وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ثلاثة ايام في عاصمة الانوار : ياسر عرفات ما زال حيا هناك.. ولا حضور رسمي للسلطة في "ايام الحرية"

نشر بتاريخ: 23/09/2007 ( آخر تحديث: 23/09/2007 الساعة: 21:39 )
بيت لحم- معا- فؤاد اللحام- حين دعاني صديقي رئيس لجنة توأمة المخيمات الفلسطينية مع المدن الفرنسية احمد محيسن للذهاب بمعيته الى باريس لحضور مهرجان ايام الحرية المعروف باسم " فيت دي ليمونيتة" والذي يعقد سنويا على مدى ثلاثة ايام تمتد من السادس عشر من ايلول حتى الثامن عشر منه، لم اتصور حجم هذا الحدث الذي يجسد احتفال الحزب الشيوعي الفرنسي بصدور اول عدد من صحيفته المركزية "لومومنتيه" وذلك قبل 75 عاما لذلك تعاملت مع العرض وكأنه دعوة الى نزهة باريسية ليس الا، وحين اتجهنا الى عمان للقاء بقية اعضاء الوفد النائب جهاد طملية وجمال ابو لافي وجمال ابو ليل لم يخطر ببالي انني اتجه الى لقاء العالم اجمع وسط عاصمة الانوار.

ولمن لا يعرف تفاصيل هذا الحدث اوجز له ما يسر لي الاطلاع عليه فهو احتفال سنوي دأب الحزب الشيوعي على تنظيمه على مدى 75 عاما خلت احتفالا بصدور صحيفة الحزب فتحول مع الزمن الى تجمع يضم معظم الاحزاب الشيوعية في العالم.

اضافة الى القوى المناضلة والمكافحة لنيل حقوقها مهما اختلفت مشاربها وتعددت الوانها السياسية والفكرية فهناك وسط باريس وفي ساحة تقع بالقرب من مطار شارل ديغول تلتقي بجميع قضايا العالم وقواه السياسية فمن الصين الشعبية التي اهتم سفيرها شخصيا بالوقوف امام الجناح الصيني ودعوة الزوار الى الدخول الى فنزويلا وكوبا وفيتنام وروسيا وامريكا وبريطانيا وما بينهما من دول وشعوب وتناقضات فكرية وصراعات وتستمع الى مواقفهم من مجمل قضايا العالم وتسعد بمشاهدة عروضهم التراثية ولا تكاد تسير مترا واحدا دون ان تلتقط منشورا او بيانا يطرح قضية ويدافع عنها او يطالب باطلاق سراح مناضل افريقي او اسيوي او امريكي لاتيني انه وبكل بساطة اكبر مؤتمر قمة عالمي حيث امه على مدى الايام الثلاثة ووفقا لاحصائيات القائمين عليه اكثر من مليون انسان من مختلف بقاع الارض لا يربطهم سوى شعور التضامن مع القضايا الانسانية المختلفة.

هناك في ساحة المؤتمر تجد التنوع البشري الهائل واللامتناهي فالاسود يطرح قضاياه بكل قوة ودون عائق ويجد لها الاذان الصاغية لدى جميع الحضور والاهم بانك ستدرك من النظرة الاولى قدرة المجتمع الفرنسي على قبول الاخر وهنا اقصد الاخر العرقي والديني واخر اللون والنمط السلوكي المختلف حيث تشاهد كافة الانماط والاضضاد وقد اجتمعت في ساحة واحدة دون ان ينفر ايا منها من الاخر او يتعارض معه او تمر باشكال وما اجتماع تركيا وارمينيا وكردستان وقد تجاورت اجنحتهم حد التلاصق الا خير دليل على ما اقول.

وانا هنا لا ادافع عن المجمتع الفرنسي او الرأسمالية التي لو قررت انتقادها بشكل موضوعي لما عازتني الثقافة ولا خانني التحليل والتعبير لا انني لا اعاني من صدمة السفر وذهول الانتقال المباشر لكنني انقل ما شاهدته بام العين وما لمسته من قدرة غالبية المجتمع الفرنسي على قبول الاخر والتعايش معه وحتى احترام ثقافته وسلوكه طالما لا يتعارض وحرية الاخرين ولا يمس حقهم في العيش كما يرغبون.

