وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

المثقفون ضمير الشعب وحُماة الهوية والثقافة الوطنية

نشر بتاريخ: 27/07/2015 ( آخر تحديث: 27/07/2015 الساعة: 18:22 )
المثقفون ضمير الشعب وحُماة الهوية والثقافة الوطنية
الكاتب: د.ابراهيم أبراش
إن أردت أن تتعرف على الواقع الحضاري والأخلاقي لمجتمع من المجتمعات واستشراف مستقبله ،فأبحث في واقع الثقافة وحال المثقفين والإبداع الفكري ، من حيث حرية الرأي والتعبير و من حيث شبكة الحماية التي توفرها لهم المنظومة القانونية والدستورية . نعم المجتمع يحتاج للجيش ورجال الأمن ورجال الأعمال والمال وللمزارعين والتجار والمهنيين والأطباء والسياسيين الخ ، ولكن هؤلاء لوحدهم لا يؤسسون حضارة ولا يستنهضون أمة ، ولو تمعنا في تاريخ وواقع المجتمعات المتطورة والمستقرة لوجدنا تلازما ما بين النهضة العمرانية الاقتصادية للأمة من جهة والإبداع الثقافي وقوة حضور المثقفين والمبدعين والمفكرين من جهة أخرى .

المثقفون الفلسطينيون ضمير الأمة والمحافظون على ثقافتها وهويتها وكرامتها . بدون المثقفين ما كان للمجتمع ثقافة وهوية تميزه عن غيره من المجتمعات،وما كُتِب التاريخ الفلسطيني الحقيقي ، وما تم نقل الثقافة والهوية عبر الأجيال ، وما استطاع الشعب ،المنشغل بهموم حياته اليومية ، توصيل همومه ومشاكله لأولي الأمر وللرأي العام المحلي والدولي ،والتعبير عن قضاياه ومشاكله الحياتية في مواجهة السلطة والفساد والمفسدين ، وفي مواجهة خصومه وأعدائه الخارجيين .

المثقفون الفلسطينيون : المذيع وراء المذياع ،مقدم البرامج التلفزيونية ومعدو التقارير،كُتاب الدراسات والمقالات السياسية والثقافية والاجتماعية ، الأدباء والشعراء والمؤرخون ، الفنانون بكل ابداعاتهم الخ ، هؤلاء هُم الذين يعبرون عن هموم الشعب وقضايا الوطن ، فإن صمتوا نفاقا ورياء أو خوفا ورهبة ،مَن يكتب ويُعَبِر عن قضايا الوطن وهموم الشعب ؟.

لا يجوز أو يحق لأي كان أن يتطاول على أو يبتز أو يُرعب مثقفي ومفكري الشعب الفلسطيني والذين كانت لهم مساهمات مميزة في الارتقاء بالثقافة العربية بل والإنسانية ، كما أنهم موضع احترام وتقدير على مستوى العالم العربي بل والعالم كله ،وكثيرون منهم – ومن الأطباء والمهندسين والخبراء في كل التخصصات - تركوا مواقعهم الاكاديمية والفكرية المتميزة في جامعات ومؤسسات عربية ودولية وعادوا للوطن ،ليس بحثا عن راتب أفضل أو حياة مريحة أكثر ،بل تلبية لنداء الواجب الوطني ، وبالتالي لن يقبلوا أن يكونوا شهود زور على تدمير الوطن على يد ثلة من الفاسدين الذين تسللوا لمواقع حساسة في السلطة والنظام السياسي ، ولن يقبلوا أن يكونوا على هامش الحياة السياسية والثقافية .

أن يمارس المثقفون ،والمواطنون عموما ، حقهم في انتقاد الفساد والمفسدين وتسليط الضوء على الأخطاء والتجاوزات في النظام السياسي الفلسطيني ، أو اختلافهم في الرأي مع أية من الحكومتين والسلطتين أو أي جهة كانت ،فهذا أمر طبيعي لأن المثقف ناقد اجتماعي ، هذا الأمر لا يبرر الصمت عن ما يتعرضون له من إساءات ومضايقات من جهات سلطوية ، وخصوصا إن كان هؤلاء المتَطاولون شخصيات قميئة وضعتها الصدفة أو العلاقات المشبوهة في موضع المسؤولية.

المثقفون الفلسطينيون كالجبال الشوامخ لا يُرهبهم تهديدات الأقزام والموتورين والفاسدين ، ولا يوجد شيء ليفقدوه إن خاضوا معارك ضد الفساد والفاسدين ، ثروتهم كرامتهم ورأيهم الحر وحب الشعب لهم ،وتاريخهم مُشرف حيث أغلبهم كانوا مقاتلين ومناضلين وخريجي سجون الاحتلال . وسيفشل المتسلطون على وزارة الشؤون المدنية في تحويل الكُتاب وأصحاب الرأي الحر في قطاع غزة لجبناء من خلال تحكم الوزارة بتصاريح الخروج من قطاع غزة .

لذا نتفهم ونعذر صمت البعض أو التأييد الخجول وغير المُعلن لِما تعرضت له من قذف وتشهير رخيص من صغار في الشؤون المدنية ،لأن المثقفين والكُتاب كجميع أهالي قطاع غزة مسجونون في غزة ويراهنون على السفر للعلاج أو للعمل أو للدراسة لهم أو لأبنائهم ، وبوابة السجن الوحيدة معبر بيت حانون ومفتاحها عند إسرائيل والشؤون المدنية ، فكان ألله في عون أهالي غزة ومثقفيها وكُتابها .

إن قلقا ينتابنا بأن المثقفين وكل أصحاب الرأي الحر ، سيواجهون محنة شديدة وقد يُقدَمون كقرابين على مذبح تحالف الفاسدين ومصالحة إدارة الانقسام . وإن لم يتضامن ويتكاثف الوطنيون الشرفاء مع المثقفين بكل اطيافهم في مواجهة الفساد والمفسِدين ، فقد نصل إلى مرحلة ينطبق عليها قول الشّيخ محي الدّين ابن عربي "هذا زمن السّكوت وملازمة البيوت والاقتصار على القوت والتّوكل على الحيّ الذّي لا يموت".