوسط يرى بوضوح تناثر أوراق اللعبة، واستفاقة لاعبين من غيبوبتهم، وبروز لاعبين جدد، والكل يتنافس للصدارة والمكانة الإقليمية المؤثرة، بل وصلت الحالة الإقليمية في كثير من الساحات للمجابهة العسكرية، بهدف فرض سياسة الأمر الواقع، لكن الخطير في الأمر هو تطور السلوك الإقليمي لبعض اللاعبين لحد إظهار أن الخيارات المطروحة هي خيارات صفرية وجودية، تسعى لتكبيد الطرف الآخر خسائر مطلقة؛ إما سياسياً أو اقتصادياً أو وجودياً. ففي العراق مثلاً، تعمل الفتنة الطائفية على تأجيج الصراعات المذهبية، من خلال تقسيم الشعب إلى جبهتين إحداهما شيعية وهي الأقلية المسيطرة سياسياً، والأخرى سنية ذات الأكثرية، لحدٍ وصل الأمر إلى إعلان عدم قبول الطرف الآخر، وإنهائه وجودياً، واستمرت حالة التشظي لأبعد من ذلك، حتى وصل الصراع لداخل الجبهات ذاتها. وفي سوريا كذلك، انتقلت ثورة الشعب ضد النظام، إلى حرب صفرية، يسعى طرفيها لتكبيد الآخر الخسائر لإخضاعه وفرض شروطه، بل تطور الأمر -نتيجة التدخلات الإقليمية- إلى حد وصل بالحالة السورية إلى حربٍ إقليميةٍ بالوكالة، كان أحد أدواتها تفريق الجبهة الواحد، ودفعهم للاقتتال المسلح؛ سعياً لإفناء الخصم. لقد وصل الحد في الصراعات الإقليمية إلى درجة جعلتنا نفقد فيها بوصلتنا، فانحرف مسار الجهود المبذولة عن حقيقة الوضع الإقليمي الذي يتمثل في التهديد الذي نتعرض له من جانب المشروع الصهيوني، المتمثل في دولة إسرائيل المغروسة في أهم بقعة في الإقليم، بسبب ما تمثله من بعد ديني وقومي وسياسي وجغرافي، فأصبحنا نرى إسرائيل تنعم بالأمن برغم التوترات الكبيرة على حدودها من الخارج. والجدير بالذكر، أن إسرائيل نسجت نظريتها للأمن القومي على أساس تعرضها لخطر وجودي، قادم من جهة العرب بصورةٍ أساس، فانطلقوا قديماً عبر وسائلهم الخبيثة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وبث السموم بين الدول، لضمان إلهاء العرب ببعضهم البعض، وإشغالهم عن الخطر المركزي الذي يهددهم، حتى وصل الفكر السياسي العربي لاعتبار كيان الاحتلال الإسرائيلي واقعاً يجب التعايش معه ونسج العلاقات التي وصلت في بعض جوانبها للعلن دون أي خجل. يجب أن تصاغ نظريتنا العربية للأمن القومي على أساسٍ صفريٍ تجاه إسرائيل، فهذا الكيان المُستحدث لاستخراب المنطقة لن تجدي معه أي محاولة للتعايش، بل إن النظرية ستوجه الجهود بعيداً عن الصراعات الداخلية التي تتخذ من المذهبية والطبقية والقومية وقوداً بيد إسرائيل لتحقيق غاياتها. وبما أن إسرائيل عبارة عن كيان وظيفي مستحدث من قِبل الغرب، -سعياً لتحقيق المصالح الغربية في المنطقة-، فالأصل أن تُوجَّه الجهود العَربية تجاه إزالة هذا الكيان، وليس العمل على ضمان أمنه واستقراره، فالمنطق السياسي يحتم على كل عاقل أن يواجه التهديد بما يقابله من إجراءات تضمن حماية أمنه القومي. |