فرغم التنوع الكبير الذي غصت به ساحة المؤتمر وغياب رجال الامن على الاقل باللباس الرسمي ما خلا المداخل الرئيسية لم يحدث اي اشتباك او صدام بين اطياف الحضور وانماط السلوك الغريبة في بعض الاحيان والشاذه في بعضها الاخر.

التضامن والضيافه الفرنسية

حين حطت طائرتنا على ارض مطار شارل ديغول كان في استقبالنا رئيس لجنة التوئمة المشارك " فيرنو تويل " واقلنا بسيارته الى منزله المتواضع في احدى ضواحي باريس ومنذ اللحظة الاولى حاول جاهدا تبديد شعور الغربة الذي انتابني خاصة وانه على علاقة جيدة مع رفيقي احمد محيسن الذي زار منزله اكثر من مرة لذلك لم يشعر بما شعرت ولم ينتابه الحرج الذي انتابني وحين وصولنا المنزل ظهرت علينا زوجته " ايزابيلا " بقسماتها البرئية والرقيقة وابتسامتها العريضة المعبرة عن حسن الاستقبال عوضا عن قصور اللغه والتواصل.

حين شاهدت ايزابيلا اول مرة لم استطع تقدير ما تختزنه من قدرة على العمل والتحمل والجهد في سبيل قضية فلسطين التي نذرت نفسها وزوجها من اجل تعميم التضامن معها ونشر الوعي حولها الى ان شاهدتها على منصة المعروضات داخل الجناح الفلسطيني الذي عملت هي وزوجها وعدد كبير من المتطوعين الفرنسيين على اعداده واخراجه بابهى الصور واجملها حيث بقيت هناك على مدى الايام الثلاثة تعمل وتجد في الجناح دون كلل او ملل او حتى تبرم دون ان تغفل الاشتراك في المحاضرات واللقاءات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي عقدت في الاجنحة الاخرى او ترتيب حضور الشخصيات الفرنسية والرسمية وغير الرسمية الى الجناح الفلسطيني الذي اعتبر وبحق من انجح الفعاليات التي شهدها المؤتمر وذلك بفضل ايزابيلا وزوجها فيرنو الذي اعتقدت بانه فلسطيني اكثر من الفلسطينيين خاصة حين يتبدى لك مدى تمسكه بحق العودة الفلسطيني واصراره على طرحه في كافة المحافل الفرنسية لدرجة ان المرشح لتولي الامانة العامة للحزب الشيوعي الفرنسي " باتريك" اصر على ذكر حق العودة في معظم محاضراته وكلماته وذلك لاول مرة في تاريخه الشخصي وفقا لما اسر به فينو تويل .

فيرنو تويل شخص لا يعرف الركون الى الدعه والهدوء فطوال ايام المؤتمر لم يسكن لحظة واحدة فعمل سائق سيارة شحن من اجل تسهيل نقل المعروضات الفلسطينية ونشرها وعرضها وحين اخر اشاهده كسياسي محترف يصول ويجول في اروقة المؤتمر حاملا راية حق العودة ومدافعا عنها معاديا كل من يتحفظ عليها اويعارضها فرنسيا كان او غير فرنسي دون ان يغفل بين الفينة والاخرى سؤالنا حول ما نحتاجه او هل تناولنا الطعام ام لا وكأنه يصر على لعب دور الاب او الام الى جانب نشاطه التضامني المؤثر والكبير .

ياسر عرفات الحاضر الاكبر والسلطة الغائب المطلق

لم ادرك كنه مقولة لا احترام لنبي في وطنه الا حين شاهدت مدى الاحترام والتقدير الذي يحظى به الزعيم الخالد ياسر عرفات فقد اصر القائمون على المؤتمر على اطلاق اسمه على احد شوارع الساحة الرئيسية وقد زينت صوره شوارع واروقة الساحة ومعظم الاجنحة المشاركة فقد اعتلت صورته معظم جدران الاجنحة المشاركة الى جانب المناضل العالمي تشي جيفارا ونيلسون مانديلا وهوتش منه واكاد اجزم بان معظم الذين اموا ساحة المؤتمر اعتمروا كوفية ابو عمار وقد زينتها صورته الصغيرة في حجمها والكبيرة في معناها ولم استمع الى كلمة او محاضرة لم تختم بالتحية لهذا الرجل العظيم لدرجة انني احسست به يلاحقنا في ساحة المؤتمر وبت اشك في قصة موته وكانت الصدمة الكبرى حين خصص الامين العام للحزب الشيوعي الفرنسي اكثر من ربع ساعه من كلمته للحديث عن فلسطيين وياسر عرفات وحق العودة، نعم لقد شاهدت ياسر عرفات حيا في باريس، يقاتل من اجل قضيته وينشر اخبارها ويطرح تطوراتها، لكن المفارقة الكبرى ورغم الحضور المميز لفلسطين بفضل لجنة التوءمة ورئيسها احمد محيسن والرئيس المشارك فينو تويل اختفى الوجود الفلسطيني الرسمي بشكل يكاد يكون مطلقا لولا حضور السفيرة الفلسطينية هند خوري الخجل والمستعجل، لقد غابت السلطة الفلسطينية وحضرت فلسطين وياسر عرفات ومروان البرغوثي، لقد غابت السلطة الفلسطينية الرسمية عن اكبر تجمع سياسي متنوع ومتشعب في اوروبا وحضرت الصين العظمى وفنزويلا النفطية وكوبا المستقلة، غابت السلطة واختفت عن الساحه ولم يسمع العالم صوتها وحضرت فلسطين وشدت انتباه العالم ورفرف علمها في سماء باريس ورفعت صور ياسر عرفات على مدى الايام الثلاثة.

الوفد الفلسطيني:

لقد جهد الوفد الفلسطيني المكون مني كاتب هذه السطور واحمد محيسن رئيس لجنة التوءمة والنائب جهاد طمليه وقياديي حركة فتح جمال ابو لافي وجمال ابو ليل لاثبات حضور فلسطيني الداخل بقضاياها وشجونها ومشاكلها وامالها فتنقلوا من موقع الى اخر متناولين قضايا التعليم والصحة والاحتلال واجراءاته وتعقيدات الوضع الداخلي محاولين التسامي على الجراح وطرح القضية في اطارها الوطني العام والصراع مع الاحتلال دون غيره مدركين ثقل المهمة خاصة وانك تخاطب جمهورا ملما بالتفاصيل حتى ادقها ومتابعا للشأن الفلسطيني ما جعل مهمتنا صعبة وتتطلب الاجابة على الاسئلة الكبرى خاصة فيما يتعلق بالشأن الداخلي.

حفل الاختتام

كان في يوم الاثنين الموافق 18/9 /2007 وعلى المسرح الرئيسي وبحضور اكثر من نصف مليون انسان واعتلى المسرح المرشح المحتمل لامانة الحزب الشيوعي الفرنسي "باتريك " اضافة الى قادة النقابات الكبرى في فرنسا وابنة المناضل العالمي تشي جيفارا واحمد محيسن الذي وقف الى جانب شريكه في رئاسة لجنة التوءمة فينو تويل وكانت فرحة الوفد الفلسطيني كبيرة حين اثبتت فلسطيين حضورها مرة اخرى من خلال كلمات المتحدثين وتصفيق الجمهور الذي يندلع فور سماع كلمة فلسطين او ياسر عرفات.

وحين هممنا صبيحة يوم الثلاثاء بمغادرة فرنسا شعرت لاول مرة بانني اترك خلفي جزءا من نفسي فما شهدته هناك من تضامن مع فلسطيين واحترام لقائدها الخالد جعلني اعيش مثل هذا الشعور الذي تفجر حين ودعنا فيرنو هذا المناضل الفلسطيني الذي لم يحمل جنسيتنا او ينتمي يوما لعرقنا.

وفي النهاية امل ان يصل صوتي الى المسؤولين في القيادة الفلسطينية ليعيروا مثل هذا الحدث الاهمية التي يستحق ويعودا بقضيتنا الى مربعها الصحيح حيث التضامن الذي لا ينتظر جزاء او شكورا وان يجهدوا الى المشاركة الفاعلة في العام القادم الى جانب الدول العظمى الصين وروسيا اللتين لا تحتاجان للتضامن العالمي مثلما نحتاجه نحن.